الجمعة , أبريل 19 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الثقافة / مساهمة مصطفى بوسنة: همسات قصور ورقلة المنسية.. قراءة في أعمال الفنان عبد الحليم سلامي

مساهمة مصطفى بوسنة: همسات قصور ورقلة المنسية.. قراءة في أعمال الفنان عبد الحليم سلامي

لكي لا نكتفي بالسطحي علينا الكشف عن حجب الأشياء، علينا أن نبني مدنا خيالية  لا مجال فيها للعلاء فالباطن القريب يبصر بسريرة النظر حفيف الروح وغمار التراب وعجين الرمال، لذا حين تغرب الشمس و تختفي الواحة تمالك نفسك و اقترب من سطح الصلصال و كلمه بما لديك وما  لم تعلمه بعد يكشف لك عن أسرار  الوجود، تلك التي تطأها قدمك فلا تدري.

شجرة العلامات تثمر مزيجا من المرارة وحرقة السؤال تتناسى الخطوط كي تقول ما لا يقال  وتشتت جماع المعنى وتقابل لجاجة اللغة بسديم الجلبة، كلام اللوحة لغو و صمتها سلطة لمجاري التأمل، تواصلها وصال وعشقها صبابة ورسائلها خيوط أثيرية تتجاوز عتبات المعقول، لذا حين ترتوي اللوحة من ينابيع الكلام ويصبح الكلام جدبا في حضرة السكون آنذاك تغير جلدتها وتنساب في شرايين الكينونة و كأنها ولدت من جديد في واحة نخلتها وحيدة.

لجدران وشبابيك قصور ورقلة القديمة مكانة خاصة في اعمال الفنان الجزائري عبد الحليم سلامي  ابن منطقة واد ريغ بتقرت إنه يتشكل كلاوعي للوحة و كنموذج خاص للعمل الفني، والحقيقة أن تلك العلاقة الطفولية بهذا السطح لم تلبث أن تسربت إلى العمل الفني بالتدريج إلى حد ان الجدار غدا مجازا للوحة للصحراء في الآن نفسه، تتماهى لوحة حليم سلامي مع الجدار وكأنها تستدرج الفضاء المعماري الذي انطبع في العين منذ زمن لكي يستجلي نفسه في علاقة مباشرة بفضاء الصحراء  وبالتسامي الروحي.

الألوان و الأشكال المؤثثة للوحة سلامي تبدو كعلامة محفورة على صدر الصخر، إشارات مجسمة في جدران قصور تقرت ومقابر ملوك ولاد جلاب نحتتها الرياح فيها..وشما مخطوطا بروح الأسلاف، إيماءة خفية مجبولة بلهفة أهل الصحراء على الحياة و البقاء..تميمة منحوتة على لحمة البيوت الطينية  تقيهم شر الانقراض  والفناء  أعجوبة أخرجها الفنان من متاهة السكون و الزوال لتقيم في محراب الزمان، لتتبدل معه في خلوده وسيرورته وغدره و باطله، أثر مشبوه تحت شجرة الحلفاء، هل هو أثر عشبة صحراوية جرجرها الريح ام طلاسم سحرية رسمتها يد المخلوق الممسوس بعرجون نخلة.

يتحول الجدار الى لوحة يسكنها كما لو كان بدلا لها  يمارس فيها ذاكرته المحمولة على هوى التحولات يجعل منها فضاء للزمن المتوالي و للطفولة الفائتة، الجدار هنا أشبه بقدر مصيري يختزن الممحو و الظاهر في هذه العملية ذاتها يصبح شاشة للوعي تشربها الفنان منذ الصغر، ذلك أن الجدار درع ضد الفراغ… إنه فراغ ممتلئ برحابة الاكتفاء الذاتي وكيان يمنح للوجود الشخصي موطئا يدفعه للترحال و التيه و المخاطرة و المغامرة..

فعندما نتأمل الفن التشكيلي عند حليم سلامي، نجد أنفسنا أمام تقنية خاصة به: الحضور المتميز للعلامات والرموز في معناها السميولوجي.. إنه حضور بهي ومتألق للوجوه الصحراوية السمراء والوشم، والغرافيك داخل فضاء اللوحة الفنية، إنها موتيفات تشير تصريحا وتلميحا إلى مكونات الفضاء الصحراوي وشخوصه، ترمز إلى الشمس، والخمسة، والطلسم، والوشم، تتحدث عن أشياء يعرفها الرسام، وتقول أسماء تربطه بثقافته الأم. غير أن الرمز والوشم والغرافيك، كيف ما كان يغادر تحت تأثير خيميائية الريشة فضاء الكتابة والكتاب، ليلج فضاء التشكيل، ويصبح بعد ذلك مادة تشكيلية.

لمحة تعريفية: الفنان مصطفى بوسنة رسام و نحات ومصور دخل إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة،  حيث تعلم قواعد الفن التشكيلي ومداعبة  الريشة على  يدي كبار الرسامين من أمثال مصطفى عيدود ودينيس ما رتيناز.. تميز المسار الفني لمصطفى بوسنة بالنجاح، حيث أقام عدة معارض داخل وخارج  الجزائر. وقد أقام معرضا لآخر أعماله “حديقة النور” في نوفمبر الماضي بالجزائر العاصمة.

التشكيلي مصطفى بوسنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super