ارتفعت حرارة الانتخابات الرئاسية المقبلة رغم بُعد موعد انطلاق الحملة الانتخابية لهذه الرئاسيات المتوقع تنظيمها في أفريل من السنة المقبلة، غير أن الجدل السياسي المحتدم هذه الأيام بين الموالاة وأقطاب المعارضة يوحي بانطلاق حمى الرئاسيات قبل أوانها.
بدأت صافرات الإنذار في الاشتغال مع أحزاب الموالاة التي تلح في دعوة الرئيس بوتفليقة للترشح لعهدة خامسة، في شبه حملة انتخابية مسبقة قبل وقتها القانوني، عندما تحدث رئيس حزب “تجمع أمل الجزائر” عمار غول عن الشروع في حملة لصالح الرئيس بوتفليقة محدثا جدلا سياسيا واسعا، إضافة إلى لقاء الوزير الأول أحمد أويحيى بالأمين العام لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس في مكتبه بمقر الوزارة الأولى، حيث ناشدا من خلاله رئيس الجمهورية التقدم للانتخابات الرئاسية المقبلة، ذلك اللقاء الذي قرأه البعض بأنه الخطوة الأولى في سكة قطار العهدة الخامسة بالنظر إلى حساسية المكان الذي احتضنه وهو قصر الحكومة.
وللرد على هذه المستجدات قالت مبادرة “مواطنة” في بيان لها إن ما تقوم به أحزاب الموالاة من نشاط دعائي داخل مؤسسات الدولة “خرق لقوانين الجمهورية والقيم والمبادئ الأخلاقية”، في إشارة إلى اللقاء المشار إليه بين أويحيى وولد عباس.
ونددت المبادرة في بيانها بما أسمته “التصرفات غير المشرفة التي اقترنت بالاستعمال المفرط وغير القانوني لإمكانيات الدولة منها قصر الحكومة”، وجاء في البيان الذي أنهى اجتماع أعضاء مبادرة “مواطنة” نهاية الأسبوع الماضي، إنه “لو كنا في دولة قانون وقضاء مستقل لكانت موضوع متابعات قضائية لأفعال جرمها قانون الإنتخابات”.
ولم تتمسك مبادرة “مواطنة” بالبيان، وإنما تعدت بالأمر إلى الخروج إلى الشارع للتظاهر ضد أحزاب السلطة التي تقول إنها ترغم الرئيس بوتفليقة على الترشح، هذا الكلام لم تقله المعارضة فقط وإنما أحد الوزراء السابقين المعروف عنه دعمه الكبير للرئيس بوتفليقة، وهو عمارة بن يونس رئيس الحركة الشعبية الجزائرية.
ولمحاولة امتصاص شكوك أحزاب مبادرة “مواطنة” التي دقت ناقوس الخطر، بخصوص حملة انتخابية مسبقة لصالح مرشح السلطة، خرج عبد الوهاب دربال رئيس الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات لمحاولة خفت أصوات المنتقدين، قائلا إن “قانون الانتخابات 16-10 واضح كل الوضوح في ما يخص الحملة الانتخابية، التي تم تحديدها بمدة زمنية 3 أسابيع قبل يوم الاقتراع”، مهونا مما يقال حول الأمر من طرف رؤساء أحزاب المعارضة بأنه “مجرد كلام سياسي عام لا يدخل ضمن إطار الحملة الانتخابية”. لكن عبد الوهاب دربال تراجع في موقفه للقول “إذا كان يقصد الحملة الانتخابية التي يحددها قانون الانتخابات فهو خارج القانون أما إذا كان يقصد بكلامه أنه اختار مرشحه ويشحد له الناس من الآن فهذا كلام سياسي عام”.
وردا على تصريحات رئيس الهيئة العليا المستقلّة لمراقبة الانتخابات، عبد الوهاب دربال، قالت رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، والناطقة الرسمية باسم حركة “مواطنة” زبيدة عسول إن دربال كرئيس هيئة “مستقلة” لمراقبة الانتخابات من المفترض عليه عدم “تبرير سلوك أحزاب السلطة”. ووصفت زبيدة عسول في تصريح لـ “الجزائر” أمس، موقف عبد الوهاب دربال بأنه “غير محايد”، واعتبرت القاضية السابقة والناشطة في مبادرة “مواطنة” أن رؤساء أحزاب الموالاة يقومون بـ “حملة انتخابية مسبقة”، على رأسهم رئيس حزب “تجمع أمل الجزائر” السيناتور عمار غول الذي قالت إنه “هو من أدلى بتصريحات أكد فيها شروعهم في تنشيط الحملة الانتخابية لصالح الرئيس بوتفليقة”، مؤكدة أن كلامه موثق بـ “الصوت والصورة”.
وأشارت عسول إلى صمت دربال أمام استعمال أحزاب الموالاة لمؤسسات الدولة لصالح مرشح مفترض، في إشارة إلى لقاء الوزير الأول أحمد أويحيى بالأمين العام جمال ولد عباس في مقر الحكومة الأسبوع الماضي، للتنسيق فيما بينهما لصالح بوتفليقة.
وقالت زبيدة عسول إن قانون الانتخابات قنّن الحملة الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها إضافة إلى توقيتها وشروطها، مرجعة اللوم على أحزاب الموالاة التي قالت إنها هي المسؤولة عن إثارة هذا الجدل.
وفي الجانب الآخر، وبالضبط داخل معسكر أحزاب الموالاة، تبنى تحركات مكثفة في الآونة الأخيرة لصالح مطالبة الرئيس بوتفليقة بترشيح نفسه للمرة الخامسة على التوالي، ستنتهي بعقد لقاء حاشد بقيادة جبهة التحرير الوطني يجمع كل المساندين لمسعى “الاستمرارية” حسبما تروج له أوساط حزبية.
في هذا الصدد، كشف بلقاسم ساحلي أن حزبه سيجتمع مع عشرة أحزاب يوم غد الأربعاء، في إطار التشاور وتجسيد التوجهات المشتركة لهذه الأحزاب الداعمة للرئيس بوتفليقة حول مختلف القضايا المطروحة على رأسها الاستحقاق الرئاسي المقبل. وأضاف بلقاسم ساحلي أن اللقاء القادم سيكون على رأس أولوياته “شرح مبادرة الاستمرارية التي دعونا من خلالها رفقة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي رئيس الجمهورية إلى الاستمرار في مهامه على رأس البلاد”.
وأفاد الأمين العام للتحالف الوطني الجمهوري ساحلي بأن لقاءاته الأسبوع الفارط، مع قيادتي “الأفالان” و”الأرندي” وضعت “لجنة عمل مشتركة” تعمل على الوصول إلى لقاء شامل الشهر المقبل، يضم كل الأحزاب السياسية المنخرطة في مبادرة دعوة رئيس الجمهورية للاستمرار في الحكم كما ستجمع إضافة إلى الأحزاب المعنية تنظيمات طلابية ونقابات وغيرها.
في الوقت ذاته، تلتزم أحزاب معارضة كـ”الأفافاس” و”الأرسيدي” الصمت قبل أشهر قليلة عن الموعد الانتخابي الرئاسي، فيما يبدو أنها لا تكترث لهذا الاستحقاق في ظل ضبابية المشهد السياسي والغموض الكبير الذي يلف الوضع سواء بالنسبة داخل معسكر أحزاب السلطة أو المعارضة التي لم تحدد بعد مرشحها سواء الفردي أو التوافقي إضافة إلى مشاكلها الداخلية وصراعاتها حول القيادة قبل أشهر عن مؤتمراتها مثلما هو الحال مع أقدم أحزاب المعارضة في البلاد جبهة القوى الإشتراكية.
إسلام كعبش