سببت الأمطار الغزيرة التي شهدتها عدة مناطق من الوطن مؤخرا، في انهيار مبانٍ قديمة، إذ سجلت مصالح الحماية المدنية، انهيار ثلاثة منازل في حي القصبة العتيق من دون تسجيل ضحايا، إلى جانب انهيارات في أسقف وجدران عمارات قديمة يعود بناؤها إلى الفترة الاستعمارية، فيما تخوفت عشرات العائلات القاطنة بحي بلكور الشعبي من انهيار جدران منازلها بسبب الأمطار التي سقطت وتشقق جدران البيوت.
وفي هذا السياق ناشد العديد من قاطني البنايات بالعاصمة ، والتي أصبحت آيلة للانهيار، أكثر من أي وقت مضى، السلطات الولائية وعلى رأسها الوالي، لاتخاذ الإجراءات الضرورية، قصد الإسراع في ترحيلهم إلى سكنات لائقة، تتوفر فيها ضروريات الحياة الكريمة، بعدما سئموا الانتظار.
ما زاد من قلق هؤلاء السكان، حسب البعض منهم، الخطر الذي أصبح يترصدهم داخل هذه البنايات التي يقطنون فيها، جراء التشققات والتصدعات التي آلت إليها جدرانها، حيث وصل الأمر بهم إلى استعمال السلالم الخشبية في بعض الأحواش، للولوج إلى بيوتهم، ناهيك عن غياب أدنى شروط الحياة الكريمة، بعد أن انعدمت فيها شروط النظافة، حيث أضحوا يقيمون في وسط جد متعفن، وهو الأمر الذي أصبح يشكل خطرا حقيقيا على صحتهم، خاصة الأطفال، كما أعربوا عن استيائهم الشديد، جراء تردي أوضاعهم الاجتماعية التي وصفوها بالمزرية، مؤكدين أنهم يعيشون في ظروف قاسية داخل هذه البنايات ، خاصة عند التساقطات المطرية.
أكثر من 50 ألف بناية مهددة
هذا وكشفت التقارير الرسمية للهيئات المختصة والتي أحصتها ولاية العاصمة عن وجود أكثر من50 ألف بناية مهددة بالسقوط منتشرة عبر 7 بلديات المتمثلة أساسا في القصبة، باب الوادي، بولوغين، رايس حميدو، سيدي امحمد، بلوزداد، المدنية، حسين داي والحراش حيث يعود تاريخ انجاز بناياتها للعهد الاستعماري وهو الأمر الذي جعل وهذا حسب تأكيد السكان البنايات تتآكل حيث كان الزمن كافيا بوقوع ذلك، وهذا في نفس الوقت الذي استوجبت الحالة التي آلت إليها البنايات إلى ضرورة ترميمها أو هدمها كليا، خاصة أن التقارير تشير إلى أن مجرد سقوط قطرات المطر أو حدوث هزة أرضية حتى ولو كانت ضعيفة كافية لإحداث الانهيار. لكن بالرغم من ذلك يضطر قاطنوها للعيش فيها لاستحالة ايجاد بديل وهذا في ظل القضاء على البنايات الهشة جذريا ففي ذات السياق أوردت نفس المصالح المختصة أن احصائيات البنايات الالية للسقوط على مستوى العاصمة جاءت ووردت بعد عمليات المسح التي مست البلديات المتضررة والتي تعرف انتشارا في العمارات المتضررة:
إحصاء 330 بناية بالقصبة
أكد علي مبتوش، رئيس مؤسسة القصبة، بالعاصمة، أن هناك 330 بناية مهددة بالانهيار في القصبة إذا لم تتدارك السلطات الولائية التأخير المسجل في حل ملف هذه المدينة العتيقة.
وأوضح مبتوش، خلال استعراض وجهة نظره أمام ممثلي الصحافة الوطنية بمقر مؤسسة القصبة، أنه وأعضاء الجمعية “لا يتحملون مسؤولية الانهيارات المتواصلة بالقصبة”، مؤكدا أن هناك “330 دار مهدد بالإنهيار في أي لحظة”.
واعتبر المتحدث أن مسلسل الانهيارات هو “نتيجة للسياسات غير السليمة التي طبقت على المدينة القديمة”، مطالبا بـ “كشف الميزانيات التي خصصت لترميم القصبة من 1962 إلى يومنا هذا”.
وأشار إلى أن الوقت حان “لإعادة فتح ملف القصبة في شفافية” تساهم – حسبه – في الحد من الخسائر البشرية والمادية، متسائلا عن “حقيقة” الأشغال المنجزة فعليا خاصة ما تعلق “بترميم 364 منزل و تخصيص 54 مهندس معماري مختص”.
وعلى خلفية انهيار عمار نهاية الأسبوع المنصرم بشارع بودرياس متسببة في أضرار لعمارتين مجاورتين، أكد مبتوش أن هناك أسباب “موضوعية” لهذه الحوادث المأساوية، في إشارة منه إلى “الأخطاء المقترفة في حق البنايات” من قبل المقيمين فيها.
ويضيف في نفس السياق أن السكان الحالين “تخلو عن المواد الأصلية مثل التربة و الجير” واستبدلوها بالأدهان العصرية والإسمنت وإحداث تعديلات داخل المنازل دون إذن السلطات المعنية، وتعويض الخشب بالأليمنيوم في النوافذ والأبواب ناهيك عن التوسعات داخل البناية واستحداث أسطح إضافية تثقل كاهل العمارة القديمة.
وأوعز هذا “الإهمال” إلى “عدم حرص السلطات المحلية على تطبيق القانون 98-04” الذي يمنع أي ساكن من تعديل البناية المصنفة تراثا عالميا لدى منظمة اليونسكو منذ 1992 إلا بإذن من الخبرة التقنية.
كما اقترحت مؤسسة القصبة، على لسان أعضاءها الحاضرين في اللقاء، “إعادة بناء العمارات المنهارة بنفس الأسلوب المعماري الذي كانت عليه” لضمان سلامة العمارات المتكئة على بعضها البعض و “عدم ترك الأوعية العقارية فارغة لتجنب تحويلها إلى مفرغات عشوائية ومواقف للسيارات”، كما هو الحال اليوم.
من جهته، أكد عثمان بوراس، عضو مكتب بمؤسسة القصبة، أن “80 % من الدور في القصبة هي ملكية خاصة أي تابعة لما يزيد من 4 آلاف مالك خاص، في مقابل 20 % حبوس”، معتبرا ذلك “أهم ما يعيق مسار تسيير هذه المدينة”.