منذ إلغاء الانتخابات التشريعية لعام 1991 التي حقق فيها التيار الإسلامي الراديكالي الفوز نسبيا في الدور الأول منها، لم تنقطع التساؤلات في كل لسان عن مصير الوعاء الانتخابي لهذا التيار بعد هذه القطيعة الانتخابية وكيف سيظهر مستقبلا عند العودة إلى المسارات الانتخابية، هل سينهج نهج المشاركة أم ينزوي إلى المقاطعة وما تأثير هذا المسلك أو ذاك على وتطور استقرار البلاد لكونه وعاء معتبرا بتنوعه واختلاف اتجاهاته.
ولعل أول احتكاك لهذا الوعاء بالانتخابات بعد هذه الصدمة تجسد في مشاركة رئيس حركة المجتمع الإسلامي حماس (آنذاك) المرحوم محفوظ نحناح عام 1995 في أول انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ الجزائر المستقلة. وهي الانتخابات التي جرت في جو رهيب مليئ بالتحديات والرهانات التي كانت تضع الجزائريين بين خيارين”. إما نجاح العودة إلى المسار الانتخابي وإعادة بناء مؤسسات شرعية أو الاستسلام لضغوط التنظيمات الإسلامية المسلحة التي كانت تهدد ب”الذهاب في الصندوق” في إشارة إلى الموت لمن “يذهب إلى الصندوق” في إشارة إلى التصويت.
خاض الشيخ نحناح وأنصاره التحدي وفاز بالمرتبة الثانية في تلك الانتخابات وفق النتائج الرسمية المعلنة بالرغم من أن أنصاره ظلوا يؤكدون أن السلطة صادرت حقه في المرتبة الأولى والفوز برئاسة البلاد لكن “مقتضيات المرحلة” ألزمت الشيخ وأنصاره الانضباط والهدوء تاركين مرشح السلطة العسكري ليامين زروال يمضي في خارطة طريق عنوانها “محاربة الإرهاب دون هوادة”.
والحقيقة أن الإسلاميين لم ينسحبوا يوما من المشهد السياسي إلا أن المتتبع لدورهم يدرك أن هناك تقسيما لأدوارهم ومواقعهم بين لاعبين بالكرة ولاعبين دون كرة إذا استعرنا مفردات التحاليل الرياضية. فتيار الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة باتجاهاته المختلفة وإن وجد نفسه بعيدا عن المشاركة الانتخابية إلا أنه لم ينقطع عن المشاركة السياسية بل ظل يلعب أدوارا رافضة لتوجهات السلطة في الظل ويحاول التأثير على مجريات الاستحقاقات الانتخابية لاسيما استحقاق رئاسيات عام 1999 حيث كان توجه “المصالحة الوطنية” وفق مخرجات عقد روما حاضرا في الموعد، في الوقت الذي أبعد الشيخ نحناح عن المشاركة بحجة أنه لم يكن يمتلك وثيقة المشاركة في الثورة التحريرية وفق تعديلات أدرجت في دستور 1996 وقانون الانتخابات لعام 1997 وقد ارتمى “التيار الإخواني المعتدل” ب”حمسه” و”نهضته” وروافدهما في أحضان المشاركة الانتخابية ومن ثم المشاركة الحكومية وأدرك بما يشبه اليقين أن طموحه ودوره في هذه المرحلة لا ينبغي أن يتجاوز دائرة المشاركة في الحكومة دون المشاركة في الحكم كما ظل يردد الشيخ نحناح.
وظل هذا التيار، لاسيما حركة مجتمع السلم، على هذه الحال من الارتباط بالسلطة وهذا “العقد” لأكثر من 16 سنة وهي فترة امتدت من يناير 1996 إلى غاية بداية 2012 قبل أن تتشتت عائلة الشيخ نحناح منذ مؤتمر 2008 وتزداد الانقسامات عمقا بعد انفصال الحركة عن التحالف الرئاسي والطلاق مع حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وركون الحركة إلى المعارضة توافقا مع سياق “الربيع العربي” الذي شهد صعود الإخوان في مصر واعتلائهم رئاسة البلاد وفوز حركتي النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب بالأغلبية النيابية.
وقبل عائلة نحناح انقسمت عائلة الشيخ جاب الله الذي خاض سباق الرئاسة في 1999 وفي 2004 وغاب عنه في 2009 و 2014 لكن مقربين منه يؤكدون أنه لا يخفي طموحه في العودة بمناسبة الموعد القادم. بينما نهجت حركة مجتمع السلم بقيادة عبد الرزاق مقري وحركة النهضة بقيادة فاتح ربيعي والعدالة والتنمية بقيادة جاب الله مسلك مقاطعة انتخابات 2014 في ما يعرف بتنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي وهو النهج الذي ظل يلقى معارضة داخل الحركة يقودها الرئيس السابق للحركة أبو جرة سلطاني الذي لم يكن راضيا عن فك الارتباط مع السلطة واعتبر نهج مقري بمثابة اللعب مع فريق الهواة بعدما كانت الحركة تلعب في صفوف المحترفين.
لكن أي دور يبحث عنه الإسلاميون العام القادم؟ قد لا نملك إجابة وافية ونهائية ونكاد نجزم أن الإجابة لم ترتسم بشكل نهائي حتى في ذهن مقري ورفقائه ولا في ذهن جاب الله أيضا لكن مخرجات المؤتمر الأخير لحركة مجتمع السلم والتزام جاب الله التريث والترقب يوحيان أن الإسلاميين لن يقفوا هذه المرة موقفا سلبيا، فقد بدا خيار المشاركة بالنسبة لحمس واضحا وإن كانت الطريق إليه قد تتخذ أحد المسلكين أحدهما سمته الحركة “التوافق الوطني” وهو ما فهم على أنه مساندة ل”مرشح النظام” وثانيهما المشاركة بمرشحها في الرئاسيات لكنها استبعدت، على ما يبدو، خياري المقاطعة والتكتل مع القوى المعارضة.
ويصب كلا الخيارين في مصب المشاركة في حكومة ما بعد أفريل 2019 وإن كان رئيس الحركة عبد الرزاق مقري يفضل الدخول في المعترك والحصول على “نتائج إيجابية” قد تضفي الشرعية الديمقراطية على أية مشاركة محتملة في حكومة ما بعد الرئاسيات وهو الخيار الذي سيمكنه من الترشح باسم الحركة وحشد التأييد من أطراف أخرى كمركز استقطاب منافس لمرشح السلطة في الوقت الذي تعاني الأحزاب الإسلامية الأخرى من قلاقل داخلية تحول دون تمكنها من تقديم بدائل عن مرشح حمس الذي ينبئ ربط علاقتها مع جبهة التغيير بوضوح هذا التوجه المحبوب لدى عبد المجيد مناصرة.
احسن خلاص
بين التموقع وخوض المعترك :
الوسومmain_post