مكنت إجراءات العفو التي اتبعتها الحكومة قصد مواجهة العناصر المنتمية إلى التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة، من عودة 40 مسلحا عبر ما يسمى “الممرات الآمنة” التي تم فتحها الجيش منذ سنة على الحدود الجزائرية مع كل من دولتي مالي والنيجر.
وحسب الدراسة التي أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تشير الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمكافحة الإرهاب إلى نجاحها طول الفترة الماضية في التقليل أو الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية على أمنها القومي، وذلك من خلال الالتزام بتطبيق استراتيجية وطنية جديدة تقوم على الجمع بين الاحتواء الحاسم للظاهرة وبين القضاء على التهديدات المحتملة من المنبع، والتي تهدف بشكل رئيسي إلى تفكيك هذه التهديدات بالتزامن مع التعامل الأمني والعسكري المباشر بتوجيه ضربات مباشرة لمواقع تنظيم القاعدة.
4 ممرات آمنة مع مالي والنيجر ودخول 40 مسلحا خلال سنة
ومن جملة هذه الإجراءات فتح 4 ممرات آمنة على الحدود الجزائرية مع كل من دولتي مالي والنيجر لتشجيع الإرهابيين على تسليم أنفسهم، والخروج من التنظيمات الإرهابية المنتمين لها، مقابل حصولهم على العفو العام، بما يسمح لهم بالاندماج داخل المجتمع، وذلك استجابة لقانون “السلم والمصالحة الوطنية” الذي تم إقراره في فبراير عام 2006 بعد طرحه للاستفتاء الشعبي في سبتمبر 2005، وتصويت المواطنين لصالحه بنسبة 97%، والذي يقضي بالعفو الشامل عن المتشددين المنتمين للجماعات الإرهابية، في مقابل تسليمهم السلاح للدولة، وخضوعهم لشروط العفو، مع استثناء الذين ثبت تورطهم في قضايا قتل.
وتم فتح هذه الممرات خلال الفترة من جانفي 2017 وحتى فيفري 2018، في إطار اتباع الأجهزة الأمنية سياسة أمنية حذرة تقوم على إعادة ضبط الحدود بالتعاون مع دول الجوار، أو بتشديد الإجراءات الأمنية بالمطارات والموانئ بالتعاون مع الشرطة الجنائية الدولية الإنتربول.
كما تخضع لمراقبة شديدة ضمن حملة موسعة لمكافحة الإرهاب ومطاردة مهربي الأسلحة عبر هذه الحدود، حيث أُنشئ ممران مع دولة مالي لتسليم المسلحين قرب بلدتي “تيمياوين” و”أيملغيغ” الحدوديتين، خاصة وان الحدود الجزائرية التي يبلغ طولها 4 آلاف ميل والتضاريس الجبلية في الشمال الشرقي، تعتبر فرصة سانحة أمام المتطرفين والتنظيمات الإرهابية للتسلل عبرها بسهولة والتي أثبتت منذ مطلع التسعينيات أنها مثالية بالنسبة للعناصر المتطرفة، وهو ما يمثل تحديا أمام السلطات الجزائرية.
وقد سلم ما يقارب 40 عنصرا مسلحا نفسه خلال سنة واحدة من فتح تلك الممرات أربعة منهم الأسبوع الماضي فقط.
رفع كفاءة الأجهزة وتحديث التسليح والتنصت والمراقبة
كما أضافت الى جملة الإجراءات، رفع كفاءة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة العاملة في مجال مكافحة الإرهاب، عبر تنفيذ عدد من البرامج التدريبية الوطنية والمشتركة، فضلا عن تحديث منظومة التسليح المستخدمة في المجال ذاته، حيث أولت الجزائر اهتمامًا واضحًا لأسلحة مكافحة الإرهاب على حساب الأسلحة والمعدات العسكرية الثقيلة، بالإضافة إلى تحديث أجهزة التنصت والمراقبة التي عززت من قدرة أجهزة الأمن الجزائرية على متابعة كافة التنظيمات الدينية والأشخاص المشتبه في انتمائهم لجماعات وتنظيمات جهادية.
دعم أمريكي لأنشطة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء
وتتم المشاركة بصورة فعالة في أنشطة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تهدف إلى تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب بين دول المغرب العربي ومنطقة حوض البحر المتوسط، حيث تم تصميم برامج متخصصة لتقييم الطبيعة المتغيرة للتهديد عبر دول شمال إفريقيا ومنها الجزائر، كما انتهجت الدولة سياسة خارجية تعتمد على التنسيق مع دول الجوار للوصول إلى حلول سياسية لتسوية الأزمات التي تشهدها هذه الدول، وشاركت في تأسيس المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF) في سبتمبر 2011، وفي أكتوبر 2017 استضافت الاجتماع العلني الأول لمجموعة العمل للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب حول غرب إفريقيا، وذلك برئاسة مشتركة بين الجزائر وكندا، بهدف بحث السبل الكفيلة بتعزيز التعاون في المجالات التي تكتسب أولوية في مخطط عمل المجموعة.
فرنسا حذو الجزائر وضربات موجعة للقاعدة
في اطار التعاون مع القوات الفرنسية في تطبيق استراتيجية أمنية لاستهداف التنظيمات الإرهابية، ووفقًا للاستراتيجية التي اتبعتها الجزائر طوال السنوات الماضية فقد تعرض تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي لضربات موجعة، سواء تلك التي شنّها الجيش الجزائري أو تلك التي نفذتها القوات الفرنسية المتواجدة شمال مالي بالقرب من الحدود الجزائرية، والتي أدت إلى مقتل العديد من عناصر التنظيم وفرار الآخرين إما إلى ليبيا أو إلى دول إفريقية. وكانت حادثة مقتل الفرنسي إيرفيه جورديل في سبتمبر 2014 في الجزائر نقطة انطلاق الجيش الجزائري الذي شن حملات مداهمة بمنطقة القبائل، حيث قامت الحكومة بتسيير مجموعات عسكرية لتطهير الشمال من الدولة الإسلامية بما يتيح للجيش الجزائري التركيز على الحدود الجنوبية مع ليبيا ومالي والنيجر التي قد يسعى المتشددون الهاربون للتسلل عبرها.
وقد مكنت الضربات الجوية والعمليات الميدانية التي قام بها الجيش الجزائري في الحد من توسع انتشار التنظيمين الأكثر تأثيرًا في تهديد أمن واستقرار المنطقة وهما القاعدة وداعش، وتحجيم قدراتهما في استقطاب مقاتلين جدد في صفوفهما، مع الأخذ في الاعتبار فرضيات جزائرية سابقة تقول إن عدد الجهاديين في الجزائر لا يزيد عن 400 شخص.
كما تمكنت قوات الجيش والأمن من تفكيك تنظيم جند الخلافة في أرض الجزائر وهو فرع داعش بالجزائر، وبصفة خاصة في البويرة وبومدراس وتيزي وزو، والتي تمثلت في مقتل قادة هذه الجماعة وتفكيك هياكلها، بالاضافة الى طرد مجموعة من المتشددين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية في الجبال الواقعة شرقي العاصمة بعد عامين من قيامهم بخطف سائح فرنسي في المنطقة التي كانت معقلا سابقًا لتنظيم القاعدة وإعدامه.
للاشارة، فقد اعتمدت الجزائر، بنجاح مقاربة ناعمة وصلبة على السواء، لإعادة دمج المقاتلين الإسلاميين السابقين في المجتمع، وساهمت المقاربة الجزائرية في إنهاء النزاع، وإعادة دمج نحو 15 ألف مقاتل سابق في المجتمع، منذ التسعينيات.
نسرين محفوف