يهدد الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد بإفلاس المزيد من المؤسسات الوطنية، عمومية وخاصة، التي تنشط في مختلف المجالات، كما يهدد بزوال الآلاف من مناصب الشغل وإحالة العمال على البطالة، وتعقيد الوضعية الاقتصادية للبلاد أكثر فأكثر، حيث يسجل شهريا ارتفاع “مخيف” لعدد الشركات التي تعلن إفلاسها وتوقفها عن النشاط وتسريح عمالها، وهو وضع في غاية الخطورة يتطلب حسب الخبراء الاقتصاديين التعجيل في وضع إجراءات لانقاد الشركات التي يمكن إنقاذها ومنح الشركات التي تقدم قيمة مضافة كبيرة، امتيازات لتوسيع نشاطاتها واللجوء إلى حماية الاقتصاد الوطني وحفاظا على مناصب الشغل.
أدت السياسات الاقتصادية المتبعة منذ نهاية الثمانيات إلى اليوم إلى زوال العديد من المؤسسات المنتجة، وتعطيل العجلة الاقتصادية للبلاد، ففي بداية التسعينات شهدت البلاد تفكيك للمئات من المؤسسات العمومية التي كانت تمثل القلب النابض للصناعة والاقتصاد الوطنيين، وتم معها إحالة الآلاف من العمال على البطالة وتسبب ذلك في تشريد عائلاتهم، ورغم محاولات إنقاذ بعض المؤسسات بتقديم الدعم المالي والقروض، إلا أن عدد تلك المؤسسات التي نجت من المقصلة كان يعد على الأصابع، واليوم تشهد الجزائر الوضع نفسه الذي عاشته في الفترة السابقة، فالعديد من الشركات الوطنية عمومية وخاصة أعلنت إفلاسها، وأخرى في طريقها إلى الإفلاس، وهنا الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة متعددة، فالبعض منها يعود إلى تورط أصحابها في قضايا فساد وإيداعهم السجن، ما أدى إلى حالة ارتباك في الشركات، ورغم أن الدولة أمرت ولإنقاذ هذه الأخيرة بتنصيب إداريين ومسيرين على رأسها تابعين لأجهزة الدولة، إلا أن عودة الشركات هذه للنشاط كسابق عهدها يبقى ضعيفا لعدة أمور إدارية تتعلق بالتسيير والفوترة وغيرها كحال بعض الشركات المتخصصة في صناعة الأجهزة الالكترومنزلية ك” كوندور، و”أريس” و”براونت” وغيرها ، في حين أن بعض الشركات الأخرى تسببت السياسات المتبعة مؤخرا كمنع استيراد بعض المواد الأولية التي تدخل في صناعات معينة، ومنع أو تقليص استيراد قطع الغيار الخاصة ببعض المصانع أدى إلى توقف نشاط هذه الشركات، وهو حال شركات تركيب السيارات، شركة “إينيام” الوطنية للصناعات الكهرومنزلية، أما شركات أخرى كشركات المقاولاتية فما يفوق عن 300 آلاف شركة مهددة بالإفلاس والتوقف عن النشاط بسبب غياب المشاريع، وكله بسبب الوضع الاقتصادي الهش، وهو ما يدعو إلى الإسراع في تغيير هذه السياسيات ووضع إجراءات جديدة لانقاد ما يمكن إنقاذه من مؤسسات ووظائف، وإعادة بعث الاقتصاد.
الخبير الاقتصادي فريد بن يحي: “تراكم السياسات الفاشلة منذ التسعينات سبب الوضع الحالي للمؤسسات الوطنية”
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي فريد بن يحيى في تصريح لـ”الجزائر” أن الجزائر “اتبعت منذ سنوات سياسات اقتصادية خاطئة، حطمت المؤسسات الوطنية وحطمت الاقتصاد الوطني، بعد أن توجهها كليا للاستيراد، وذلك بسبب سوء التسيير وغياب استراتيجية اقتصادية واضحة وسوء استغلال أموال البترول”، وقال إنه “وجب اليوم إعادة النظر فيها ووضع استراتيجية اقتصادية واضحة وحقيقية”، وأضاف إنه “وبخصوص المؤسسات الاقتصادية، فلا بد من وضع تصنيفات لها حسب القيمة المضافة التي تقدمها كل شركة”، حيث قال أن “هناك ثلاث تصنيفات، شركات كبيرة، شركات متوسطة، وشركات ضعيفة، فالكبيرة وجب منحها كل الامتيازات لتوسع نشاطها أكثر وتتجه للتصدير كشركات سونلغاز، اتصالات الجزائر، الجوية الجزائرية، شركات أمونياك وغيرها، والتي يجب أن تبحث عن فتح فروع لها في الخارج خاصة في إفريقيا، أما الشركات ذات القيمة المضافة المتوسطة كشركات تركيب السيارات، والأجهزة الالكترومنزلية، فيجب منحها فترة نقاهة لمدة سنة أو سنتين، وتغير دفاتر الشروط وتحديد نسبة الضريبة حسب كل شركة ونشاطها، أما الشركات الضعيفة فوجب حلها”.
ويرى بن يحيى أن “بعض السياسات التي لا زالت تنتهجها الحكومة الحالية والموروثة من سابقتها كمنع استيراد بعض المواد الأولية والضرورية في بعض الصناعات ومنع استيراد أيضا أجزاء تدخل في تركيب العديد من الأجهزة التي تدخل ضمن نشاطات شركات معينة، هي سياسيات معرقلة “، فإذا تم منع استيراد قطع غيار فبالضرورة يتوقف نشاط شركات معنية، لذا -يقول المتحدث ذاته- “لا بد إعادة النظر في هذه السياسات ووضع خطط إستراتيجية للاقتصاد و لكل قطاع، لأن “استمرار هذا الغموض المطبق سيزيد من خلق المزيد من الشركات المفلسة”.
وقال بن يحيى إنه “لا بد من دعم المؤسسات الموجودة حاليا، لكن بوضع دفتر شروط جديد، وتكون هناك خطة لمتابعة ومراقبة نشاط هذه الشركات من قبل الوصاية”، غير أنه شدد على أن هذا الدعم “ليس بالطريقة التي اتبعتها الدولة منذ سنوات لأنه لم يثبت جدواه، بل زاد من إفلاس الخزينة العمومية فقط”، واقترح بن يحيى بعضا من الحلول التي يمكن إتباعها لإنقاذ بعض الشركات، كفتح رأس المال الشركة المهددة بالإفلاس أمام شركات وطنية أخرى أو حتى أجنبية، أو تشكل مجموع شركات تنشط في مجال معين والمهددة بالزوال والإفلاس “مجمع” حتى تتعاون فيما بينها.
عضو النادي الاقتصادي الجزائر محمد بوجلال: “الحكومة مطالبة باتخاذ إجراءات استعجالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”
من جانبه يقول الخبير الاقتصادي وعضو بالنادي الاقتصادي الجزائري محمد بوجلال في تصريح لـ”الجزائر”، أمس، أن الوضع الاقتصادي خطير، فهناك مؤسسات أفلست وأخرى مشلولة، خاصة تلك التي سجن ملاكها بسبب تورطهم في قضايا فساد، والتي حسب بوجلال لم يتمكن المسيرون والإداريون الذين وضعوا من أجل تسييرها على التحكم في وضعها كونهم مرتبطين بنوع من “التحري” على كل ما يحدث بالمؤسسة ومضطرين إلى طلب فوترة عن كل إجراء يقومون به، في حين أن هناك بعض المؤسسات غير معتادة على هذا الإجراء وبالتالي يصعب التعامل به و تسيير الشركة، ويرى بوجلال إنه وجب على السلطة اتخاذ إجراءات استعجاليه لإعادة” الأمل للمستثمر وإيقاف هذا النزيف الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني والمتعلق بغلق الشركات”، وقال بوجلال إنه “ومن خلال الاتصالات مع المسؤولين فإنه من المقرر اتخاذ الحكومة إجراءات استعجالية لمعالجة هذه الوضعية”.
وقال المتحدث ذاته، إنه “وجب تجاوز النقاش السياسي، بعد أن أصبح للبلاد رئيس وحكومة بغض النظر عن الانتقادات التي طالتهم من قبل البعض، وبالنظر إلى الواقع الاقتصادي لأن قوت الكثير من العمال مرتبط به، ومستقبل البلاد أيضا مرتبط به”.
المحلل الاقتصادي محمد شريف بن ميهوب: “غياب إستراتيجية واضحة يهدد بتفاقم الأزمة أكثر”
من جانبه، قال المحلل الاقتصادي محمد شريف بن ميهوب، في تصريح للإذاعة الوطنية، أن الوضع الذي آلت إليه العديد من الشركات الوطنية، ومنها الشركات التي تنشط في قطاع الأجهزة الالكترومنزلية، ليس وليد اليوم، فقد كان ليظهر منذ 2014 نتيجة غياب إستراتيجية صناعية، حيث قال أنه منذ عام 2014، بدأ الوضع في التدهور، ولم يتم اتخاذ إجراءات منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ، وحذر من خطر تفاقم الأزمة في الأيام المقبلة.
البرلماني السابق و المهندس في البناء يوسف خبابة: “نحو 350 ألف شركة مقاولات مهددة بالزوال بسبب غياب المشاريع”
من جانبه قال البرلماني السابق والمهندس في البناء يوسف خبابة، في منشور له على صفحته الرسمية على “الفايسبوك”، أمس، أن 350الف مقاولة في البناء والري والأشغال العمومية ومواد البناء مهددة بالتصفية خلال هذا العام 2020، بسبب تدهور أو انعدام المشاريع لديها، وهو ما يهدد بتسريح مئات الآلاف من العمال، وشخص المتحدث ذاته الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذا الوضع في احتكار الطلب العمومي من طرف فئة معينة “مقربة من النظام”، وتركيز المشاريع وصياغة دفاتر الشروط على مقاس هؤلاء، إضافة إلى تأسيس مقاولات مختلطة بين تلك الفئة وأعوان الإدارة، واحتكار النشاط العقاري والترقوي من طرف الدولة ونفس الفئة المذكورة، وحصر القروض البنكية بهؤلاء، وتسليط مصالح الضرائب على المؤسسات والمقاولات البسيطة والنزيهة، واستهداف بعضها لغرض تصفيتها-حسبه، إضافة إلى تعمّد استحداث مشاريع كبرى ورفع سقف شروط المنافسة، بإقصاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من المشاركة في المناقصات، وإقصاء المؤسسات العمومية وتأخير دفع مستحقاتها لغرض إفشالها وتفليسها وبيعها لأطراف معينة.
رزيقة.خ
الرئيسية / الاقتصاد / آلاف العمال مهددون بفقدان وظائفهم :
ارتفاع مخيف لعدد الشركات “المفلسة” وتحذيرات من تفاقم الأزمة
ارتفاع مخيف لعدد الشركات “المفلسة” وتحذيرات من تفاقم الأزمة
آلاف العمال مهددون بفقدان وظائفهم :
الوسومmain_post