وجه الناقد السينمائي عبد الكريم قادري جملة كبيرة من الانتقادات اللاذعة لوزارة الثقافة، التي يبدوا أنها مازالت تقوم بممارسات غير منطقية ومفهومة اتجاه أهل القطاع، خاصة فيما يخص الجانب السينمائي، ولعل التأخر في إعلان مسابقة تخص المشاريع السينماتوغرافية، دون أن يعلم بها احد، وكذا منع فيلم “بابيشا” في الجزائر، في وقت عرض في مختلف الدول لأكبر دليل على ذلك.
ويعد عبد الكريم قادري الذي خص “الجزائر” بحوار، تحدث فيه عن كل مايتعلق الفن السابع الجزائري، مولود سنة 1982، أصدر العديد من المؤلفات، ونشر عشرات الدراسات المتخصصة في السينما بمختلف المجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية، كما ساهم في تأسيس مجلة “السينمائي” الورقية، ألقى محاضرات ومداخلات بمهرجانات سينمائية محلية ودولية، كما كان أيضا عضوا في لجان تحكيم عديد التظاهرات السينمائية الهامة.
– بداية… كنت قد انتقدت إعلان وزارة الثقافة لمسابقة حول المشاريع السينماتوغرافية، والتي نشرته عبر موقعها الالكتروني الرسمي، واستندت في ذلك لعدة أسباب أهمها التعتيم الذي مارسته الوزارة… كيف تعلق على هذا التصرف؟
للأسف الإعلان يفتقد إلى الشفافية والاحترافية، ويطرح جملة من الأسئلة عن المستفيد أو المستفيدين من نشره بتلك الصيغة وفي ذلك التوقيت، إذ تم نشره في موقع وزارة الثقافة يوم 27 ديسمبر، ظاهريا الأمر جميل، وزارة الثقافة بدأت تستجيب لتطلعات المثقف والحراك، لكن عندما تطلع على التفاصيل تصيبك الخيبة، لأن تاريخ إعلان استقبال المشاريع السينمائية تم تحديده من 15 أكتوبر إلى غاية 15 جانفي 2020، لكن الإعلان تم نشره في آخر السنة، أي كل من لديه رغبة في تقديم مشروع لدعم فيلم سينمائي لا يستطيع، لأنه المهلة المتبقية من المستحيل أن تكفيه، ومن هنا يأتي السؤال المحوري وهو من المسؤول عن هذه القرارات؟، لماذا لم تنشر وزارة الثقافة هذا الإعلان في تاريخه المحدد؟، لماذا لم يتم إرسال بيانات بخبر الإعلان إلى الصحافة في وقته حتى تقوم بنشره وبذلك يتم فتح المجال إلى فئة أوسع من السينمائيين للإطلاع عليه؟، من لديه مصلحة في التعتيم على هذا الأمر؟، أتمنى من الجهات المختصة أن تفتح تحقيقا في هذا الموضوع، الذي يضر بمستقبل السينما الجزائرية وفي نفس الوقت يقدم الأسباب الموضوعية لكل من خرج يوم 22 فيفري بأن لا يثق في هذه المؤسسات التي لا تبذل أي جهد لمحاربة أشكال الفساد، بل تواصل عملها في ظله وتؤسس له من جديد.
– مؤخرا شاركتم في عدد من التظاهرات السينمائية العربية… هل لنا أن نعرف كيف كانت المشاركة؟
شاركت في العديد من المهرجان السينمائية الدولية مثل مهرجان الجونة السينمائي، ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومهرجان وجدة للسينما المغاربية، وقد كانت الصفة التي شاركت بها هي ناقد سينمائي، إذ سمحت لي هذه المشاركات أن أقف على آخر الأعمال السينمائية العالمية، وهي الفرصة التي لا تتاح لنا في الجزائر في ظل غياب العروض في القاعات السينمائية المحدودة جدا، وعدم مسايرة آخر ما تجود به السينما العالمية، لتكون هذه المشاركة بمثابة متنفسي الوحيد، من اجل كتاباتي النقدية، كما قدمت مداخلة في ملتقى كتاب الدراما بدولة قطر، تحت عنوان “صورة الأخر في السينما”.
– عندما نتحدث عن السينما والسياسة، وباعتبارك مختصا في المجال… هل لنا أن نعرف أهم الأفلام السينمائية التي تناولت الوضع السياسي هنا؟
معظم الأفلام إن لم أقل كلها فيها جانب كبير من السياسية، وكل فيلم يتناولها بالطريقة التي يراها مناسبة، مثلا فيلم “زاد” لكوستا غافراس هذا فيلم سياسي كبير، بل يصنف من أعظم الأفلام السياسية في العالم، مثله مثل فيلم “معركة الجزائر” لجوليو بنتكرفيو، كما أن هناك أفلام جزائرية خالصة قدمت معالجات سياسية للوضع الجزائري بطريقة شجاعة جدا، مثل فيلمي المخرج محمد الزموري، واعتبرها من أشجع الأفلام الجزائرية التي تناولت الثورة الجزائرية بطريقة نقدية، وهما فيلم “سنوات التويست المجنونة” وفيلم “شرف القبيلة” التي اقتبسها من رواية رشيد ميموني، حيث انتقدا الثورة الجزائرية بطريقة مختلفة عن السائد، بعيدا على أي تمجيد، هناك أيضا أعمال أخرى تدخل في نفس هذا السياق، فيلم “الفحام” لبوعماري، وفيلم “يوسف أو أسطورة النائم السابع” لمحمد شويخ، كل هذه الأفلام التي ذكرتها انتقد الثورة الجزائرية وقدمت أحداثها المغيبة، وهذا في ظل قوة وهيمنة الحزب الواحد، ومن الأشياء المضحكة تلك الحملة الكبيرة التي رافق عروض فيلم “الوهراني” لالياس سالم، لأنه انتقد المجاهدين في فيلمه، وكأن الجزائر تعود خطوات إلى الوراء في مجال حرية التعبير السينمائي.
– كيف ترى منع عرض فيلم “بابيشا” في الجزائر وهو الذي عرض في مختلف البلدان؟
عملية منع فيلم “بابيشا” بطريقة غير مباشرة قدمت خدمات جليلة للفيلم، حيث تم تناوله إعلاميا بشكل أكبر، ووسع من عملية الاطلاع عليه، مع العلم أن الفيلم لا يحمل أي قيمة فنية أو يتعارض مع الخط السياسي الجزائري، فقط المؤسسة الجزائرية الثقافية لم تحسن تقدير الموقف، ولم تحسن قراءة الفيلم، لأن معظم من يتم الاعتماد عليهم في لجان المشاهدة لا يملكون مرجعية سينمائية قوية تؤهلهم للحكم، ومن عبثية الأشياء أن يتم منع الفيلم وفي نفس الوقت يتم تقديمه رسمية إلى مسابقة الأوسكار ليمثل الجزائر.
– في الأخير ماذا يمكنك أن تقوله للوافدة الجديدة على رأس وزارة الثقافة مليكة بن دودة بخصوص الثقافة عموما والسينما على وجه الخصوص؟
أتمنى من وزيرة الثقافة الجديدة مليكة بن دودة أن تستبدل إطارات وزارة الثقافة الذين كانوا يعتمدون على المتطفلين والمصالح الضيقة لتسيير شؤون الثقافة الجزائرية، وان تعتمد على الكفاءات الثقافية والفنية، لبناء مدونة ثقافية قوية بدل الاستنجاد ببطانة السوء التي تنهب خزينة الثقافة دون أن تقدم أي بديل يظهر الصورة الحقيقية للثقافة الجزائرية.
صبرينة كركوبة