من المنتظر أن تتجه الحكومة نحو اتخاذ تدابير جديدة قصد استقطاب الأموال المخزنة خارج البنوك، وذلك بعد الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لأصحابها للإسراع في إيداعها، مؤكدا أن بأن الدولة قدمت ألف ضمان لحماية المواطن والاقتصاد الوطني، وأشار خبراء في المالية في هذا الإطار على وجود العديد من الحلول التي تمكن من استقطاب هذه الأموال والاستفادة منها.
حلول تقنية وأخرى ردعية
قال الخبير المالي، محمد جمعة، إن “هناك العديد من الحلول يمكن تطبيقها لاستقطاب الأموال المكدسة خارج البنوك، منها حلول تقنية وأخرى ردعية”.
وأوضح جمعة في حديثه مع “الجزائر” أن “من بين الحلول التقنية التي يمكن إتباعها لإدخال هذه الأموال التي تعد بملايير الدولارت للبنوك، تتمثل في إحصاء العملة، ووضع قاعدة بيانات تضم أرقام السوق وسرعة دوران الأوراق المالية”، واعتبر أن هذه العملية رغم أن البعض قد يعتبرها معقدة لكن يمكن تطبيقها باستخدام الإحصاء والتكنولوجيات المتطورة.
ومن بين الحلول التقنية بحسب جمعة “استبدال ورقة ضمن أوراق العملة أو ورقتين، أو إلغاء كل الأوراق المالية، إذ يمكن تغيير ورقة 1000 دينار أو 2000 دينار أو إلغاؤهما معا من السوق المالية، أو إلغاء التعامل كلية بالأوراق النقدية الموجودة حاليا والمتداولة وسحبها”.
كما أشار الخبير المالي إلى “حلّ تقني آخر ويتمثل في إلغاء كل الأوراق المالية والمعدنية واستبدالها بالمحفظة الالكترونية، إذ يمكن عن طريق الدفع عن طريق استعمال الهاتف الجوال، القيام بكل العمليات المالية، سواء من سحب الراتب، أو حجز التذاكر، أو اقتناء السلع والخدمات أو دفع الفواتير وغيرها”.
كما اقترح الخبير المالي حلولا قد تلجأ إليها الحكومة وهي “حلول ردعية، كتلك التي طبقتها جمهورية الصين الشعبية والتي أصدرت أوراقا نقدية تنتهي مدة صلاحيتها، أي يكتب على ظهر الورقة النقدية تاريخ استصدارها وتاريخ نهاية صلاحيتها، وهذا إجراء سيدفع بأصحاب الأموال إلى تداولها عبر المحطات الرسمية”.
كما يمكن بحسب جمعة، كإجراء ردعي آخر استبدال العملة بعملة بلاستيكية كتلك التي أطلقتها كندا، غير أنه أشار إلى أن هذا الحل جد مكلف، والجزائر بحاجة إلى حلول غير مكلفة وغير مضرة بالاقتصاد الوطني، وهو ما يجعل حسبه “المحفظة الالكترونية” أفضل الحلول وأقلها تكلفة، إذ لا يحتاج المواطن إلى سيولة مالية لإجراء عملياته المالية، إذ تتم مباشرة عن طريق هاتفه النقال، كما أن هذا الإجراء يلغي الكثير من الأعباء التي هي موجودة حاليا وتكلف الحكومة أموالا كبيرة كطبع الأموال الورقية والنقدية، حيث أشار إلى أن تكلفة طباعة ورقة 200 دينار تكلف 370 دينار، كما أن استعمال الهاتف الجوال سيلغي حتى التعامل بالبطاقة الالكترونية التي تكلف 20 دولارا، في حين أن مدة صلاحيتها تنتهي كل عامين، إضافة إلى عدم التوجه نحو وضع موزعات آلية بعد أن يصبح التعامل بالهاتف و ليس بالبطاقة.
وأكد الخبير المالي ذاته على ضرورة أن يعي أصحاب الأموال المخزنة خارج البنوك الضرر الكبير الذي يسببونه للاقتصاد الوطني بسبب تداول تلك الأموال بالسوق الموازية، ويحرمون من الاستفادة منها، إذ تسبب ذلك في نقص في السيولة لدى البنوك، وهذا بدوره يؤثر سلبا على منح القروض وتوفير الأموال للمؤسسات العمومية و ضرار كبيرة أخرى، في حين أكد أنه “في حال تم استغلال هذه الأموال في الاقتصاد الرسمي، فسترتفع نسبة النمو وتتراجع البطالة وتكون هناك سيولة كبيرة لتمويل المشاريع، ومن تم فتح مناصب شغل وخلق استثمارات أخرى جديدة”.
ولطمأنة أصحاب الأموال وتشجيعهم على ادخار أموالهم بالبنوك، يرى جمعة أنه “لا بد على البنوك أن تطور من نظامها و تتخلص من البيروقراطية بشكل نهائي، كما يجب فتح بنوك وشبابيك آلية”.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف، أن الأموال المكدسة خارج البنوك أصبحت تشكل “إشكالا كبيرا” للاقتصاد الوطني ولا بد من إجراءات لإعادة تدوير هذه الأموال في قنوات الاقتصاد الرسمية”.
تغيير العملة.. الدينار الرقمي
اعتبر هادف في تصريح لـ”الجزائر” أنه “لا يمكن استمرار الوضع الحالي واستمرار تكديس الأموال وتداولها خارج الإطار الرسمي، خاصة وأن الجزائر تشهد مرحلة تحول اقتصادي”.
وأضاف “هناك آليات يمكن تطبيقها لتشجيع أصحاب الأموال لاستغلالها لصالح الاقتصاد الوطني، وذلك عن طريق استثمارها في مشاريع أو إيداعها في البنوك دون ضرائب ورسوم عليها، كما يمكن استعمالها في إطار التجارة وإدخالها تدريجيا في المسار البنكي، وهذا سيسمح بتقليل تداول هذه الأموال خارج البنوك”.
ويشدد هادف على أهمية أن تكون لأصحاب هذه الأموال وعي وروح وطنية اقتصادية، تدفعهم للمساهمة ببناء الاقتصاد الوطني على أسس جديدة بعيدا عن الممارسات التي أضرت كثيرا بالاقتصاد الوطني سابقا.
واعتبر المتحدث ذاته أنه في حال لم تجدي الإجراءات المذكورة في استقطابها، على الدولة أن تلجأ إلى التحقيق والمتابعة، إذ يؤكد وجود وسائل قانونية تسمح بمراقبة ومتابعة أصحاب الأموال، أو الذهاب نحو إجراءات أخرى كاستصدار الدينار الرقمي، إذ أشار إلى أن تغيير العملة رغم أن البعض يراه إجراء مكلف إلا له فوائد على الاقتصاد لا يمكن مقارنتها بالضرر الذي يسببه التهرب الضريبي، والسوق الموازية.
للإشارة، دعا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في خطابه بمناسبة انعقاد لقاء الحكومة-الولاة الخميس المنصرم، أصحاب الأموال المخزنة خارج البنوك، إلى الإسراع في إيداعها قائلا: “أوجه آخر نداء للذين قاموا بتكديس الأموال في البيوت لإيداعها في البنوك”، مذكرا في هذا الإطار بأن الدولة “قدمت ألف ضمان لحماية المواطن والاقتصاد الوطني”. وأشار إلى توفر بنوك تتعامل بالصيرفة الإسلامية.
رزيقة. خ