تُطرح عدة تساؤلات حول مستقبل الأحزاب الإسلامية في الجزائر بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل رفض كبرى التشكيلات ما عدا حركة البناء الوطني المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، وعدم قدرتها على فرض نفسها كبديل سياسي، في المقابل تعرف هذه الأحزاب تطورات نظرا للتحولات التي تعرفها الساحة خاصة بعد حراك 22 فيفري، إضافة إلى التغييرات الواسعة التي حصلت في الإقليم بعد الربيع العربي، وهي كلها عوامل تساعد على فهم طبيعة مواقف أحزاب التيار الإسلامي من الحراك الشعبي والسلطة القائمة.
• غياب مرشح توافقي
فشلت الأحزاب الإسلامية بمناسبة رئاسيات 12 ديسمبر القادم، في تقديم مرشح توافقي مثلما لم تستطع المعارضة بأكملها تحقيق هذا المشروع، ويعود الأمر إلى عدة أسباب موضوعية أدت إلى تفتيت كتلة التشكيلات السياسية الإسلامية في الجزائر وعدم قدرتها على تحقيق التوافق وفق قاعدة متينة، فما عدا حركة البناء الوطني المنشقة عن “حمس” فإن باقي أحزاب التيار الإسلامي لم تقدم مرشحا عنها في الرئاسيات.
اختارت كبرى الأحزاب الإسلامية هذه المرة عدم دخول الانتخابات الرئاسية بمرشح، لكنها أبقت أبواب دعم مرشح توافقي بين السلطة والمعارضة مفتوحة كما تتصور “حمس”، وهي الخطوة التي انتهجتها هذه الأحزاب للمرة الأولى بعدما كانت تشارك في الرئاسيات السابقة إما بمرشحها كما حدث مع حركة مجتمع السلم سنة 1995 عندما قدمت رئيسها الراحل محفوظ نحناح منافسا لوزير الدفاع آنذاك اليامين زروال على كرسي الرئاسة في مرحلة صعبة من تاريخ البلاد، وحركة الإصلاح التي رشحت لمرتين متتاليتين 1999 و2004 مؤسسها عبد الله جاب الله، أو بدعم مرشح حر كما فعلت حركة النهضة مع عبد العزيز بوتفليقة عام 1999 أو جبهة العدالة والتنمية التي قاطعت رئاسيات أفريل 2014 جملة وتفصيلا.
ولكن في هذه المرحلة دخل في المعادلة السياسية الحراك الشعبي الذي دفع ببعض الأحزاب الإسلامية إلى تبني مواقف متشددة من اقتراحات السلطة والانتخابات الرئاسية التي ستشرف عليها لأول مرة هيئة مستقلة عن الإدارة، وكأن هذه الأحزاب تريد أن تبقي شعرة معاوية مع الجميع في ظل الضبابية المكثفة التي تلف المشهد السياسي المترنح بين المقاطعين والمشاركين والباحثين عن التوافق قبل دخول أي استحقاق انتخابي. ففي وقت كان الجميع ينتظر مشاركة عبد الرزاق مقري كمرشح عن “حمس” اختار مجلس شورى الحركة عدم الدخول في الانتخابات، تاركا الباب مفتوحا لتحالفات مستقبلا، وحسب بعض العارفين بالحزب فإن رفض مشاركة “حمس” في الانتخابات الرئاسية المقبلة يرجع أساسا إلى الحفاظ على قاعدتها النضالية وعلاقاتها مع الحراك الشعبي المستمر والرافض لإجراء الانتخابات قبل رحيل كل رموز حكم الرئيس السابق.
• حركة البناء الوطني.. الاستثناء
شكلت حركة البناء الوطني الاستثناء من خلال تقديم رئيسها، الوزير الأسبق عبد القادر بن قرينة، كمرشح للانتخابات الرئاسية، وكانت الحركة قد رشحت كذلك بن قرينة لانتخابات أفريل الملغاة بسبب الحراك الشعبي المناهض للعهدة الخامسة، في حين ظفرت حركة البناء برئاسة المجلس الشعبي الوطني بعد الإطاحة بمعاذ بوشارب أحد وجوه نظام الرئيس بوتفليقة، وعاد المقعد إلى القيادي والنائب عن الحزب سليمان شنين، وهي المرة الأولى في تاريخ الغرفة السفلى للبرلمان التي يصل فيها نائب عن حزب إسلامي إلى رئاسة المجلس الشعبي الوطني، مستغلا الغضب الشعبي على أحزاب السلطة وقياداتها الموجود أغلبها رهن الحبس المؤقت.
• السياق الدولي.. نهاية “شهر العسل”
لا يجب إغفال السياق الدولي والإقليمي عند تناول هذه المسألة، حيث أن الأحزاب الإسلامية الفاعلة في المنطقة تعرف تراجعا ملحوظا بسبب موجات الثورات المضادة من جهة، ورفضها من طرف قوى إقليمية من جهة أخرى، وهو الأمر الذي عرفته عدة بلدان مهمة في الإقليم مثل مصر التي انتهى حكم الإخوان المسلمين فيها عام 2013 وتراجع التيار الإسلامي في السودان بعد الاتفاق على تقاسم السلطة بين المجلس العسكري والقوى المدنية إثر الإطاحة الشعبية بالرئيس عمر البشير وكذلك الأمر في تونس التي انتخبت رئيسا مستقلا وفشل مرشح حركة النهضة في المرور إلى الدور الثاني.
وتعرف القوى الإسلامية في الجزائر أن الوضع الدولي لا يسمح لها بالحكم لوحدها وبذلك تكون هذه الأطراف قد راجعت حساباتها، كما أنها استوعبت أن تجربة حكم الإسلاميين بعد الربيع العربي لم تحقق المرجو، كما وقع في تونس ومصر والمغرب.
ولكن تراجع أحزاب التيار الإسلامي في السنوات العشرين الأخيرة رغم مسألة التزوير التي عادة ما تعلق عليها قيادات هذه الأحزاب سبب انحسار نتائجها في مختلف الانتخابات، إلا أن الكثير من الدراسات والتقارير تؤكد أن هناك أسبابا موضوعية أدت إلى خسارة أحزاب هذا التيار للكثير من أصوات وعائه الانتخابي من بينها: مشكلة الزعامة وغياب الديمقراطية داخل هذه التشكيلات السياسية وغياب الخطاب الواقعي الحامل للحلول، إضافة إلى حالة الانقسام التي تعيشها هذه الأحزاب والتفتت الذي عرفته في السنوات القليلة الماضية والنزيف الذي عرفته قواعدها لأسباب متعددة.
عمر لشموت: “الأحزاب الإسلامية تتعامل بحذر مع تطورات المشهد السياسي”
وحسب عمر لشموت الإعلامي المهتم بالشأن السياسي، فإن الأحزاب الإسلامية في المسرح السياسي الجزائري “ليست كتلة موحدة، فهي متعددة ومتنوعة، الأمر الذي انعكس على تباين مواقف الأحزاب الإسلامية من الانتخابات الرئاسية، فحركة العدالة والتنمية بقيادة جاب الله ترى أن الانتخابات الرئاسية ضرورية ومخرج من حالة الانسداد السياسي لكن وفق شروط سياسية محددة، وموقف الحزب غير واضح هل يشارك أم يقاطع ؟، بينما اختارت حركة البناء المشاركة عبر ترشح السيد عبد القادر بن قرينة، وهذا الترشح هو نتيجة تنازل السلطة لشخصية إسلامية في رئاسة الغرفة البرلمانية والممثلة في السيد سليمان شنين، أما حركة مجتمع السلم “حمس” فهو مبني وفق استشارة موسعة مع قواعدها ودراسة استشرافية حول الانتخابات الرئاسية القادمة، ورغم أن “حمس” لن تشارك ولم تنادي بالمقاطعة، فقد أعلن رئيسها السيد عبد الرزاق مقري أن “حمس” لن تكون لجنة مساندة لأي مترشح كان”. واستطرد المتحدث “وبالتالي يمكن القول أن طرفا من الأحزاب الإسلامية يتعامل بحذر وترقب من تطور الأحداث السياسية، لتجنب التصعيد السياسي في مواجهة المؤسسة العسكرية مع الاحتفاظ بهامش من الحرية والانخراط في الحراك الشعبي”.
من جهة أخرى، أرجع الإعلامي عمار لشموت الضعف الذي أصبحت عليه أحزاب التيار الإسلامي إلى “وهن في الكوادر الحزبية، نتيجة عوامل كثيرة منها الانطواء على نفسها، زيادة على الاستقطاب الإيديولوجي كرد فعل لمواجهة الاستقطاب الفكري في الطرف الآخر”، ودعا لشموت التيار إلى تبني “نفس جديد يقطع مع عقلية صقور الحركة الإسلامية وانفتاح على فعاليات مجتمعية أخرى لها اهتمامات بالتنمية وتحسين ظروف الحياة الكريمة والانخراط في تأسيس دولة المواطنة”.
إسلام كعبش