بينما كان أقوى حزبين إسلاميين معارضين، وهما حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية رافضين بشدة لإجراء الانتخابات الرئاسية التي نظمت في 12 من شهر ديسمبر الماضي، يبدو أنهما اليوم ومعهما باقي الأحزاب الإسلامية قد غيروا من موقفهم السابق واختاروا التحاور والتشاور مع السلطة، منهم من ربط هذا القبول بشروط ومنهم من أكد “قبوله له دون تحفظ“، وهو ما اعتبره الكثيرون تطورا ملحوظا في تعامل هذه التشكيلات السياسية، قد يكون بداية لمرحلة جديدة تلعب فيها الأحزاب الإسلامية دورا جديدا.
منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فيفري، من السنة المنصرمة، سارعت أغلب الأحزاب الإسلامية إلى اتخاذ مواقف داعمة للحراك، ومع استمراره وإلغاء موعدين للرئاسيات، أكدت تمسكها بموقفها وبعد إعلان الموعد الثالث للرئاسيات والذي اختير في 12 -12-2019، أعلنت كلا من حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية- أكبر هذه الأحزاب الإسلامية- مقاطعتهما لها، في حين فضلت كل من حركة الإصلاح الوطني وحركة البناء الوطني المشاركة، الأول بدعم المترشح عبد المجيد تبون آنذاك، والثانية بترشيح رئيسها عبد القادر بن قرينة، غير أنه بعد مرور الانتخابات وفوز عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية، ودعوته للحوار مع جميع الأطياف، سارعت أغلب هذه الأحزاب حتى التي كانت رافضة للانتخابات إلى قبول دعوة الرئيس، فبغض النظر عن حركة الإصلاح الوطني التي كانت من البداية أحد الأطراف الداعمة لتبون، نجد أن حركة البناء الوطني كانت أول حزب إسلامي أعلن دعمه للرئيس المنتخب، وقبوله للحوار لكن بشروط، غير أن دعم حركة البناء لتبون لم يكن مفاجئا كون الحركة كانت جزء من الانتخابات الرئاسية، في حين أن المفاجئة، تلك التي أحدثتها حركة مجتمع السلم، والتي أعلنت بعد دعوة تبون للحوار قبولها الدعوة ودون تحفظ، وأبدت جاهزيتها للحوار والانخراط فيه واستعدادها لتقديم الاقتراحات والأفكار بشأن الإصلاح الدستوري والقانوني، كما أكدت على لسان رئيسها عبد الرزاق مقري أنه من “الواجب إعطاء الفرصة للرئيس تبون لتجسيد الإصلاحات المنشودة لأنها-أي الحركة- “تتعامل معه كرئيس لكل الجزائريين رغم أن من صوت لصالحه جزء فقط من الشعب” –يقول مقري، والأكثر من هذا أن الحركة نفسها دعت الحراك إلى الانخراط في الحوار.
أما الموقف الرسمي لجبهة العدالة والتنمية فلم يحدد بالوضوح الكافي، حيث لم يتم إصدار أي بيان رسمي يتعلق برأي الجبهة في دعوة تبون للحوار، أو إن كانت ستقبل المشاركة في الحكومة إن عرض عليها ذلك، حيث اكتفت الجبهة بتصريحات مقتضبة من قيادييها، والتي لم ترفض الحوار، بل على العكس اعتبرت العودة إليه هو “الأصل” لكنها لم توضح بالتدقيق شروط هذا الحوار بالنسبة لها، حيث أبدي رئيس الجبهة عبد الله جاب الله في تصريح للإذاعة الوطنية أمس، “رغبته في الانخراط في مسعى الحوار شريطة أن يكون شاملا وملزما و يلبي المطالب الشعبية ” حيث اعتبر أن “العودة للحوار هي العودة للأصل”، ولم يفصل جاب الله مثلا في ماهية المطالب وأين تكمن حدود تلك المطالب.
وحسب الكثير من المتابعين للشأن الوطني، فإن مواقف الأحزاب الإسلامية أصبحت أكثر ليونة ومرونة وتجاوبا مع الواقع، رغم محاولة البعض كجاب الله الظهور بأنه متمسك بنفس المواقف السابقة على اعتبار أنه كان منذ البداية مع مبدأ الحوار وأن هذا الموقف ليس وليد اليوم فقط، عكس حركة مجتمع السلم التي رأى آخرون أنها تسعى إلى إعادة النظر في حساباتها، خصوصا وأن هناك قياديين فيها كانوا يدافعون على فكرة “ضرورة أن تلعب الحركة دورا في الانتخابات الرئاسية الماضية وأنه من غير المعقول أن لا يكون لها كلمة خلال هذا الموعد”، ويبدو أن الكفة قد مالت هذه المرة داخل الحزب لهذه الفئة من القياديين الذين على ما يبدو لعبوا دروا هاما في “تغيير” موقف الحركة حسب الكثير من المراقبين، بحيث جعلوا من مواقفها أكثر ليونة وانسيابية مع ما يجري على أرض الواقع.
رزيقة.خ