كشف التقرير الأمريكي عن تغافل في موقف الجزائر من الحركات الإسلامية، ونقل التقرير تغير الاتجاهات الدينية والتعبير والسلوك في الجزائر، وكشف أن أسلمة المجتمع الجزائري تزداد.
سلط تقرير صادر عن مركز “هادسون” الأمريكي الذي يبحث في الأمن القومي الأمريكي، تركيزه على الإسلام السياسي في الجزائر، بعد فترة مكافحة الارهاب، التي عرفت تحولات سياسية واجتماعية كثيرة.
وكشف التقرير أنه على الرغم من الاهتمام الكبير الذي حظيت به فى السنوات الأخيرة الحركات الإسلامية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن الموقف فى الجزائر قد تم التغافل عنه.
وفسر معدو التقرير مآل ذلك إلى التركيز المستمر على السياسات في الجزائر وعلى عدسات “الإرهاب ومكافحة الإرهاب” التي كانت ترتبط بصورة الجزائر منذ انتهاء هذه الفترة عام 2002.
وأشار التقرير إلى أن رياح ثورات الربيع العربى بين عامي 2002 و2011، لم تؤثر بدرجة عميقة في المشهد السياسي في البلاد .
وبسبب هذه الانحيازات التحليلية، لم يتم استكشاف الإسلام السياسي في الجزائر وسياساته المثيرة للجدل على نطاق واسع.
وذهب التقرير إلى القول إنه غالبًا ما يتم الافتراض بأن السياسات الإسلامية في الجزائر قد انتهت، بل إن أغلب المناقشات تبدأ وتنتهي ،أولاً بالحديث أن أول الانتفاضات العربية التي حدثت قبل 20 عامًا فى إشارة إلى صعود وتراجع جبهة الإنقاذ الإسلامية بين عامى 1988 و1992، وانزلاق الجزائر بعدها إلى حرب أهلية مروعة لعشر سنوات، فيما يوصف أحيانا بالعقد الأسود.
ويتحدث التقرير عن أن الاتجاهات الإسلامية الحالية في الجزائر قد تطورت وواجهت تغييرات عميقة في البيئة السياسية الاجتماعية منذ انتهاء الحرب الأهلية.
ويركز التقرير بشكل خاص على الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تعده فرعا للإخوان في الجزائر، منذ نشأتها في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، ليشير إلى ضرورة إعادة النظر في الكيفية التي يُنظر بها إلى الإسلام السياسي، لاسيما وأن المشهد الإسلامي الديني في الجزائر معقد.
وخلص التقرير فى النهاية إلى القول إن هناك تغييرات مهمة تحدث في الاتجاهات الدينية والتعبير والسلوك في الجزائر، وبشهادات كثيرين فإن أسلمة المجتمع الجزائري تزداد رغم الاستخفاف الجماعي الواضح بالإسلامية.
لكن هذا لا يعنى القول إن الجزائريين أكثر تدينًا مما كانوا قبل 10 سنوات أو أن مظاهر التقوى الخارجية للجزائريين لها أهمية متزايدة، لكن هناك اتجاه لمزيد من المحافظة الاجتماعية.
من الدعوة إلى السياسة
وتفاعل مع التقرير عدد من السياسيين الجزائريين المحسوبين على التيار الاسلامي، منهم رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش، الذي كشف عن تحول في نشاط الأحزاب الإسلامية في الجزائر التي لم تعد كما كانت عليه في انطلاقتها بداية السبعينيات، حين كانت رسالتها دعويّة محضة.
وأفاد حمدادوش في رد له على التقرير لموقع “أصوات مغاربية “بوقوع تحول كبير في تاريخ الحركة الإسلامية في الجزائر، حيث خرجت من طابع العمل السرّي إلى التواجد في الساحة السياسية بعد الاعتراف بها، وشيئا فشيئا ابتعدت عن العمل الدعوي ودخلت في العمل السياسي، من خلال تقديم برامج سياسية واقتصادية واجتماعية.
وأضاف حمدادوش “لابد من التأكيد أن دستور 1996 منع استغلال الدين لأغراض سياسية، وعلى هذا الأساس لم تعد الأحزاب الإسلامية تنشط دعويا، إلا من خلال جمعيات قريبة منها، هذا فضلا عن أن الخطاب الدعوي لم يعد يغري الجزائريين بقدر ما تُقنعهم البرامج الملموسة التي تهم انشغالاتهم اليومية.
صارت من الماضي
ونفى رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، محسن بلعباس، أن تكون الأحزاب الإسلامية تخلّت عن العمل الدعوي في سياستها.
وذكر بلعباس “هذه الأحزاب لم يعد لها تواجد كبير أو مؤثّر في الجزائر لانها صارت من الماضي، خاصة بعد العشرية الدموية، بسبب المجازر التي حدثت ضد الشعب باسم الإسلام السياسي، وخطاب هذه الأحزاب لم يعد يلقى صدى وهي في تراجع مستمر .
وعلق المختص في علم الاجتماع السياسي، الدكتور ناصر جابي، بأن أحد أكبر أزمات الأحزاب السياسية الإسلامية في الجزائر هو عدم فصلها بين الدعوة والسياسة.
وذكر جابي إنها أحزاب لا تفهم نفسها، فمن جهة تركّز على الجانب الدعوي ونشر الفكر الإسلامي ومن جهة لها برامج سياسية واقتصادية!
الغنوشي في تونس فصل في الموضوع وقال نحن حزب سياسي مدني والدعوة تمارسها الجمعيات، وهذا ما يجب أن يحدث في الجزائر .
وأضاف المتحدث أن حركة مجتمع السلم تداركت نوعا الامر ففصلت بين الدعوة والسياسة، وصارت تتحدث عن برامج سياسية واقتصادية ولا توجد إحالات في خطاباتها على الآيات والنصوص الدينية، لكن أحزابا أخرى مثل حركة العدالة والتنمية لم تفصل ولا زالت تعيش في السبعينيات، لذلك لم تعد تقنع أحدا”.
ويعد مركز هادسون المشرف على الدراسة إحدى أهم مراكز البحث الأمريكية منذ 1961، التي تعود للمحلل الإستراتيجي العسكري ومنظر النظم هرمان.
ويلتزم المعهد بالبحث والتحليل الذي يعزز تغير السياسة العامة والالتزام بالحفاظ على الأمن القومي الأمريكي.
ويرتبط هادسون بعقود حكومية، ويتلقى هبات من الحكومة منها 6 هبات بين العام 1996 و2002 بقيمة إجمالية بحوالي 732 ألف دولار.
وفي العام 2002، تسلم هبة بقيمة 173.484 ألف دولار من وزارة التجارة، وبلغت العائدات المالية للسنة المالية 2003 حوالي 9.34 مليون دولار، من بينها 146 ألف دولار كهبات حكومية.
وتراقب الولايات المتحدة الأمريكية نشاطات الأحزاب والجمعيات الدينية في البلاد الإسلامية، وتتابع عن كثب كل التطورات منذ سبتمبر 1994 تاريخ انعقاد أول مؤتمر عالمي في واشنطن بالولايات المتحدة باسم “خطر الإسلامي الأصولي على شمال إفريقيا .
و بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 استقرت تسميته على الإسلام السياسي .
وتريد الولايات المتحدة البقاء على مقربة من الأحداث في كل البلاد الاسلامية التي تعرف مذاهب وطوائف وأحزاب وأقليات دينية .
رفيقة معريش