أنعشت الأمطار الأخيرة التي شهدها عدد من ولايات الوطن، آمال الفلاحين والمستثمرين الفلاحيين في نجاح الموسم الفلاحي، الذي تأخر انطلاقه بسبب تأخر نزول الأمطار.
شهدت مناطق مختلفة من الوطن تساقطا معتبرا للأمطار وبعض الثلوج في مناطق أخرى خلال الأيام الأخيرة وقبلها بأسبوعين، وقد جاءت هذه التقلبات الجوية، بعد أزيد من شهرين من غياب للأمطار، أي منذ شهري أكتوبر ونوفمبر، وقد أنعشت آمال الفلاحين، بعد أن كادوا يفقدون الآمل في نجاح موسمهم.
وينتظر إذا استمر تساقط الأمطار والثلوج خلال هذا الشهر وبداية الشهر المقبل أن يكون الموسم الفلاحي مثمرا، وأن يؤثر ذلك مباشرة على أسعار المنتجات الفلاحية بعد ضمان الوفرة.
ويرى المختصون في الفلاحة أن تهاطل الأمطار وبعض الثلوج، هذا الأسبوع -رغم أنه تأخر قليلا- سيساعد على إنقاذ الموسم الفلاحي، إذ يؤكدون أن الأمطار ستكون ذات فائدة جمة على زراعة الحبوب، وتبشر بمنتوج وفير في هذه الشعبة، لاسيما أن هذا النوع من الزراعة يحتاج في المرحلة الحالية إلى المياه وأيضا إلى البرودة، كما أكدوا على أهمية هذه التساقطات المطرية بالنسبة لدعم المياه الجوفية ولإمداد السهوب بالمياه التي تحتاجها.
عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين، عبد المجيد صغيري:
“الأمطار حفزت الفلاحين على الشروع في البذر”
وفي هذا الإطار، قال المهندس الزراعي وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين عبد المجيد صغيري، إن الموسم الفلاحي 2023/ 2024 يعتبر موسما استثنائيا، حيث شهدت حملة الحرث والبذر تأخرا ملحوظا في الانطلاق بالنظر إلى عدة عوامل، منها شح الأمطار لثلاثة مواسم متتالية، ما جعل الفلاحين مترددين في الانطلاق في الموسم، سيما أنه تم تسجيل شح في الأمطار إن لم نقل انعدامها في بعض المناطق، خاصة الولايات الشمالية وبالخصوص ولايات الهضاب العليا المعروفة بالزراعات الواسعة ومنها الحبوب.
غير أن صغيري أكد في تصريح لـ “الجزائر”، أن الأيام الأخيرة شهدت نزولا معتبرا للأمطار، رغم أنها أقل من المعدل، فمثلا ولاية برج بوعريريج المعدل السنوي من 350 ملم إلى 450ملم، ولاية قسنطينة من 500 إلى 600 ملم، ويمكن توقع موسم فلاحي ناجح، حيث حفزت فلاحي المناطق الشمالية على الانطلاق في عملية البذر بالنظر إلى أن أغلبهم استفادوا من عملية تعويض البذور والأسمدة المقررة من طرف رئيس الجمهورية نظير تضررهم من شح الأمطار، وتبعتها وزارة الفلاحة بإجراءات تنظيمية وتسهيلات لإنجاح الموسم.
واعتبر المهندس الزراعي، أنه بالرغم من ذلك، فهذا لا يمنع في التفكير في تغيير نمط الزراعة من المطرية إلى المسقية، ولو سقي تكميلي في الأوقات الحرجة، مع اختيار الأنواع والأصناف الملائمة المتأقلمة مع الظروف المناخية، وكذا المنطقة، وتشجيع الزراعة الصحراوية المسقية بالكامل، لضمان الأمن الغذائي مع العمل على توسيع المساحات المزروعة في الجنوب شرط الاستعمال العقلاني لثروة المياه، وكذا الأسمدة والأدوية، مع ضبط عقد نجاعة يطلب من المستثمرين في الجنوب تجاوز مردود 120 قنطارا في الهكتار لتكون هناك مردودية اقتصادية فعالة.
ويرى الخبير في الفلاحة أنه يمكن القول إنه ليس هناك تأخر كبير في الحملة، ويمكن للأمطار الأخيرة أن تحفز الفلاحين على زرع حقولهم، مع أمل أن تكون هناك أمطار مرتقبة في بقية شهر ديسمبر وشهر جانفي المقبل ثم شهري مارس وأفريل. وشدد صغيري على ضرورة العمل على إيجاد مصادر مياه، للتدخل دائما ليكون هناك توازن وتوزيع أحسن لاحتياجات النبات من الماء، لضمان موسم فلاحي ناجح، وتجنب المفاجآت التي قد تضر بالموسم.
الخبير الفلاحي لعلا بوخالفة:
“التغيرات المناخية تفرض تغيير النمط الزراعي”
من جانبه يقول الخبير الفلاحي لعلا بوخالفة، أنه في الجزائر تعودنا أن تكون بداية الموسم الفلاحي مع شهر أكتوبر، لكن تأثيرات الاحتباس الحراري وتغير المناخ في السنوات الأخيرة، أثرت على تواريخ بداية الموسم الفلاحي بالنظر لتأخر نزول الأمطار الخريفية.
وأوضح بوخالفة في تصريح لـ “الجزائر” أنه وبعد هذه السنوات التي شهدت التغيرات المناخية، من المفترض أن يكون هناك تعود على هذه الوضعية والتي تتطلب -حسبه- تغيير الخريطة الفلاحية ومواجهة المعطيات الجديدة والبحث عن مصادر أخرى للمياه.
واعتبر الخبير الفلاحي أنه على الرغم من تأخر تساقط الأمطار، لم يفت الأوان بعد للعمل على ضمان موسم فلاحي ناجح، سيما أن الأمطار التي بدأت تتهاطل منذ أسبوعين أو أكثر على فترات وفي مختلف ولايات الوطن، هي كميات لا بأس منها ومحفزة للعديد من الزراعات.
وشدد الخبير الفلاحي على أهمية الانتقال لفكرة اختيار المواقع وتحديد نوعية الزراعات المناسبة وهذا لضمان مردودية أعلى، في ظل ما يحدث من تغيرات مناخية، وهذا للتأقلم مع الوضعية المناخية الجديدة.
وقال إن هذا ما خلق فكرة التوجه نحو الأراضي الصحراوية لعدة اعتبارات، منها توفر مختلف الشروط الملائمة لهذه لأنواع من الزراعات منها زراعة الحبوب، كالمساحات الواسعة، مياه جوفية والمقدرة بـ50 ألف مليار متر مكعب والتي حسب دراسة أجرت من قبل خبراء مؤخرا فإنها تكفي لـ5 آلاف سنة، مع إمكانية تجددها حسب دراسة أخرى”.
ويؤكد المتحدث ذاته أن “التوجه نحو تحديد مواقع الإنتاج من شأنه أن يساعد على الرفع من الإنتاج والمردودية”، وأوضح هنا أن “المردودية في المناطق الصحراوية أعلى بكثير من المناطق الأخرى فيما يتعلق بالزراعات الإستراتيجية”.
وأشار إلى التجربة الرائدة التي تم تطبيقها بولاية الوادي والتي أثبتت إمكانية تحقيق مردودية بـ120 مليون قنطار في الهكتار من الحبوب، مضيفا أن “هذا الأمر الذي دفع بالجهات الوصية إلى ضرورة العمل على تحديد مناطق الإنتاج وإلزام المستثمر الفلاحي بالتقيد بدفتر الشروط ونوعية الزراعة المحددة ضمن المنطقة التي يستثمر بها”.
رزيقة. خ