اقترح الدبلوماسي السابق أحمد طالب الإبراهيمي حلا للأزمة التي تعيشها البلاد، ودعا إلى “تغليب المشروعية الموضوعية على المشروعية الشكلية”، وتكييف الدستور مع حركة الواقع، وأشاد بالشباب الذي اعتبره نواة الحراك الصلبة، وأشار إلى “بعض الأخطاء التي شملها الحراك، ودعا إلى تقريب وجهات النظر للتمكن من وضع تصور للحلول التوافقية، وتحدث عن المؤسسة العسكرية وقال إنها تتسم بالانضباط وتفادي التدخل المباشر في الشأن العام، لكنها في هذا الظرف الخاص يجب أن تُصغي إلى اقتراحات النخب وعقلاء القوم وأن لا تكون سندا لمؤسسات لا تحظى بالرضي الشعبي حتى وإن كانت في وضع دستوري ثابت.
وجه الإبراهيمي، أمس، رسالة هي الثانية له في ظرف خمسة أيام، وهذه المرة للشباب حملت عنوان”إلى شباب الحراك حافظوا على ديناميكية التغيير”، تضمنت مقترحا للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، حيث اعتبر أن” الحل الأنجع في هو الجمع بين المرتكزات الدستورية في المادتين السابعة والثامنة وما يتسع التأويل فيهما على اعتبار أن الهبة الشعبية استفتاء لا غبار عليه، وبين بعض المواد الإجرائية التي تساهم في نقل السلطة دستوريا” ويرى الإبراهيمي أنه ” وفي كل الحالات فالحكمة تقتضي تغليب المشروعية الموضوعية على المشروعية الشكلية انطلاقا من حق الشعب في التغيير المستمر، فالدستور هو من وضع البشر، أي أنه لا يجب أن يكون متخلفا عن حركة الواقع، ولا ينبغي أن يكون مُعوقا لحركة المستقبل”.
“الشباب استعاد زمام المبادرة في صنع مستقبله”
وتطرق الإبراهيمي في رسالته إلى الحراك الشعبي وقال أن الشباب استعاد زمام المبادرة في صنع مستقبله وأعاد ربط الصلة بماضيه المجيد ويرفع اليوم عاليا راية التغيير والتجديد، وقال إن سنه ألغى كل طموح في نفسه لكن لم يمنعه من التفاعل مع قضايا الوطن، و رغم أنه لم يتمكن من المشاركة في المسيرات إلا أنه تابع “بفخر واعتزاز هذه الملحمة التي صنعها أبناء الشعب من كل الفئات الاجتماعية وكل الأعمار في عموم الوطن، والتي تجاوب معها أبناؤنا وبناتنا في ديار الغربة”.
“لهذين السببين لم ألب الدعوة الملحة لقيادة المرحلة الانتقالية”
قال الإبراهيمي إنه لم يتوقف عن استقبال وفود من شباب الحراك الذين عرضوا عليه ّب”إلحاح” ترشيحه لقيادة المرحلة الانتقالية، وأوضح أسباب عدم تلبيته الدعوة بالقول” لم ألبّ دعوة مقربين وأصدقاء لتوجيه رسالة تأييد وتشجيع لصانعي الحدث في أسابيعه الأولى ليس تعاليا، وإنما لسببين أولهما تفادي كل تفسير خاطئ يوحي برغبة في استغلال الموقف من أجل التربح السياسي، أو تصفية حساب مع الرئيس السابق. أما السبب الثاني الذي أراه أكثر وجاهة، فهو الابتعاد عن تكريس الزعامة وعبادة الشخصية التي قضت عليها ثورة التحرير قبل أن يعاد إحياؤها اليوم في مجتمع غالبيته العظمى من الشباب الذين يتحكمون في تكنولوجيات لم تكن متاحة في زماننا، مما يجعلهم أكثر دراية بطريقة التعامل مع متطلبات العصر، ولا بدّ أن تُعطى لهم الفرصة المؤجلة لإثبات ذلك”.
“نتأسف على لغة التخوين والإساءة”
يقول الإبراهيمي إنه و”أمام الانسداد السياسي المتمثل في تعنت السلطة وتمسك الحراك الشعبي بمطالبه”، ارتأى أن من واجبه الإدلاء برأيه “إشادةَ بهذه الثورة السلمية التي يشكل الشباب المتعلم نواتها الصلبة، والعمل على تصويب بعض الأخطاء والحرص على تقريب وجهات النظر الذي لولاه لاستحال تصور الحلول التوافقية”، وأشار إلى أن البيان الثلاثي الذي أصدره في 18 ماي مع علي يحيى عبد النور ورشيد بن يلس جاء ضمن هذا الصدد “عملا بسنّة حميدة درجنا على إتباعها منذ أكثر من عقد كلما استلزم الأمر تحديد موقف من قضية ما في حياة الأمة”.
و يرى الإبراهيمي أن الحراك الشعبي بلغ مستوى عاليا من النضج والوعي رغم ما يعتريه من انقسامات طبيعية، ورغم كل المخاطر والمخاوف، و تأسف على لغة التخوين اتجاه بعض القيادات السياسية، أو جهات من الوطن، أو الإساءة إلى قيادة المؤسسة العسكرية، و شدد على ضرورة أن يحافظ الجميع على هذا المكسب الحضاري-الحراك-، وأن يتم الإصلاح بين كل الأطراف ما أمكن ذلك وأن نستخلص من الحراك الشعارات الجامعة ومن بينها “الجزائريين خاوة خاوة” و”الجيش الشعب خاوة خاوة”.
“الجيش منضبط لكن عليه الإصغاء للنخب والعقلاء”
من جانب آخر تحدث الإبراهيمي عن المؤسسة العسكرية، وقال إنها “لعبت دورا هاما في الحفاظ على سلمية الحراك الشعبي من خلال حرصها على تجنب استعمال العنف، وتجلّى هذا واضحا في عمل قوات الأمن من شرطة ودرك التي هي على تماس دائم مع المحتجين، وقال أنه يرى في ذلك بذور ثقافة جديدة يقوم عليها صرح الديمقراطية غدا، أي ثقافة منع استعمال العنف من أجل الوصول إلى السلطة أو التشبث بها، و أضاف “حقا، إن المؤسسة العسكرية تتسم بالانضباط وتفادي التدخل المباشر في الشأن العام، لكنها في هذا الظرف الخاص يجب أن تُصغي إلى اقتراحات النخب وعقلاء القوم، وأن لا تكون سندا لمؤسسات لا تحظى بالرضي الشعبي حتى وإن كانت في وضع دستوري ثابت كان مبرمجا لحالات عادية،وليست استثنائية كالتي نمر بها اليوم، و يرى أنه “بالمقابل، لا يجب أن تكون مشروعية تدخل المؤسسة العسكرية بديلا عن الشرعية الشعبية، بل عليها أن تكون قناة لتحقيق هذه الشرعية عبر الاستجابة الواضحة للمطالب الشعبية وفق قراءة واعية ومسؤولة للواقع السياسي وضغوطات المرحلة، بحيث لا تنحرف هذه المشروعية إلى إعادة إنتاج وسائل وآليات الحكم السابق عبر عناوين جديدة يلتبس فيها مبدأ الاستقرار المؤسساتي والدستوري بريبة المطامع السلطوية التي لا تخلو منها أي نفس بشرية”.
رزيقة.خ