تسعى الحكومة إلى توسيع مصادر تمويل الإستثمارات والمشاريع خارج نطاق الخزينة العمومية، إذ تعول على المؤسسات المالية في استقطاب أكبر عدد من المواطنين -زبائن- لادخار أموالهم بدلا من تكديسها خارج هذه المؤسسات، وهذا السعي دفع بها إلى مطالبة البنوك بتحسين وتنويع خدماتها المالية وتطويرها وتبسيط الإجراءات.
ويؤكد خبراء من جانبهم على أهمية الإدخار ودوره الفعال في تمويل الاستثمارات، لكن يرون أنه لا بد على البنوك توفير الخدمات التي ترقى لمستوى تطلعات المواطنين لتشجيعهم على الإدخار بها.
يرى مراقبون أن الادخار مهم للغاية للدفع بالعجلة الاقتصادية والإستثمارات، إذ يعتبر نظاما اقتصاديا في حد ذاته، وهو مهم للفرد كما هو مهم للمؤسسة وللدولة، ويؤكدون على أنه كلما زاد الادخار كلما زادت القدرة على تمويل المشاريع الموجودة واستحداث أخرى.
ووفق رأيهم فإن رفع نسب الإدخار يكون وفق شروط، منها ما تعلق بالوضع الاقتصادي العام للبلاد، ومنها ما تعلق بطبيعة المدخر، ومنها ما تعلق بالأنظمة المالية والبنكية، ويوضحون أنه بالنسبة لرفع نسب الادخار، فهي ترتبط بمعدل الدخل، فكما كان دخل الفرد أكبر كلما ساعد ذلك على الادخار أكثر، وكلما كانت الأنظمة المالية سلسة ومرنة في تعاملاتها وبدون تعقيدات وبيرقراطية، وبالمقابل تضمن التأمين، كلما كانت هناك ثقة أكبر بهذه المؤسسات المالية، وكان هو توجه أكبر للادخار بها.
ويشدد الخبراء هنا على الأهمية البالغة التي تلعبها الأنظمة المالية المتطورة في استقطاب أكبر عدد من الزبائن، ودعوا إلى ضرورة أن تواكب البنوك الوطنية كل تطور، مع تحسين وتنويع الخدمات، واعتبروا أن “التوجه نحو الصيرفة الإسلامية إجراء سليم ومشجع ومحفز على تنويع الخدمات والمنتجات المالية التي تساعد على جذب المزيد من المدخرين”.
كلما زاد الإدخار زاد الإستثمار
قال الخبير الإقتصادي، أحمد الحيدوسي، إن “الإدخار من الناحية الاقتصادية مهم ويدفع بالعملية الاستثمارية، وهو ما يتطلب تشجيعه عن طريق عديد الإجراءات التي يتوجب على البنوك اتخاذها لتحفيز المواطن بالخصوص على الادخار بالمؤسسات المالية”.
وأضاف الحيدوسي في تصريح لـ”الجزائر” أن “ثقافة الادخار يجب أن تتوسع أكثر فأكثر، نظرا للأهمية الاقتصادية لهذه العملية في الدفع بالاستثمارات، فالقاعدة الاقتصادية تقول أنه كلما زاد الادخار كلما زاد الإستثمار وبالتالي انتعاش الاقتصاد الوطني”.
غير أن الخبير الاقتصادي يرى أنه بالنسبة للفرد الجزائري، فالادخار بالنسبة له قد لا يكون ميسورا بالنظر للقدرة المعيشية، وبالنسبة للدخل الشهري الذي قد يغطي تكاليف الشهر فقط، ولا يسمح بالادخار.
أما الادخار بالنسبة للمؤسسات، حسب المتحدث، فقد يختلف قليلا عن الادخار على مستوى الفرد، رغم أنها هي الأخرى في الجزائر لم تصل إلى المستوى المطلوب، مضيفا أنه “كلما زاد ادخار المؤسسات كلما تحسنت قدرتها المالية وبالتالي القدرة على المزيد من الإستثمارات”.
وتابع الحيدوسي أن “الدولة مدركة لأهمية الادخار بالنسبة لتحريك الاقتصاد الوطني، وهذا ما دفعها إلى تخفيف الضرائب على بعض الحالات وإلغاءها، كإلغاء الضرائب على النشاط المهني للمؤسسات وغيرها من الإجراءات حتى تسمح لهذه الشركات على الادخار”.
واعتبر أنه يجب على البنوك وضع المزيد من الإجراءات والتدابير التي من شأنها تشجيع المواطن على الادخار بالمؤسسات المالية، وإذ يؤكد في هذا الشأن على ضرورة تبسيط النظام البنكي، واستعمال الرقمنة، مع تطوير المنظومة البنكية، وتفعيل دور البورصة من خلال المنتجات المقدمة والعروض الترويجية.
كما أكد الحيدوسي على أهمية منتجات الصيرفة الإسلامية، حيث قال إنه “منذ اعتماد هذا المنتج المالي، تم استقطاب عدد معتبر من المدخرين، حيث عرف رواجا ونموا كبيرا، وهو إجراء مشجع بشكل كبير”.
تطوير الخدمات البنكية وتنويعها شرط هام لاستقطاب المزيد من المدخرين
من جانبه، قال أستاذ الإقتصاد بجامعة أم البواقي، مراد كواشي، إن للادخار “أهمية بالغة” سواء للأفراد أو المؤسسات المالية.
وأضاف كواشي في حديثه لـ”الجزائر”، أن “الادخار بالنسبة للأفراد هو خطوة لترشيد الاستهلاك، فالفرد لما يكون له دخل معين خاصة إذا كان دخلا متوسطا، فلا يجب توجيهه كله للاستهلاك، وإنما جزء منه للاستهلاك وجزء يدخره لاستخدامه في أوقات الحاجة”.
أما على مستوى المؤسسات المالية فالإدخار ضرورة، وبواسطته يمكن تمويل المؤسسات المالية، وبالتالي يشكل مصدرا هاما من مصادر التمويل توظف فيما بعد على شكل استثمارات.
ويرى كواشي أنه “لتشجيع الأفراد على الادخار في البنوك، فعليها أن تقوم بتطوير خدماتها، وهو ما بحاجة إليه البنوك في الجزائر، إذ لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب لتحسين مناخ الأعمال”.
وأكد المتحدث ذاته، أنه على المؤسسات المالية العمل على تطوير وتحسين خدماتها، والإعتماد على الرقمنة والإقتراب أكثر من المواطن مع تقديم منتجات تثير المواطن وتشجعه على الادخار بها، كرفع من الفائدة، أو الاعتماد على سياسات توعوية، لاستقطاب المواطنين الذين لا يزالون غير مقتنعين بالتعامل مع المؤسسات المالية لأسباب شرعية دينية، لذا يرى كواشي أن “توعية المواطنين ضرورية للتوجه نحو الادخار في المؤسسات المالية”.
للتذكير، كان وزير المالية لعزيز فايد قد شدد الأسبوع الماضي، في كلمة له بمناسبة تنظيم اليوم الإعلامي من قبل الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية تحت شعار “الشمول المالي في عصر الرقمنة : تحديات و آفاق”، المتزامن مع اليوم العالمي للادخار، أنه وبخصوص البرنامج الوطني للثقافة المالية من أجل التحسيس بأهمية الادخار، وفتح الحسابات البنكية، دعا الوزير جميع المؤسسات المالية إلى وضع مخطط اتصالي فعال بهدف شرح السبل والوسائل التي توفرها المؤسسات المالية للمواطنين من أجل فتح الحسابات، الادخار والترويج للمنتجات البنكية على نطاق أوسع، من أجل ترسيخ ثقافة الادخار، بتنظيم نشاطات بالتنسيق مع جميع الأطراف الفاعلة.
رزيقة. خ