تواصل الأحزاب الإسلامية مسلسل التشرذم وفقدان البوصلة مع كل موعد انتخابي، بالرغم من تنوع هذه الأحزاب وكثرتها في الساحة السياسية وحجم انتشارها الاجتماعي، إلا أنها لم تستطع تكوين قوة سياسية لمواجهة أحزاب السلطة، حيث شكلت مبادرة رئيس “حمس” عبد الرزاق مقري نقطة إضافية من نقاط الخلاف المستمر بين “العائلة الإسلامية” في الجزائر.
كشف عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية، وهو أحد الشخصيات الإسلامية المعروفة في الساحة السياسية التي يمتد نشاطها لعقود، أنه ليس هناك إمكانية للوصول إلى اتفاق بين الأحزاب الإسلامية على مرشح واحد في رئاسيات 2019، مرجعا سبب ذلك إلى “التزوير” الذي تشهده كل مناسبة انتخابية، ويرى جاب الله أن إصلاح منظومة الانتخابات بالجزائر هو الأهم من الترشح، لأن ذلك –حسبه- “أولى من الحديث عن الرئاسيات في الوقت الراهن”، وأشار المتحدث أن الانتخابات الرئاسية القادمة “لا تشكل موعدا هاما في حياة الجبهة”، مؤكدا أنه “يفترض أولا، تعديل قانون الانتخابات الحالي وإدراج تعديلات تضمن نزاهة الانتخابات وحرية التنافس بين المترشحين”.
وتعتبر إشارة رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله إلى عدم اتفاق على مرشح إسلامي مشترك، أن هناك حضور نية دائمة داخل قيادات هذه الأحزاب لعدم التعاون فيما بينها، رغم أن انتماءها الروحي والإيديولوجي ينبع من الينبوع السياسي نفسه، كما أنه يؤكد حجما كبيرا من الخلافات الدائمة بينها سواء العضوية داخل الحزب الواحد أو بين مختلف هذه الأحزاب المنشقة عن بعضها البعض، مثلما هو الحال مع التشكيلات التي انبثقت عن حركة مجتمع السلم كالبناء الوطني، وحركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية مع حركة الإصلاح الوطني.
مبادرة مقري.. القطرة التي أفاضت الكأس
شكلت مبادرة “التوافق الوطني” التي طرحها رئيس “حمس” عبد الرزاق مقري القطرة التي أفاضت كأس الخلافات بين الإسلاميين في مرحلة حساسة، وفي توقيت مهم وحول موضوع أهم، تمحور حول الرئاسيات المقبلة ودور الجيش في ما يسمى بمرحلة الانتقال الديمقراطي، في الوقت الذي كان ينتظر عبد الرزاق مقري دعما من حلفائه السابقين في المعارضة ليس فقط من التيار الديمقراطي والعلماني وإنما من الإسلاميين الذين يتقاسمون مع مقري البيت السياسي نفسه. وكانت أولى سهام النقد نحو مبادرة مقري من الأمين العام لحركة النهضة محمد ذويبي الذي أعلن عن رفضه للدعوة التي وجهها رئيس حركة مجتمع السلم، للمؤسسة العسكرية بالتدخل عبر رعاية مبادرة الانتقال الديمقراطي السلس، وقال ذويبي ردا على مقري، إن مهام الجيش تنحصر في “الحفاظ على الوحدة الوطنية والدفاع عن سيادة الوطن، وليس من مهام هذه المؤسسة الدستورية تسهيل الوصول إلى الحكم”.
كما انتقد عبد القادر بن قرينة رئيس حركة “البناء الوطني” مبادرة “التوافق الوطني”، قائلا بعد لقائه الأمين العام لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس إن “لهم قاسما مشتركا مع حزب جبهة التحرير الوطني في ما يخص القيام بالمهام الدستورية للجيش”، ودعا بن قرينة مقري لـ “عدم إقحام الجيش في الشأن السياسي”.
وفي الشأن ذاته، وفي اتجاه يُعاكس مبادرة عبد الرزاق مقري، نوه عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية بتصريحات الفريق قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح، معتبرا أن المهمة الأساسية للجيش هي “حماية البلاد وضمان أمنها واستقرارها وصد المخاطر المحدقة بها”، وهذه الرسالة التي سيرددها جاب الله لمقري عند لقائهما للتباحث حول مبادرة “الوفاق الوطني”.
فاروق طيفور: “الإسلاميون لا يراهنون على الرئاسيات بسبب غياب الأفق”
من جهته، نفى القيادي وعضو المكتب الوطني المكلف بالشؤون السياسية في “حمس” فاروق طيفور، في اتصال مع “الجزائر”، وجود خلافات بين حزبه وباقي الأحزاب الإسلامية حول مبادرة التوافق الوطني”، مشيرا في السياق ذاته، إلى لقاءات مرتقبة هذا الأسبوع مع رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، وبعد عيد الأضحى مع الأمين العام لحركة النهضة محمد ذويبي لشرح المبادرة أكثر لهذه الأطراف والنقاش حول الوضع العام للبلاد.
وردا على السؤال الرئيسي حول أسباب فشل تحقيق الوحدة بين الإسلاميين في الانتخابات الرئاسية أو على الأقل الذهاب نحو دعم مرشح مشترك، قال فاروق طيفور إن الانتخابات الرئاسية في الجزائر “لاتشكل رهانا لا للإسلاميين ولا للديمقراطيين” ويرجع السبب لعدة أمور من بينها الوضع العام والظروف السياسية في البلاد، مشددا في الوقت ذاته على “انغلاق الأفق السياسي في البلاد”.
وفيما يتعلق بمبادرة “حمس”، أكد القيادي في الحزب ذاته، أنها تأتي بهدف فتح حوار جدي يجمع الموالاة الحكومية بالمعارضة للنظر في مستقبل البلاد، وأبرز طيفور أن المبادرة في حدّ ذاتها “نأمل أن تفضي إلى انتخابات رئاسية نزيهة، تقترح فيها جميع البرامج من أجل تجاوز الأزمة”، وحول مستقبل هذه المبادرة في حال ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، قال فاروق طيفور إن “حمس” “ليس لديها مشكل في ترشح بوتفليقة، وإنما المشكل في عدم القدرة على تنظيم استحقاق انتخابي شفاف في ظل غياب هيئة مستقلة لمراقبة وتنظيم الانتخابات، أمام إدارة أثبتت فشلها في حماية المسار الانتخابي”.
وردا على بعض القراءات التي تعتبر مبادرة التوافق الوطني، التي اقترحها عبد الرزاق مقري جاءت بإيعاز من أطراف معينة، لجس نبض المؤسسة العسكرية، قبل أشهر عن موعد الرئاسيات في أفريل 2019، قال طيفور “نحن نقوم بعمل سياسي علني وليس بعمل سري”، مشيرا إلى أن تصريحات الفريق أحمد قايد صالح الرافضة للمبادرة تؤكد أن “ما اقترحته حركة مجتمع السلم هو اقتراح مستقل عن أي طرف”. وتمسك طيفور في حديثه بدور المؤسسة العسكرية “الضامن” –حسبه- لأي اتفاق بين الأحزاب الموالية والمعارضة بالنظر إلى “مصداقيتها” لدى مختلف الفاعلين السياسين، ومشيرا إلى أن الفريق قائد أركان الجيش الوطني الشعبي أحمد قايد صالح “عضو في الحكومة كما أنه يحمل صفة سياسية متمثلة في نائب وزير الدفاع الوطني”.
إسلام كعبش