يتفق المترشحون الخمسة للانتخابات الرئاسية المزمع إجراءها يوم 12 ديسمبر، على ضرورة النهوض بالاقتصاد الوطني والتمسك بخيار الخروج من التبعية للريع النفطي عبر الذهاب نحو اقتصاد أنجع يرتكز على الفلاحة والسياحة، وكذا تحسين المنظومة البنكية من خلال عصرنة الإدارة المالية وتنويع عروض التمويل.
وإن كانت برامج المترشحين في الشأن الاقتصادي تختلف عن بعضها البعض، فإنها تتقاطع في ضرورة تكريس القطيعة مع الاقتصاد الريعي الذي ظلت من خلاله الجزائر تحت رحمة تقلبات أسعار النفط، وبدت خطابات المترشحين خلال الحملة الانتخابية أكثر حرصا على الذهاب نحو رسم سياسة اقتصادية مغايرة عن سابقتها، من خلال بناء اقتصاد قوي تمنح فيه الأفضلية للاستثمار المحلي.
عبد المجيد تبون ..الإصلاح الضريبي وفتح القطاع المصرفي للخواص
يطرح المترشح الحر عبد المجيد تبون في برنامجه الانتخابي عدة محاور تخص إصلاح المنظومة المالية، حيث يبنى الوزير الأول السابق تصوراته على “54 تعهدا من أجل جمهورية جديدة” من ضمنها الذهاب نحو “إصلاح عميق” للنظام الضريبي لجعله وسيلة للتوجيه الاقتصادي وتشجيع الإنتاج الوطني من خلال رقمنة سريعة وكاملة للخدمات المتعلقة بالضرائب ورقمنة سريعة وكاملة للخدمات المتعلقة بالاستيراد ورقمنة كاملة وسريعة لسجل مسح الأراضي ومصالح أملاك الدولة.
بالمقابل، يعد بتعزيز التخطيط المالي والتحكم في مخاطر الميزانية من خلال التنفيذ السريع لنظم المعلومات وبرنامج لعصرنة الإدارة المالية وتنويع عروض التمويل من خلال بعث حركية في سوق الاقتراض عبر توسيع نطاق المنتجات المالية بما في ذلك السندات قصد تشجيع الادخار.
ويعتزم تبون إتباع نهج جديد في تسيير الميزانية للحفاظ على التوازنات المالية والعمل على إصلاح المالية المحلية ومكافحة ظاهرة تضخيم الفواتير وتجريم جميع المخالفات المتصلة بها وتعزيز الرقابة اللاحقة على تنفيذ النفقات العمومية من خلال تعزيز المؤسسات وهيئات الرقابة مثل المفتشية العامة للضرائب ومجلس المحاسبة.
وفيما يخص البنوك، يتعهد بتكييف الإطار التنظيمي والتشريعي الذي يحكم القطاع المصرفي مع إمكانية فتح هذا القطاع أمام الخواص وتبسيط ملفات الاقتراض وتخفيض مواعيد مراجعتها وتنويع المنتجات البنكية وتطوير التمويل الإسلامي وفتح فروع بنكية في الخارج مع تطوير البورصة وعصرنة قطاع التأمين.
وفي مجال عصرنة إدارة أملاك الدولة، يعد تبون برقمنة سريعة و كاملة لسجل مسح الأراضي و مصالح أملاك الدولة و إصدار قرارات الامتياز للاستفادة من العقار لصالح القطاع الاقتصادي. كما يعد تبون بمراجعة سياسات التركيب و التجميع الصناعيين بشكل كامل لضمان معدل اندماج عال و تشجيع أي استثمار صناعي يستخدم المواد الاولية المحلية و يخلق فرص عمل. كما يتعهد بوضع سياسة تصنيع جديدة موجهة للصناعات الصغيرة و المتوسطة و مضاعفة خلق الشركات الناشئة و توجيه الاستهلاك الوطني و الطلب العمومي نحو إنتاجها و العمل على ظهور جيل جديد من رجال الأعمال و مراجعة سياسات التجميع و التركيب الصناعية بشكل كامل لضمان معدل اندماج وطني عال. كما يعد بإطلاق مشاريع هياكل قاعدية كبرى لتعزيز شبكات السكك الحديدية و الطرق السريعة إلى جانب تعزيز الدور الاقتصادي للجماعات المحلية في تطوير و تنويع الاقتصاد الوطني من خلال تمكينها من المشاركة بفعالية في الانتقال إلى اقتصاد متنوع.
بن فليس.. يعد بوضع أسس لإعادة تصنيع الجزائر
من جهته، يعد رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس ببرنامج استعجالي في آفاق 2024 لوضع أسس “إعادة تصنيع الجزائر” قصد رفع مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام الى 10 بالمئة. وستكون أهداف هذا البرنامج محل استشارات واسعة بين المتعاملين المؤسساتيين والاقتصاديين العموميين والخواص، مؤكدا أنها استراتيجية ستتمحور على إعادة التصنيع حول أقطاب صناعية جديدة لتطوير القطاعات التي تملك الجزائر فيها مزايا مقارناتية، وتتمثل هذه الصناعات، حسب بن فليس، في الصناعات الغذائية و الميكانيكية و صناعة السيارات و الالكترونيك والتجهيزات المنزلية والكيمياء الصناعية و الأسمدة و البتروكيمياء و الصناعات الصيدلانية و الكيمياء الدقيقة والحديد والصلب والمعادن وصناعات الزجاج والصناعات الكهربائية والخدمات الصناعية واللوجستية.
بالمقابل، ركز رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس في برنامجه الانتخابي على عدة نقاط في الجانب الاقتصادي، من ضمنها تطبيق نسب فوائد بنكية جذابة لجلب مدخرات الأسر و الإسراع بوضع تشريع و آليات التمويل الإسلامي من طرف البنوك العمومية، إضافة إلى اقتراح التنازل عن أملاك المؤسسات العمومية غير الإستراتيجية وإعادة تفعيل صندوق ضبط الإيرادات ليقوم بدوره الأساسي.
و فيما يتعلق بالسلطة النقدية، يقترح بن فليس تدعيم استقلالية بنك الجزائر وإلغاء شرط الموافقة المسبقة لبنك الجزائر من أجل فتح وكالات و اقتراح منتجات بنكية جديدة ودراسة جدوى الترخيص بفتح بنوك جديدة و إنشاء بنك تنمية برؤوس أموال مختلطة لتمويل المؤسسات الصغيرة و المتوسطة. كما يقترح التدقيق في حسابات البنوك العمومية ومنحها الاستقلالية و التخفيف التدريجي في مراقبة الصرف مع العمل على استرجاع القروض الممنوحة بطريقة غير شرعية لمشاريع غير منجزة. كما ستحفز البنوك و المؤسسات العمومية، حسب برنامج بن فليس، على دخول البورصة إلى جانب إعادة فتح برامج الخوصصة عن طريق البورصة.
وعن اللجوء للتمويل الخارجي، يشترط المترشح أن يتم بقانون عضوي يحدد الكيفيات والشروط ويضمن رقابة البرلمان عليه، كما يقترح بن فليس إنشاء صندوق سيادي يمول من جزء من مداخيل تصدير المحروقات ويسير بطريقة شفافة، كما يقترح إعادة هيكلة القطاع العمومي و تحويل الصندوق الوطني للاستثمار إلى صندوق سيادي وطني يرافق البرنامج المستعجل للتجديد الاقتصادي.
عبد العزيز بلعيد يتعهد بالقضاء على سوق “السكوار“
أما عبد العزيز بلعيد رئيس جبهة المستقبل، فقد وضع برنامجه الاقتصادي صوب إصلاح القطاع المالي والمصرفي من خلال القضاء على سوق “السكوار” عبر إنشاء “سوق حقيقي للعملة الصعبة” بآليات ومعايير اقتصادية واضحة وتشجيع الصيرفة الإسلامية وإحداث “تغييرات عميقة” في تسيير البنوك تتماشى مع المعايير الدولية، خاصة فيما يتعلق بسياسات القرض و الاستثمار و كذا ما يتعلق بالعلاقة بين البنك المركزي والبنوك التجارية مع إعطاء الأولية القصوى لتكوين العامل البشري و ضمان التكوين المستمر لكل العاملين على كافة مستويات المسؤولية داخل المؤسسات البنكية، كما يقترح خلق منظومة بنكية تضمن التكامل بين النظامين البنكيين العادي والإسلامي لصالح الاستثمار المنتج للثروة في القطاعين الإنتاجي والخدماتي.
عبد القادر بن قرينة .. التمويل غير التقليدي خط أحمر ونموذج جديد للميزانية
أما المترشح، عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني، فيتعهد بدوره بتطبيق نموذج جديد للميزانية متعددة السنوات ورقمنة الميزانية و الصفقات العمومية وإدارة الضرائب وتعزيز استقلالية بنك الجزائر في رسم وتنفيذ السياسة النقدية مع “التوقيف النهائي” للتمويل غير التقليدي نظرا “لمخاطره التضخمية وضعف جدواه في دعم النمو”.
كما يقترح الفتح الجزئي لرأس مال البنوك و مؤسسات التأمين العمومية أمام المساهمين الخواص و الدمج بين المؤسسات المالية العمومية التي تقوم بنفس النشاط (بعض البنوك و شركات التأمين) و تنشيط بورصة الجزائر و تطوير منتجات مالية جديدة محفزة للادخار و تطوير ثقافة سوق الأسهم.
ويلتزم بن قرينة بتوفير “منتجات بنكية تتوافق مع التطلعات الشعبية” وإعداد الإطار المؤسساتي للزكاة و الأملاك الوقفية و الإسراع في اطلاق التمويل الإسلامي والتأمين التكافلي و اعتماد الصكوك الإسلامية و استحداث هيئة مستقلة تشرف على قطاع التأمينات.
وفيما يخص الصناعة، يقترح بن قرينة التركيز على الصناعات الاستخراجية والمنجمية و الميكانيكية و التركيب و قطع الغيار و البتروكيماوية و اعتماد الاقطاب الصناعية التنافسية المتخصصة و تشجيع اقامة المناطق الحرة و تطوير الصناعة التحويلية.
ووضع برنامج لتطوير الإنتاج الصيدلاني الوطني وإنشاء مراكز محلية لدراسة مطابقة الأدوية الجنيسة، كما يقترح بعث صناعة استرجاع و تدوير النفايات واعتماد دراسات التأثير على البيئة كشرط أساسي للاستثمار، ويستهدف بن قرينة رفع مساهمة الإنتاج الصناعي في الناتج الداخلي الإجمالي من 5 بالمئة حاليا إلى 20 بالمئة و رفع مساهمة القطاع السياحي من 2 الى 4 بالمئة بحلول سنة 2025.
ميهوبي .. إنتاج الثروة في القطاع الفلاحي
ويقترح ميهوبي من جهته تعديل السياسة الفلاحية للبلاد لاستصلاح الأراضي غير المستغلة وتحسين المردودية من خلال إنشاء نظام للقروض الزراعية المصغرة دون فوائد وتوجيه نشاط بنك الفلاحة والتنمية الريفية حصريا إلى القطاع الفلاحي.
كما يعد بتفعيل نظام تأمين الدخل الفلاحي إذ يعتبر أنه لا يمكن للمزارعين وحدهم تحمل عواقب المخاطر الزراعية مما يجعل مساهمة الدولة في إعادة التأمين ضرورة. ويقترح ميهوبي في برنامجه وضع سياسة عمومية ازاء المزارع الصغير و دعم أقوى للزراعة التي تسقيها الامطار مقارنة بالزراعة المسقية و تثمين الأراضي الخاضعة للراحة وإخضاع استغلال الموارد المائية الحفرية الصحراوية لتشريع خاص و تخصيص دعم أكبر للانتاج النباتي و تطوير عملية وضع العلامة للمنتوج الجزائري الأصيل.
كما يقترح تعديل قانون الامتياز الفلاحي قصد تأمين الاستثمار و جرد جميع العقارات الفلاحية غير المستغلة وتزويد المستثمرين بخريطة للأراضي المتوفرة و إنشاء بوابة الكترونية لتسجيل ملفات طلبات الامتياز و جعل معايير اختيار المستثمرين علنية. ويتعهد بإنشاء مجالس فلاحية جهوية تكلف بتحديد الأولويات الإستراتيجية للتنمية الفلاحية وتأطير الشراكة الدولية لإنشاء مزارع فلاحية كبيرة و عصرية.
كما يقترح ميهوبي بدوره إعادة تفعيل المجلس الأعلى للطاقة تحت رئاسة رئيس الجمهورية الذي يحدد بصفة دورية التوجهات الإستراتيجية الكبرى فيما يتعلق بالسياسية الطاقوية . كما يتعهد بإطلاق برنامج لإنتاج الطاقة الشمسية للوصول إلى سعة 5.000 ميغاواط سنة 2025 مع تسريع الجهود بتحقيق استكشافات جديدة و إطلاق مشاريع جديدة في البتروكيمياء بالشراكة مع مؤسسات أجنبية كبرى و اعداد مخطط للتحكم في استهلاك الطاقة من خلال تحسين عزل المباني و تقديم حوافز لاقتناء معدات فعالة من حيث المردود الطاقوي. كما يعد ميهوبي بتعميم استعمال الغاز النفطي المسال و الغاز الطبيعي المسال كوقود نظيف و اقتصادي و التكفل التام من طرف الدولة بنفقات تحويل المركبات الخاصة الى “جي.بي.ال”.
كما يرتكز البرنامج الاقتصادي للأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي بالنيابة، على اصلاح “شامل” تقوده حكومة كفاءات وطنية مهمتها الأساسية تقويم الوضع الاقتصادي للبلاد. و يقترح ميهوبي في هذا الإطار إنشاء وزارة للاقتصاد تجمع وزارات المالية و الصناعة و الاستشراف و التجارة و الاقتصاد الرقمي. و من خلال تطبيق “تدابير فورية” لانعاش الاقتصاد ضمن برنامج إصلاحات هيكلية، يهدف للوصول إلى نمو اقتصادي ب5 بالمئة سنويا و استعادة توازنات الاقتصاد الكلي مع حلول سنة 2021. حيث تعتمد هذه التدابير على سياسة شاملة لدعم المؤسسات الصغيرة و المتوسطة مع لامركزية القرار الاقتصادي لصالح الجماعات المحلية حيث ينحصر دور الوزارات في إعداد الخيارات الاستراتيجية للدولة في حين يتكفل المنتخبون المحليون و الإدارة الإقليمية بتحديد مضمون البرامج التنموية و تجسيدها و تسييرها.
عمر.ح