اعتبر البروفيسور احسن ثليلاني، أن آثار جائحة فيروس كورونا في حياتنا وخيمة جدا على جميع الأصعدة والمستويات الصحية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وحتى النفسية… فهذا الوباء قلب حياتنا رأسا على عقب وأجبرنا على العيش وسط ظروف لم نكن مؤهلين لها، حتى أننا أصبحنا نعيش فيما يشبه السجن أو الإقامة الجبرية و إن كانت تحت مسمى (الحجر الصحي)، معتبرا إن الواقع الذي فرضه علينا هذا الوباء اللعين قد أجبر الجميع على تعميق آليات التفكير في العيش تحت سلطة الكورونا، ولكن التفكير أكثر فيما بعد الكورونا، والملاحظ أن هذا الوباء مثلما يستفيد من ضعف مناعة ضحاياه، فإنه بالمقابل قد طور و رفع من مناعة مقاوميه، و هذا ما يجعلني أشير إلى الحكمة القائلة “رب ضارة نافعة”.
ثليلاني الذي نشط العدد السادس والثلاثين من منتدى المسرح الوطني الجزائري TNA Forum، وتمحورت مداخلته حول موضوع “المسرح ما بعد_الكورونا..”، قال بأنه وعلى الصعيد الثقافي نلاحظ أن “الكورونا” قد تسببت في إغلاق المؤسسات الثقافية، و منها المسارح فقد كنا في الجزائر على وشك عقد الطبعة 14 من “المهرجان الوطني للمسرح المحترف” و من ضمنه مؤتمر العلمي “همزة وصل” بإشراف “الهيئة العربية للمسرح” شهر مارس الفارط، لكن بسبب الوباء تم تأجيل المهرجان و كذلك المؤتمر، كما تم توقيف كل العروض المسرحية و النشاطات الفنية المرافقة، وفي لحظة وجدنا أنفسنا أمام حالة من العجز و اليأس والقنوط، لولا أن بدأنا نفكر في استخدام وسائل الاتصال الالكترونية عبر شبكة الأنترنت كالفايسبوك واليوتيوب والواتساب وغيرها… وهي وسائل -يضيف- مكنت مختلف المؤسسات الثقافية من العودة للحياة و النشاط من جديد وذلك عبر إطلاق منصات افتراضية ومنتديات إلكترونية فرضت نفسها كبدائل قوية لتنشيط الحياة المسرحية بأكثر قوة و فعالية، في ملامح متعددة من حيث لجوء المؤسسات المسرحية إلى إنشاء مواقع إلكترونية وصفحات ومنتديات على “الفايسبوك” واعتمادها كذاكرة توثيقية سمعية بصرية لكامل المنجز المسرحي، يتم من خلالها تقديم العروض المسرحية جديدها وقديمها و كذلك خلق نقاشات حولها، وهذه مبادرة جيدة جدا كنا دائما ندعو إليها خاصة وأن طلبتنا في الجامعات يحتاجون إلى مشاهدة تلك الأعمال المسرحية و تحميلها من أجل دراستها في ما تعلق بكلاسيكيات المسرح الجزائري وعروضه الخالدة ، وهذا يعني أن الكورونا قد فتحت أبواب مسارحنا من حيث شاءت إغلاقها.
وأضاف ثليلاني أن منتدى المسرح الوطني الجزائري الذي استقطب وجوها وطنية وعربية، استطاع أن يناقش الكثير من المسائل برؤية علمية مكنت الصحافة الجزائرية من الاقتراب أكثر من آليات صناعة الفرجة، مشيرا إلى أن الكثير من المسارح الجهوية بعثت منتديات مماثلة على غرار ما فعل مسرح الجلفة وبسكرة، و ما قدمته صفحة infos théâtre dz لصاحبها النشيط جدا “مولاي ملياني” ومسرح العلمة بإشراف الدكتورة الباحثة القديرة “ليلى بن عائشة” وغيرها…
وأشاد ذات المتحدث بقيام بعض رجال المسرح بمبادرات فردية لتنشيط الحركة المسرحية، و ذلك بكتابة مقالات نقدية لقيت صدى كبيرا على غرار ما فعل الصحفي الناقد “علاوة وهبي” في التعريف ببعض أعلام المسرح الجزائري العربي و العالمي، و كذلك تلك المبادرة الرائعة التي قام بها مولاي ملياني، كما نذكر الدكتور “حبيب بوخليفة” الذي يتابع كل ما يكتب حول المسرح فيناقش و يسجل رأيه بموضوعية، والأسماء كثيرة تعدادها الكثير وهي تعكس حقا وعي هذه النخبة في التزامهم على تحريك الفعل الثقافي نحو الممتاز…
وأكد ثليلاني أن مستقبل المسرح فيما بعد “الكورونا”، سيكون مستقبلا واعدا من شأنه أن يضع المؤسسات المسرحية في قلب العصر الذي نعيش فيه وهو بالتأكيد عصر السمعي البصري، بحيث كسبنا رهانات جديدة، و لعل الأمر الوحيد الذي خسرناه ولا يمكننا تعويضه هو كون الفرجة المسرحية هي فن حي يقتضي وجود فعلي للمثلين و الجمهور في قاعة عرض وليس عبر الافتراضي ، وهو الطموح الذي نتطلع عليه بعد زوال هذه الجائحة وعودة المياه إلى مجاريها، حيث سيعود مسرحنا الجزائري بأكثر قوة محلقا في سماء الواقع الواقعي و الواقع الافتراضي أيضا.
صبرينة ك