قال البروفيسور محمد لمين بحري، أننا اليوم نشهد في عصر عالمية الفنون وفي جميع الدول المتقدمة فنا واقتصادا ومعرفة، أن أي إنتاج فني مهما كان جنسه (رواية، قصة، مسرحية، معزوفة موسيقية، فيلم سينمائي، لوحة رسم تشكيلي…)، من تلك المنجزات، ينشأ بين أهل فنه أولاً، ثم يسافر عبر بقية الفنون الأخرى، تستثمر قصته وتكيفها مع آليات وطبيعة الفن النوع الفني الجديد ارتحل إليه، ليكتسب جماهير جديدة تضاف إلى جمهوره الأصلي.
وأضاف بحري في مداخلته التي قدمها في العدد 37 من منتدى المسرح الوطني_الجزائري TNA Forum، والتي تمحور حول موضوع “المسرح والتبادل بين الفنون: “إشكالات الجمود وإكراهات الانفتاح”، بأننا رأينا، أن رواية الدون كيشوت قد بدأت في فن الرواية، لكنها لم تبق حبيسة ذلك الفن بل تم اقتباسها في بقية الفنون وارتحلت في رواج عالمي رهيب، لنراها مسرحية، ثم لوحة فنية تشكيلية، ثم قطعة موسيقية، ثم رقصة باليه ثم منتوجاً سينمائياً وتلفزيونياً ورسوماً متحركة… وحدث لها هذا التلقي العجيب لمجرد أنها ارتحلت من فنها الروائي، لتتجلى في الفنون المجاورة التي استثمرتها فكراً وشخصيات، ومعنى وجودياً للحياة. حتى أن من لم يكن يسمع بها كرواية من قبل صار يبحث عن مصدر إشعاعها الروائي وحقيقة قصتها، فصار الجمهور المتابع للفن التشكيلي جمهوراً إضافياً وافداً وقارئاً للرواية، ومتابع السينما صار من جمهورها كمسرحية وكرواية وكلوحة فن التشكيلي، وكمقطوعة باليه… وهكذا اتسع جمهور هذا العمل وصار العمل عالمياً بامتياز. حين غادر نوعه الذي نشأ فيه فاكتسب جماهير الفنون الأخرى التي تداخلت معه، وصنع عالميته الفنية قبل عالميته الجماهيرية، بل إن الحركية الفنية في الغرب تعلمنا بأن هناك أعمالاً قصصية وروائية فاشلة بالأساس، ولم تكتسب رضى جمهورها حتى في فنها الأصلي لكنها أحياناً تصادف مخرجاً أو كاتب نص، مبدع، فيقتبس أو يستلهم منها عملاً مسرحياً أو سينمائياً يكون سبب رواجها بين الجماهير وبين بقية الفنون. وهذا حدث كثيراً مثلما شاهدناه، في الفيلم الأمريكي “مُراقص الذئاب – Danse with Wolves” للممثل والمخرج كيفين كوستنر، الذي استوحاه من رواية فاشلة لشاب مبتدئ… وأعاد بعثها في فليم، نالت موسيقاه فقط صدى فاق صدى الفيلم والرواية وأعطاهما صدى عالمياً غير متوقع، والعجيب أن هذا الارتحال للنص عبر فنون أخرى أسهم في عالمية الراوية التي كانت في البدء مهجورة ومجهولة بين جماهير فنها.
وابرز، أن الأمثلة لا تحصى عن تجليات القصة والرواية والشعر والأوبرا قديماً وحديثاً، في سائر الفنون، وما فعلته كارمن وسينيور أباتي، ودون جيوفاني، أو ميديا، سواءً كموسيقى أو أوبيرا أو رقصات، صالت وجالت عبر كل الفنون وأضحت خالدة في ذاكرة كل الشعوب، مؤكدا أن بأنه وعندما تتداخل الفنون فإن بعضها ينقذ بعضاً، وتوسع من فئات جمهورها، ليستقطب جماهير الفنون الأخرى… وقد يتسبب هذا التبادل الفني للمادة في صنع صيتها العالمي، وإنجاحها في فنها الأصلي الذي انطلقت منه.
يذكر أن محمد الأمين بحري أستاذ النقد والأدب العالمي بجامعة بسكرة برتبة بروفيسور، له عدة مؤلفات في النقد والترجمة والفكر… فائز بعدة جوائز وطنية ودولية، آخرها المرتبة الأولى في الجائزة الدولية مصطفى كاتب للدراسات المسرحية من تنظيم المسرح الوطني الحزائري 2018. له من النشاطات المستقلة، في عديد المشاركات في الملتقيات الوطنية والدولية، وكتابة المقال النقدي في المسرح والسينما والرواية بمجلات ودوريات وجرائد وطنية وعربية. كما كانت له عضوية لجان تحكيم في جوائز محلية ودولية في الرواية والمسرح وفي اللجان العلمية لمجلات أكاديمية محكمة وطنية ودولية.
صبرينة ك