حظي العمال في الجزائر بعناية خاصة من الحكومات المتعاقبة منذ تولّي رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة رئاسة البلاد فحقّقوا الكثير من الامتيازات كالزيادات المتتالية في الأجور والخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية المجانية وشمولهم بالضمان الاجتماعي الذي وفّر للعامل الطمأنينة على مكتسباته، كما عرفت الحركة العمالية في الجزائر عدة تطورات أدت في مجملها إلى تكوين فكر نقابي نضالي و سياسي أدى إلى ترسيخ تقاليد نضالية ساهمت في الحفاظ على استقرار المجتمع و الدولة على اختلاف مراحل تشكلهما.
وتم تعزيز ذلك بالعمل النقابي الذي يضمن ايصال صوت موظفي القطاعات للحكومة، حيث حاول المشـرع الجزائري دومـا إيجـاد مكان متميز للعامل وذلك لما كانـت تمثلـه هـذه الفئة الاجتماعية في الذاكرة التاريخية، فكان دوره متميزا في مختلف مراحل التنظيم الاقتصادي، ومن منطلـق نظرة جديـدة تقـوم علـى التعدديـة النقابة بعد أن كانت مقتصرة على الاتحاد العام للعمال الجزائريين دون غيره، عكفت وزارة العمل على تنظيم تمثيلية المنظمات النقابية، اين تم اعتماد 17 من بين ثلاثين تنشط في مجملها في قطاعات التربية، الصحة، النقل والعدالة، حيث يتعلق الأمر بكل من الاتحاد العام للعمال الجزائريين (UGTA)، التي يرأسها عبد المجيد سيدي سعيد، و النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية (سناباب) برئاسة بلقاسم فلفول، النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة والعمال المهنيين للتربية الوطنية برئاسة علي بحاري، النقابة الوطنية للأساتذة الباحثين الإستشفائيين الجامعيين برئاسة وهيبة وحيون، النقابة الوطنية للممارسين الأخصائيين في الصحة العمومية برئاسة محمد يوسفي، النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية برئاسة الياس مرابط، النقابة الوطنية الجزائرية للنفسانيين برئاسة خالد كداد، النقابة الجزائرية للشبه الطبي برئاسة الوناس غاشي، النقابة الوطنية لأساتذة الشبه الطبي برئاسة بن يوسف بن يوسف، النقابة الوطنية للبياطرة موظفي الإدارة العمومية برئاسة سعيدة عكالي، النقابة الوطنية للقضاة برئاسة جمال عيدوني، المنظمة الوطنية للصحفيين الرياضيين الجزائريين برئاسة يوسف تازير، النقابة الوطنية لمستخدمي الملاحة التجارية الجزائرية برئاسة كريم أوراد، النقابة الوطنية لتقنيي صيانة الطائرات برئاسة أحمد بوتومي، نقابة الطيارين التقنيين الجويين الجزائريين برئاسة كريم سغوان، النقابة الوطنية لقضاة مجلس المحاسبة برئاسة أحمد شيخاوي وكذا النقابة الوطنية لمستخدمي الملاحة الجوية برئاسة جمال أيت عبد المالك.
نقابات “غير تمثيلية” وعشرات مهددة بالزوال
وبمقابل ذلك فإن 13 منظمة نقابية أرسلت ملفاتها بدون احترام النموذج المعلوماتي الجديد ويتعلق الأمر بالنقابة المستقلة لمستخدمي الشؤون الخارجية، الإتحاد الوطني لمستخدمي التربية والتكوين، النقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين، النقابة الوطنية لعمال التربية، النقابة الوطنية المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية، النقابة الوطنية للأطباء العامون للصحة العمومية، النقابة الوطنية للصحفيين، النقابة الوطنية للتقنيين في الإلكترونيك والكهروتقنية للأمن الجوي، المجلس الوطني المستقل للأئمة و موظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف، النقابة الوطنية لعمال التكوين المهني، النقابة الوطنية للديوان الجزائري المهني للحبوب، المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي.
وحسب وزارة العمل فبشأن المنظمات النقابية التي لم ترسل المعطيات المطلوبة، حسب النموذج المعلوماتي الجديد، فإنها ستعد غير تمثيلية، ولن تتمكن من تقديم أرضية مطالب أو المشاركة في مفاوضات أو الدعوة إلى الإضراب.
الملاحظ أن هذه النقابات التي تنشط في معظمها في قطاعات التربية والتكوين المهني والصحة، هي التنظيمات التي دخلت في الفترة الأخيرة في حركات احتجاجية متواصلة وإضرابات أدت إلى إضطرابات في مجالي التدريس والاستشفاء، ومست مجالات لها علاقة مباشرة بالخدمة العمومية.
أما فيما يخص المنظمات النقابية التي لم ترسل المعطيات المطلوبة فقد بلغ عددها 35 نقابة، وهي تنظيمات لم يظهر لها أي أثر و لم تقم بتبليغ العناصر التي تسمح بتقدير تمثيليتها، وقد سبق للوزير أن اعتبر وضعيتها بغير القانونية.
و لعل ما يميز هذه النقابات هو ابتعادها عن النشاط السياسي و تركيزها على النواحي المطلبية كما أنها في السنوات الأخيرة نحت نحو المطالب النوعية كالحرية النقابية و التمثيل النقابي إضافة إلى المطالب الاقتصادية.
تياران يتنازعان الحركة النقابية في الجزائر
وعلى هذا الأساس يمكننا القول أن الحركة النقابية في الجزائر اليوم يتنازعها تياران أساسيان, تيار يبني نضاله على لغة الحوار و التشاور على راسه الاتحاد العام و العمال الجزائريين والذي يتخذ من رصيده التاريخي والنضالي حجة لتمثيل العمال والتكلم باسمهم، بالإضافة إلى النقابات التي تم الاعتراف التام بها من قبل الدولة مؤخرا كونها الشريك الاجتماعي الممثل، في مقابل هذا التيار يوجد التيار الثاني الذي يجسد نظرة المواجهة والصراع كما اسماه وزير العمل وهو إن نهج هذا الأسلوب فهو لعدم وجود اعتراف من قبل السلطات بتمثيله رغم ما أحدثه من حشد في صفوفه و نجاح الإضرابات التي نظمها رغم عدم الاعتراف بها من قبل السلطات.
في خضم هذا الجدل تبقى النقابة الجزائرية تعاني من بعض النقائص، مما يقلل من فعاليتها الميدانية، كذلك عدم وجود لغة خطاب أو إيديولوجية واضحة المعالم تساهم في تفعيل الانخراط حيث لوحظ أن نوعية المطالب هي العمل الرئيس في تجنيد العمال فمثلا يعتبر وجود مطلب الأجور على قائمة اللائحة المطلبية كافيا في رفع نسبة التجنيد في حين أن غيابه يقلل منها. أما على المستوى الخارجي فيتعلق الأمر بعدم وجود استثمارات مباشرة و ناجعة تساهم في تفعيل العمل و بالتالي تسمح بتوسيع النشاطات النقابية. كذلك وجود النقابة في حالة مواجهة مباشرة مع الدولة في كل مرة تسعى فيها إلى تحقيق المطالب العمالية الأمر الذي يؤدي إلى تحول النضال عن مساره المطلبي و يصبح نضال سياسي لا يعود بالفائدة في غالب الأوقات على الناحية المطلبية.
نسرين محفوف