“حلمي أن يصل الكتاب المطبوع في الجزائر إلى عمقها”
شاعرة، إعلامية، مترجمة وأخصائية نفسية من الجزائر تعمل حاليا مستشارة في ميدان التوجيه المهني والأكاديمي بإحدى شركات النمسا كما تقدم برنامجين في إذاعة “أورانج” النمساوية، “البث العربي” برنامج خاص تعده وتقدمه بها و”حياة جديدة في فيينا” برنامج خاص بالإذاعة يعده ويقدمه هي ومجموعة من الصحفيين. ولدت في الجزائر من عائلة توارثت الكتابة أبا عن جد، وكان أبوها قد شارك في حرب التحرير وذاق ويلات السجون الاستعمارية من تنكيل وتعذيب إلى غاية حتى الاستقلال، فورثت عنه ثورته على الاستعمار وبغضه لكل مستعمر مغتصب للأرض وقد تجسد ذلك في شعرها. مارست التعليم في الجزائر كأستاذة للغة الفرنسية للمرحلة الثانوية، ثم سافرت إلى النمسا عام 1992 بعد زواجها وأكملت دراستها في علم النفس والترجمة وتحصلت على درجة الماجستير في علم النفس بجامعة فيينا، عملت كمترجمة في شركات أمريكية بفيينا من الإنجليزية والألمانية إلى الفرنسية، عملت كأخصائية نفسية تحديدا في علاج صعوبات التعلم عند الأطفال. اشتغلت كمحررة صحفية ومدققة لغوية ومقدمة أخبار في تلفزيون شبكة الجديدة للأخبار في فيينا، عملت كمدربة في مجال اختبارات المهارات والاندماج الثقافي والمهني، بدأت كتابة الشعر في سن الثالثة عشرة لكنها توقفت لأكثر من عشرين سنة ثم عادت إليه مؤخرا منذ 10 سنوات فصدرت لها في هذه المدة ثلاث مجموعات شعرية: الأولى بعنوان “العصافير البيضاء لا تموت”، في القاهرة عين شمس للنشر والتوزيع، والثاني “عروس الحبر” عن نفس الدار والثالث تحت عنوان “غضب السنابل” عن الألمعية للنشر والتوزيع بالجزائر.
ولها رواية مترجمة عن اللغة الألمانية صدرت مؤخرا في الجزائر بعنوان “مراقص النجوم” عن الكاتبة النمساوية دورثيا نيرنبيرغ.
لها مخطوطات عديدة في علم النفس والشعر والرواية والقصة القصيرة قيد التنقيح ثم النشر.
حوار شاعري جمعني بشخصية تحترف الإعلام والترجمة والشعر وتعشق الأدب، وتعمل في أروقة العمل الصحفي بالنمسا بحثاً ودراسةً وتخصصاً، لتشق طريقها في عالم واسع متنوع بثقة وقدرة واحتراف ..
من يعرف السيدة سعيود سعاد، يعرف طبيعة الجمع بين دور المرأة في الأسرة والمجتمع، ويقف على شخصية مثقفة متوازنة وواقعية وواعدة، تحمّل كل التخصصات بأخلاقها العالية، وتتوج مسارات العطاء بالبصمة الواضحة والبسمة الهادئة، ولذلك، فقد كنت سعيدة جداً بالحوار الذي أجريته معها، والذي دار حول المحاور الآتية :
– ما هي الصفات التي تميز سعاد سعيود عن غيرها؟
ما من إنسان إلا ويتميز عن غيره بشيء ما وبصمات يديه الدليل القاطع، أما ما يميزني عن غيري وكيف أراه، فالإجابة عنه صعبة وقد يجيبك عن هذا السؤال غيري.
– ما الذي أضافته الحياة لابنة الجزائر الجميلة وما الذي أخذته منها؟
أولا شكرا لك، ثانيا وصف الجميلة يليق بشهيدات الجزائر، هن الجميلات على الإطلاق،
أما ثالثا فالحياة حظ كبير لمن عرف استثماره لكن وأنت تربطينها بالغربة فالأمر أكثر تعقيدا، خاصة في دولة كالنمسا لا تقربها الفوضى ولا تترصد بها. مع لغة أخرى هي الألمانية التي كان عليّ أن أتعلمها لأتأقلم مع واقع جديد اخترته على مضض فقد كان أول سؤال لزوجي حين عرفته: هل في نيتك العودة إلى الجزائر؟
– حدثينا عن بداياتك في فيينا؟
بداياتي كانت صدفة جميلة صنعها الشعر فلم أدخل تلفزيون الجديدة إلا شاعرة في لقاء صحفي فجاء طلب من مديرها أن أعمل معهم في التلفزيون وفي غياب التجربة الإعلامية أمام الكاميرا رفضت بادئ الأمر ثم خرجت منها مقدمة أخبار بعد تدريب مكثف زدت عليه تدريبا آخر في الإذاعة النمساوية وورشات عمل ودراسة مكثفة أيضا وخرجت بتجربة رائعة جدا أُسمع من خلالها صوتي وصوت غيري للآخر المختلف.
– بدأت نظم الشعر في سن مبكرة، هل هو مشروع بداخلك؟
بدأت الشعر تحت سطوة دمعة أبي وأنا أراه يودع الرئيس الراحل هواري بومدين الذي قدم للجزائر الكثير رغم بعض أخطائه البشرية الواردة والتي لا يجرم على إثرها إنسان. لم يكن ما كتبت شعرا حسب شهادة أستاذي يومها في المرحلة المتوسطة من التعليم الأستاذ محمد بوذيبة رحمه الله والذي لا أنسى فضله إذ حولني إلى الإسعافات الأدبية ” كتب الشعر العربي العتيقة”، هو ليس مشروعا تماما، هو الأكسجين إن اردت، سأختنق لو عنه أنا ابتعدت.وسأعيد هنا إجابتي عن السؤال الذي يتكرر في كل استجواب صحفي:
الشعر بالنسبة لي حلم جميل يخرجنا من الفوضى التي نعيشها ليرتب غرفة حياتنا وينظم الغرف الأخرى تنظيما يليق بالإنسانية.
– الوطن حاضر في معظم أشعارك، هل هذا راجع لغربتك؟
كان الوطن حاضرا ومازال وسيبقى. الوطن لا تحييه الغربة ولا تميته فهو متجذر عبر تربية يتلقاها الطفل في أسرة تعشقه وهذا ما نشأت. وترعرعت عليه. أمي وأبي اللذان لم يفترا مرددين ما فعله المستعمر في الجزائر وهي شهادة حية لا يمكن أن يشكك فيها إنسان.
الغربة تحيي فيك المقارنة وتجعل أمنياتك “تتعملق”وتغزوك دون أن تجدي منها مخرجا. تزرع الرجاء في أن يصبح الوطن الأم على هذا الحال، خاصة إذا كان المكان بحجم فيينا ورقييها جمالا وسلوكا وهي تقتلع جائزة أحسن عاصمة في العالم للمرة التاسعة دون أن تستطيع مدينة أن تنافسها على مر هذه السنوات.
فأردد في نفسي إنّ الجزائر لاتقل جمالاعن النمسا، إنها قارة على ذلك فلم لا؟ وتكبر فيّ كلمة ” لماذاّ” وقد تلد هذه الكلمة القصائد.
– ما سر قلة الاهتمام بالكتاب والشعراء في حقل الإعلام في بلدنا؟
سؤالك يحمل الجواب.
– ما هي سبل الارتقاء بثقافتنا، وكيف للمرأة أن توفق بين عملها وأطفالها؟
جميل أن ربطت الأمومة في سؤالك حول الثقافة، ولا ننسى الأبوة أيضا، لأنهما معا عماد الأوطان.
الارتقاء يأتي من الأسرة وأذكر هذا جيدا في رمي القمامة كمثال بسيط، فقد كان أبي يأخذني في جولاته وكان يشتري لي الحلوى كما يفعل الآباء ويطلب مني أكلها في شارع يخلو من المزابل. ورميت فيما أذكر أول ورقة تغليف حلوى في الشارع وعمري لا يتجاوز الثلاث سنوات فنهرني أبي أن المكان ليس لرمي الورق، وأجبته أن لا مزبلة في الشارع فرد، جيبك يعوض المزبلة حتى تصلي إلى أقربها وكانت الأقرب في البيت.
هذا مثال بسيط، الثقافة عندي ليست كتابا أقرأ ولا لغات كثيرة أتقن ولا شهادات ولا قصائد ولا رسومات أو موسيقى. الثقافة عندي سلوك حضاري أولا يبدأ في البيت.
أما كيف وفقت بين عملي وأطفالي فأنا لم أخرج إلى العمل وأطفالي في حاجة إلي، بل مارست أمومتي عن آخرها وبدأت عملي حين دخلت ياسمين آخر العنقود إلى المدرسة وكنت أعمل لنصف يوم فقط حتى كبرت وصارت تعتمد على نفسها. لهذا فلا تزورني من الضمير وخزة في هذا المجال لأن التوفيق بين العمل وتربية الأطفال ضرب من المحال إلا إذا كان على حساب الأعصاب أو بنصف طاقة.
– في حياة كل منا لحظات لا تنسى، فما هي أهم اللحظات في حياة سعاد سعيود والتي لا تنساها؟
كاميرا الحياة عجيبة غريبة، هي إما أن ترينا لحظاتنا أو أن تعمينا عنها. وكانت كاميرا حياتي مليئة باللحظات التي لا تنسى ولا يسعني المجال لذكرها هنا، ستلومني لحظة إن أنا أهملتها. فحمدا لله على نعم الحزن والسعادة معا.
– ما هي أهم المؤثرات في تكوين اتجاهاتك الأدبية؟
الكتب، لا شيء غير الكتب. فحين يكون الكتاب صديقك سيفتح لك أبواب الهوايات كلها.
– كل ما كان الإنتاج الأدبي أبعد كان الضوء أقل تسليطاً عليه بينما الأدب الشرقي أو حتى الدول المجاورة نجد بأننا نجهل ما تبدع، لماذا تملكتنا تلك الحالة الغريبة؟
على العكس تماما، تصلنا في الجزائر تحديدا كتب أبعد من تلك التي تطبع فيها وهذا الأمر الأغرب صراحة ولا أريد اتهام جهة أو أخرى لأني سأدخل معك في نقد قد يجرني إلى متاهة أنا في غنى عن دخولها.
النية الحسنة وحدها لا تكفي، يجب علينا أن نسعى من أجل أن نسمع بعضنا ويسمعنا الآخر البعيد كما نفعل معه والأمر في أيدينا إن أردنا وإن كان صعبا.
– ما هي أحب الكتب “من كتاباتك” لقلبك؟ لمن تقرئين؟ ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لك؟ وهل لك طقوس معينه في الكتابة؟
هي كلها كتبي، كأن تسألينني من أحب أبنائك إلى قلبك. لا يمكنني أن أختار وإن كنت غير راضية عنها كلها لأنها تحتاج حتى اللحظة إلى تنقيح وإعادة نظر.
أما الكتابة فهي العلاج النفسي الأنجح على الإطلاق فهنيئا للذي كتب. ولا طقوس لدي، الليل وحده صديقي حين أكتب، حيث الهدوء والخلوة. لا أقل ولا أكثر.
– كيف ترين العلاقة بين مجال عملك وبين أعمالك الأدبية؟ وهل لتخصصك في علم النفس انعكاس على كتاباتك؟
بالنسبة لكتاباتي لدي مخطوطات علمية في مجال علم النفس سأنشرها قريبا لأنها تحتاج إلى تدقيق أكبر وإلى موافقة من بعض الجهات الرسمية هنا في النمسا لأني رفقتها ببعض الصور والإحصائيات.
الأدب مرآة ولا يمكن فصله عن عمل ما، فتجدين التاريخ والشعر والطب والجغرافيا والسياسة في رواية واحدة. و لن تدهشنا رواية لروائي غير مطلع مهما وصل حجم سرده وجماله. العلاقة حميمية جدا حد الانصهار.
– أحلامك على المستوى الشخصي؟ وعلى المستوى الأدبي؟
كثيرة وعميقة هي أحلامي بدءا بأطفالي حتى آخر طفل في العالم.
أما على المستوى الأدبي فحلمي أن يصل الكتاب المطبوع في الجزائر إلى عمقها، إلى كل بقعة فيها وأن نقرأ في الأماكن العمومية بدل التسكع.
سيصير منظرنا أجمل وعقولنا أنظف وسينعكس ذلك على أعمالنا لتعم نظافة الداخل والخارج في مجتمع على حافة الضياع.
– كإعلامية مقيمة في المهجر منذ 26 سنة، كيف تقرئين واقع الجزائر اليوم؟
تنكئين الجرح مع سبق الإصرار والترصد سيدتي، وتحاولين زجّي في معتقل الاتهامات والانتقادات والألم، تدفعينني للوم نفسي أكثر من لوم غيري عن حال لا يغيره إلا حبنا لبعضنا. ماذا بوسعي أقول لك من وراء البحر، وأنا المقصرة اتجاهه وليس بيدي التغيير بعد أن اتخذ القدر معي قراره في أن أعيش في النمسا.
تركت الجزائر وردة بدأ الذبول يلتهمها في مزهرية لم تكن بمقاسها وزادها شح الريّ ذبولا.
أما واقعها فمنذ أكثر من جيل وأنا أردد الطفل الطفل! على المدى البعيد سيكون العماد. وما بين السطور ستقرئين واقع الجزائر.
في ختام هذا الحوار ، أتوجه بجزيل الشكر والتقدير للسيدة سعاد سعيود ككاتبة وشاعرة ذات رؤية، وإنسانة طموحة أكملت مشوارها في تكوين ذاتها وأبنائها بكل إصرار وهمة، حتى صنعت لنفسها مكاناً مرموقا في الغربة فهذا يعتبر إنجازا كبيرا وأنا أحييها وأهنئها على شجاعتها وقوتها وشكرا جزيلا على صراحتها.
حاورتها:أحلام بن علال