تسعى الجزائر منذ فترة إلى إيجاد نقاط للولوج إلى السوق الإفريقية، وهو التوجه الذي ينتظر منه تحريك العجلة الاقتصادية للبلاد ويعد بمنح آفاق جديدة، غير أن سعي الجزائر قد تصادفه عراقيل داخلية متعلقة بتخلف المنظومات المعتمدة والمسيرة لمختلف القطاعات والمؤسسات التي تعد الركيزة في تحقيق هذا التوجه الجديد، كالمنظومة البنكية والمؤسساتية والنقل والخدمات اللوجستيكية، وعراقيل خارجية على رأسها المنافسة مع دول كالصين وروسيا وتركيا، التي تبحث بشتى الوسائل عن السيطرة على هذه السوق، ما يجعل الجزائر مطالبة وبأسرع وقت بإعادة هيكلة كل المنظومة ذات الصلة، واستغلال ميدان الدبلوماسية لضمان مكانتها في هذه السوق المهمة.
باشرت الجزائر منذ فترة ليست بالبعيدة في إعادة النظر في علاقاتها الاقتصادية والتجارية خاصة مع الدول الإفريقية والهدف هو توسيع المد التجاري الجزائري والتوغل نحو إفريقيا للتعريف بالمنتوج المحلي وتصديره ومن ثمة خلق مكانه له في هذه السوق، التي تعد سوقا واعدة، فهذه الأخيرة أصبحت محط تنافس عديد الدول من القارة ومن خارجها وفي مقدمتهم الصين التي بدأت منذ زمن بعيد في رسم خارطة طريق توجته بـ”طريق الحرير” الذي يشهد انضماما متزايدا لمختلف الدول عبر العالم، وذلك لتسهيل تسويق بضائعها في كل من آسيا، أوروبا وإفريقيا، غير أنها تولي أهمية كبيرة للسوق الإفريقية باعتبارها “سوقا خصبة”، غير أن الصين لا تعد المنافس القوي الوحيد للجزائر في السوق الإفريقية، فهناك روسيا وتركيا اللتين تسعيان لربط علاقات تجارية أعمق مع الدول الإفريقية والهدف دائما تسويق منتجاتها واكتساح السوق.
وأمام هذا التهافت الدولي الكبير على السوق الإفريقية تجد الجزائر نفسها أمام منافسين أقوياء، وإثبات الذات هنا يتطلب منها تعزيز القدرات وعصرنة الأنظمة والقطاعات، وفي هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي فريد بن يحيى في تصريح لـ”الجزائر” إن “حجم التبادل التجاري بين الجزائر و دول إفريقيا – لا يقصد بها مبادلاتها مع الدول المغاربية أو مصر- ضعيفة جدا لا تتعدى 1 بالمائة، والجزائر الآن تريد دخول السوق الإفريقية ووقعت على اتفاقية الانضمام إلى منطقة التبادل الحر الإفريقية، وهي فرصة أمامها، غير أن ولوج هذه السوق يتطلب تخطيط وتطوير لعدة مجالات تفتح الآفاق الواسعة أمام المنتجات الجزائرية”، واعتبر الخبير أنه وبغض النظر عن ما قد تشكله المنافسة من غير الدول الإفريقية على هذه السوق كالصين أو روسيا أو تركيا، على الجزائر أن “تركز أولا في تحديث وعصرنة كل ما له علاقة بتطوير التجارة البينية”، واعتبر بن يحيى إن البداية تكون بـ”إعادة هيكلة المؤسسات سواء المنتجة أو المصرفية بما يسمح للجزائر بأن تكون على قدر من المنافسة مع غيرها من الدول الإفريقية أو غير الإفريقية”، وأضاف الخبير الإقتصادي أنه “يجب عصرنة المنظومة المصرفية وخلق فروع للبنوك في مختلف الدول لتسهيل المعاملات المالية والتجارية، وكذا إعادة هيكلة المؤسسات والعمل على التحكم في السعر حتى يكون سعرا تنافسيا”.
إعادة هيكلة المؤسسات لتمكينها من إنتاج بضائع قادرة على المنافسة
في السياق ذاته، اعتبر الخبير الاقتصادي فريد بن يحيى، أن أكبر خطا ارتكب في الجزائر هو “إنشاء شركات تعمل من أجل تسويق منتجاتها داخليا فقط، ما جعل منتوجها لا يسوق خارجيا لأنه لا يملك المواصفات التي تجعله منتوجا تنافسيا”، وأكد بن يحيى أن هذا الخطأ “يجب أن يصحح وفي أقرب الآجال إذا كان المسؤولون في البلاد يريدون بالفعل تحقيق قفزة الولوج للسوق الإفريقية”، حيث يرى المتحدث ذاته، أن المنتوج الجزائري “لا يقوى حتى على منافسة المنتوج التونسي أو المغربي، منتوجاتهما التي تسوق في مختلف الدول المنظمة لمنظمة التجارة العالمية”، وتأسف الخبير الاقتصادي إلى تعثر المفاوضات بين الجزائر وهذه الهيئة العالمية، ويرى أن هناك أطرافا من الخارج وعلى رأسها مستعمر الأمس، يسعى دائما إلى أن تبقى الجزائر سوقا مستهلكة وغير منتجة”.
النقل والخدمات اللوجستية من أهم عوامل النجاح
قال فريد بن يحى أنه “ولتتمكن الجزائر من فرض نفوذ على السوق الإفريقية لا بد عليها أن تملك أولا شركات شحن ونقل قوية سواء نقل جوي أو بري”، وأضاف الخبير ذاته، أن البلاد “مطالبة بتطوير هذا المجال والاستثمار فيه”، مشددا على أهمية هذه السوق، فتعداد السكان يقارب مليار نسمة، وهي فرصة أمام الجزائر يجب أن تستغلها، ولا بد أن تكون لها آليات لتطوير هذه التجارة، وخصوصا أننا نمتلك الإمكانيات لذلك، وأشار إلى أن الجزائر في السابق “كانت تسوق لدول إفريقيا الشاحنات والجرارات ومختلف المواد الكيمائية وغيرها لكنها تراجعت، واليوم لا بد أن يتم تصحيح هذا الوضع، وأن تطور الجزائر من منتجاتها وأن تتجه للتصدير خارج المحروقات”، وقال أن الجزائر حتى تكون رائدة “لا بد أن تبلغ حجم صادراتها من خارج المحروقات من 150 إلى 200 مليار دولار”.
جودة المنتوج العامل الأساسي لحجز مكانة وسط أكبر المتنافسين
وبخصوص المنافسة التي قد تفرضها كل من الصين وتركيا وروسيا والتي قد تقلص حظوظ الجزائر في السوق الإفريقية، قال الخبير الاقتصادي، بن يحيى أن “سوقا بحجم إفريقيا التي يقارب تعداد سكانها المليار نسمة، بإمكانها استيعاب عديد المنافسين، ففي الجزائر قد نجد أكثر من سبعة علامات مثلا للأجهزة الإلكترومنزلية”، غير أن الجودة والسعر التنافسي هو “العلامة الفارقة بينهم، فالجزائر يجب أن تتطلع إلى تحسين المنتجات وتضبط الأسعار وتسهل اللقاءات بين رجال الأعمال وأن تعمل بدبلوماسييها وملحقاتها التابعة لسفارتها بالدول الإفريقية إلى دراسة دقيقة ومستفيضة لمتطلبات كل بلد إفريقي لمعركة حاجة السوق بكل دولة والتركيز على إنتاج المنتجات المطلوبة”، إضافة إلى عامل آخر مهم حسب الخبير الاقتصادي “أن يكون سعر الصرف متقارب بين سعره في السوق الرسمية والسوق الموازية”.
رزيقة.خ