فرقة بشطارزي خلقت الاستثناء وسجلت اسمها في التاريخ
لطالما كانت الجزائر ولادة، وأنجبت أعمدة، في مختلف المجالات الحياتية، بما فيها القطاع الفني، ويعد المسرح كغيره من الفنون، واحدا من المجالات الفنية التي كان له أعمدة، ساهمت في الرقي به، إذ تشهد الذاكرة التاريخية للمسرح الوطني، عددا معتبرا من الأسماء المسرحية التي اختارت المسرح وسيلة للتعبير، والدفاع وتمرير رسائل هادفة على غرار بشطارزي، علالو، علال المحب وغيرهم.
ويجمع اغلب المختصين بالمسرح الوطني الجزائري ممن التقت بهم “الجزائر”، بأن أب الفنون اليوم ليس على مايرام، وأن الجيل الحالي، لم يستطع أن يحافظ على الإرث المسرحي الذي تركه قامات المسرح الجزائري، وأنهم مطالبين بحفظ ماء الوجه على الأقل لصون ذكراي، الذين اجتهدوا وناضلوا والذين اغتيلوا من أجل مسرح وطني شامخ.
“الجزائر” تستذكر أهم رجالات المسرح الوطني الجزائري، الذين أسسوا ركائزه، وصنعوا مجده، على الصعيد الوطني، الإقليمي وحتى الدولي، في اليوم العالي للمسرح المصادف لــ 27 مارس من كل سنة.
هكذا كانت بصمة محي الدين بشطارزي في المسرح:
شارك محي الدين بشطارزي مع طلبة المدارس الإسلامية في تمثيل عدة مسرحيات، ومثل رفقة علالو في اسكتشات قصيرة هزلية. وبعد الزيارات التي قامت بها بعض الفرق العربية (فرقة جورج أبيض ونجيب الريحاني.. ).
شكل محي الدين بشطارزي مع مجموعة من الهواة فرقة “المطربية” التي كانت تقدم أعمالا مسرحية ممزوجة بالغناء والرقص، كما أنشأ في 1947 فرقة المسرح العربي بدار الأوبرا، وبعد الاستقلال عين مديرا للمعهد البلدي للموسيقى. ويعد أحد الأقطاب المؤسسين للحركة المسرحية الجزائرية، فلم يقف عند حد التأليف المسرحي والتمثيل والإخراج والغناء، بل وضع أسس المؤسسة المسرحية الجزائرية. فقد أنشأ فرقا مسرحية عديدة، وكون جيلا مسرحيا وترك محي الدين تراثا مسرحيا ضخما، وكتبا سجلت تاريخ الحركة المسرحية الجزائرية.
مصطفى كاتب: البداية مع فرقة بشطارزي وفرقة ألف باء:
بدأ مصطفى كاتب حياته الفنية في 1939 بفرقة محي الدين بشطارزي، وفي نفس الفترة أنشأ رفقة علال المحب فرقة مسرحية أطلق عليها ألف-باء.
شارك في تمثيل عدد من الأدوار، وفي 1947انضم إلى فرقة المسرح العربي التي كانت تنشط بدار الأوبرا، وشغل عدة مناصب، إدارية وفنية، وأنجز مجموعة من الأعمال المسرحية. وفي1951 شكل فرقة المسرح الجزائري، وأحرزت هذه الفرقة على مجموعة من الجوائز في الكثير من المهرجانات الدولية. في 1958 عين رئيسا للفرقة الفنية التي أنشأتها جبهة التحرير الوطني في تونس، حيث لعبت هذه الفرقة دورا رائدا في مجال التعريف بالقضية الجزائرية للرأي العام العربي والدولي. بعد الاستقلال عين مديرا للمسرح الوطني الجزائري، وأنشأ مدرسة للفنون الدرامية والرقص الشعبي. وفي 1973 عين مستشارا ثقافيا بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وساهم في بعث الحركة الثقافية والمسرحية في الأوساط الجامعية….
أهم الأعمال المسرحية التي أخرجها مصطفى كاتب: (ولد اليل، الكاهنة، الأكاذيب، عدو الشعب، دون جوات، عنتر بن شداد، عثمان في الصين، المجرم، توباز، السحور …. ).
رشيد القسنطيني: فنان هزلي بامتياز
ولد رشيد القسنطيني بمدينة الجزائر، التحق بفرقة محي الدين بشطارزي كممثل، ثم بدأ يكتب المسرحيات والأغاني، عالج فيها الآفات الاجتماعية والمظاهر السلبية ونالت أعماله شهرة واسعة.
وقد أعطى رشيد القسنطيني للمسرح الجزائري طابعه المتميز على مستوى الموضوعات والشخصيات والحوار واللغة. ولعب دورا هاما في نشر الحركة المسرحية بفضل الشهرة التي كان يتمتع بها كممثل هزلي. إذ كانت العروض التي كان يشارك فيها رشيد القسنطيني تحظى بإقبال كبير للجمهور.
وقد ترك رشيد القسنطيني مجموعة من المسرحيات والأغاني الشعبية أهمها: (الأحد الوافي، زواج بوبرما، زغيربان، باباقدور الطامة، لونجا الأندلسية، شد روحك، ثقبة في الأرض، عائشة وبندو) بالإضافة إلى عشرات القصائد.
هكذا دخل ابن محمد التوري المسرح:
محمد التوري فنان وكاتب مسرحي انضم في 1930 إلى فرقة “الأمل” التابعة للكشافة الإسلامية، ثم انخرط في جمعية الموسيقى والتمثيل التي كان يرأسها محمد الأكحل. شكل فرقة تمثيلية بمدينة البليدة مسقط رأسه وقدم مجموعة من الأعمال المسرحية. وفي 1942 انتقل محمد التوري إلى مدينة الجزائـر وانضم إلى فرقة التمثيل بالإذاعة تحت قيادة محي الدين بشطارزي.
اشتهر محمد التوري كممثل هزلي حيث تقمص العديد من الأدوار المسرحية والسينمائية وإلى جانب نشاطه المسرحي، ساهم في الكفاح الوطني ضد الاستعمار، حيث سجن وعذب.
ترك محمد التوري مجموعة من المسرحيات: (مصائب الفقر، قاتل أخيه، سجين القصر، الكيلو،بوحدبة، سلاك الواحلين.)
كاتب ياسين: حكاية مسرحي مهموم بقضايا الوطن:
بدأ كاتب ياسين حياته الفنية كأديب وشاعر وصحفي وكاتب مسرحي. ويعد كاتب ياسين أحد الكتاب الذين كتبوا باللغة الفرنسية وأبدعوا بهذه اللغة أدبا راقيا، خاصة بأعماله الروائية والمسرحية منها: (نجمة، الجثة المطوقة، الأجداد يزدادون ضراوة، مسحوق الذكاء، الرجل صاحب نعل المطاط، محمد خذ حقيبتك، حرب الألفي سنة، ملك الغرب، فلسطين المخدوعة) بعد الاستقلال دخل كاتب ياسين في تجربة جديدة في ميدان المسرح، فشكل فرقة وقدم مجموعة من الأعمال المسرحية باللغة العامية.
وكانت أعمال كاتب ياسين، تدور في معظمها حول الثورة ولم يكتف بمعالجة القضايا الوطنية، بل عالج في مسرحياته موضوعات تجري أحداثها خارج الجزائر، فكتب عن الثورة الفيتنامية وعن الثورة الفلسطينية.
رويشد: رجل الكوميديا الهادفة
ممثل هزلي وكاتب ومخرج مسرحي. التحق بفرقة محي الدين بشطارزي كممثل في بداية الأربعينات، وشارك في العديد من الأعمال المسرحية. وكتب مجموعة من المسرحيات أهمها (حسان الثوري، الغولة، البوابون، آه ياحسان)، كما كتب للسينما والتلفزيون. ينتمي رويشد إلى المدرسة التي قادها الرواد الأوائل أمثال محي الدين بشطارزي ورشيد القسنطيني، وعلالو، ويعتبر من كتاب الكوميديا الاجتماعية كأسلوب يعتمد عليه في عرض أفكاره ومواقفه.
لهذا السبب اعتمد عبدالرحمن كاكي على التراث الثقافي الشعبي في المسرحيات
ولد عبد الرحمن كاكي نشاطه في أوساط الكشافة الإسلامية، ثم شكل فرقة مسرحية تجريبية ” فرقة القراقوز” بحثا عن أسلوب مسرحي متميز عما كانت تقدمه الفرق الفرنسية، فوظف التراث الثقافي الشعبي، وقدم أعمالا مسرحية عديدة استقى موضوعاتها من الواقع الاجتماعي موظفا بذلك القصص الشعبية. ويعد كاكي أحد الفنانين المسرحيين الذين وفقوا في توظيف تقنيات المسرح الأوروبي لخدمة شكل تعبيري أفرزته التقاليد الشعبية ، محققا بذلك معادلة هامة تتمثل في مزج التراث الثقافي الشعبي بوسائل اتصال حديثة. وقد ترك كاكي مجموعة من الأعمال المسرحية: (قبل المسرح،132 سنة، شعب الليل، الشيوخ، إفريقيا قبل سنة، ديوان القراقوز،القراب والصالحين، كل واحد وحكمه، ديوان الملاح، بني كلبون)…
عبدالقادر علولة يبدع بأسلوب “الحلقة” في كتابة وإخراج أغلب أعماله
أبدى عبدالقادر علولة رغبته وحبه لفن المسرح منذ صغره، فالتحق بالفرق المسرحية الهاوية التي كانت تنشط بمدينة وهران. وشارك في العديد من الأعمال المسرحية. وبعد الاستقلال انضم إلى المسرح الوطني الجزائري حيث مثل عدة أدوار وأخرج مجموعة من المسرحيات. ثم عين مديرا للمسرح الجهوي بوهران في 1972، ومديرا للمسرح الوطني الجزائري في 1976. يعتبر عبدالقادر علولة واحد من المسرحيين الجزائريين القلائلالذين طبعوا الحركة المسرحية الجزائرية بعد الاستقلال بفضل حضوره المستمر والمتواصل في الساحة المسرحية كمؤلف ومخرج وممثل ومنشط، وهو من بين المخرجين الذين يمتلكون ثقافة مسرحية عالية مكنته من توظيفها في أعمال مسرحية ناجحة. وقدم عبد القادر علولة تجربة رائدة في مجال البحث عن أشكال تعبيرية أساسها التراث الشعبي، وتبني أسلوب الحلقة في كتابه وإخراج أغلب مسرحياته التي لاقت نجاحا كبيرا. من أعماله المسرحية نذكر: ( الخبزة، حمق سليم،حمام ربي، الأقوال، اللثام، الأجواد) كما أخرج العديد من المسرحيات العربية والعالمية.