لطالما كان الوضع الثقافي في الجزائر موضوع نقاش طويل وعسير، فمنذ عهد وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، ورغم البحبوحة الكبيرة التي كانت تعيشها الثقافة آنذاك، لم يتسنى يومها للمسؤولين على القطاع من تأسيس فعل ثقافي حقيقي، يرتكز على قواعد أساسية، يستمر ويعمر على مدار السنوات، وهو ما أوصل قطاع الثقافة اليوم وفي عهد الوزير الحالي عز الدين ميهوبي، إلى طريق مسدود –حسب المتابعين للشأن الثقافي-، وأضحت مختلف التظاهرات الثقافية مرتبطة بالوزارة الوصية، تنتظر ضخ أموال لتجسد على أرض الواقع، خاصة في ظل غياب ثقافة التمويل من أصحاب المؤسسات الخاصة.
وقد برزت في عهد خليدة تومي مجموعة العمل حول السياسة الثقافية، التي تأسست من قبل مجموعة من الشباب الحاملين لأفكار وتصورات مشرقة لتسيير احسن للقطاع الثقافي وحتى الفني في الجزائر، بعيدا عن البيروقراطية، الشوفينية، وحتى البراغماتية المقيتة، حيث أزعجت تحركات وخطوات أعضاء المجموعة آنذاك الوزيرة السابقة، ووصل الأمر إلى اتهامهم بالتشويش.
ذات المجموعة والتي مازالت موجودة إلى يومنا هذا و-حسب أعضائها المؤسسين-، وجدت لخلق بديل عن الثقافة الرسمية التي تهيمن على الفعل الثقافي في الجزائر منذ الاستقلال، حيث تبنى أعضاؤها حمل الفعل الثقافي على أكتافهم، من أجل مشهد ثقافي فعال.
“الجزائر” تفتح ملف مجموعة العمل حول السياسة الثقافية التي تأسست أواخر عام 2012، وتحدثت مع أعضائها المؤسسين، وهم أيضا أعضاء في منظمات إقليمية ودولية، وفازوا في العديد من المسابقات، وافتكوا ايضا منحا دولية تعنى بالمشاريع الثقافية الواعدة، هؤلاء سردوا لنا ظروف تأسيس المجموعة، واقعها، وحتى آفاقها…
الاستاذ عمار كساب:
” مجموعة العمل حول السياسة الثقافية جاءت لخلق بديل للثقافة الرسمية”
الخبير في السياسات الثقافية الاستاذ عمار كساب وأحد الأعضاء المؤسسين وفي حديثه عن مجموعة العمل حول السياسة الثقافية، قال بأنها نشأت سنة 2012، بعد اجتماع عقد من طرف مجموعة من الفنانين والأدباء و الفاعلين الثقافيين بمقر جمعية “الجاحظية” بالجزائر العاصمة. وكانت الفكرة هي خلق بديل للثقافة الرسمية التي تهيمن على الفعل الثقافي في الجزائر منذ الاستقلال.
أما التطرق للسياسة الثقافية كأولية، جاء لإدراك أعضاء المجموعة أن التغيير يأتي بمعالجة أصل المشكل، لأن السياسة الثقافية وحدها هي القادرة أن تضمن للفنان و المثقف و الفاعل الثقافي فضاء يعمل فيه دون رقابة خارجية أو رقابة ذاتية و ضغوطات مادية كانت أو معنوية، لذلك قامت المجموعة بطرح مشروع سياسة ثقافية سنة 2013 و يعد أول مشروع في الجزائر المستقلة يطرحه مجموعة من الفاعلين الثقافيين بمختلف توجهاتهم الإيديولوجية و الفكرية.
توجهت المجموعة بعدها إلى الميدان حيث قامت بتدريب حوالي 200 فاعلة و فاعل ثقافي في وهران، غرداية، الجزائر العاصمة، بجاية، تمنراست ووادي سوف و مدن أخرى استقبلتنا بكل حفاوة. هؤلاء الشباب هم الْيَوْمَ من يحمل مشعل الفعل الثقافي المستقل اللامركزي.
وانضم إلى المجموعة اليوم حوالي 100 عضو نشط في مختلف مناطق الوطن. وتحرص المجموعة أن تكون مهنية لتقديم فعاليات و بحوث و مشاريع رفيعة المستوى، في ظل تدني مستوى الفعل الثقافي الرسمي الذي لم يعد قادرًا على تلبية طلبات المواطن الذي يتعطش لفعل ثقافي يتكلم لغته و يعبر عن حالته الحقيقية.
بعد ست سنوات من العمل، المجموعة حاليا في طور التجديد، وأنا شخصيا كعضو مؤسس للمجموعة تركت تنسيق عمل المجموعة لشباب معدل عمره 25 سنة، وأنا متيقن أنهم أنشط مني، وأكثر دراية عني، بما يجب فعله للنهوض بالثقافة في الجزائر. أما عن الفعاليات القادمة فسيتم إطلاق مبادرة جديدة تكمن في تمويل مصاريف التنقل والإقامة لفنانين جزائريين يريدون التنقل داخل الوطن في إطار عملهم الفني، و ذلك لخلق ديناميكية تبادل ثقافي بين الولايات، وذلك يكون بعيدا عن الفلكلور طبعا. كما سيتم كذلك دعم بعض الإقامة الفنية بالعاصمة لفنانين و كتاب من المناطق الداخلية المعزولة.
الاستاذة حبيبة العلوي:
“اسم المجموعة كرس كقوّة اقتراح، تكوين وضغط خلال فترة 2014 و 2017″
الكاتبة والمبدعة حبيبة العلوي وهي عضو مؤسس في مجموعة العمل حول السياسة الثقافية، قالت: عرفت “مجموعة العمل حول السياسة الثقافيّة بالجزائر” منذ تأسيسها ثلاث مراحل رئيسة؛ مرحلة أولى اشتغلت فيها كمجموعة ضغط مستقلّة تجمع طاقات جزائريّة متنوّعة الخبرات والتوجّهات لخدمة هدف واحد وهو إحداث تغيير جوهري في الطريقة التي يسيّر بها المشهد الثقافي في الجزائر، وقد تمظهر هذا الطموح في طرح فكرة ضرورة كتابة سياسة ثقافيّة جزائريّة جديدة مستقاة بشكل أساس من مقترحات المجتمع المدني.
ولقد تميّز خطاب المجموعة من 2012 إلى 2014 بجرأة كبيرة في نقد أداء وزارة الثقافة التي كرّست منذ 2002 سياسة الاحتفاء بالفعاليات الكبرى والمهرجانات التي أثبتت أغلبها قصورًا في استقطاب المواطن العادي، ومن هنا استقت المجموعة مشروعيّة خطابها الذي استند إلى معاينة الواقع والتواصل المباشر مع الفاعلين من خلال ندوات مفتوحة نظمت بالتعاون مع جمعيّات وطنّية على غرار الجاحظيّة والقارئ الصغير…
ويمكنني أن أقول أنّ هذه الفترة كانت من أكثر الفترات ثراء واستعصاء للمجموعة لأنّها شهدت إطلاق الوثيقة النهائيّة لمقترح السياسة الثقافيّة الذي أنجزته المجموعة سنة 2013 ، وهي السنة نفسها التي مورست فيها ضغوطات كبيرة على أعضاء المجموعة وصلت حدّ التخوين والتشهير والاتهام بالعمالة، لكن صمود فاعلي المجموعة أمام تحديّات تلك الفترة الحرجة سمح باستمراريّة المجموعة في نهجها المصّر على استقلاليّة الطرح، وهو النهج الذي سيكسبها مزيدا من المشروعية والصيت، سيثير اهتمام السلطات ليجعلها تنتبه لضرورة التدّخل الاستعجال الأمر الذي ترجم في تغيير في أعلى هرم وزارة الثقافة لمرّتين على التوالي سنة 2014 مع نادية لعبيدي وسنة 2015 مع عز الدين ميهوبي، انطلاقا من سنة 2014 تبنّت المجموعة إستراتيجية عمل مغايرة نسبيّا تميّزت بالعمل الميداني الداعم لبنية الثقافة المستقلة في الجزائر من خلال إطلاق سلسلة من الورشات في الإدارة الثقافيّة لصالح الفاعلين الشباب في مختلف الجهات، ولقد سمحت هذه التحرّكات بتماس مباشر والفاعلين الحقيقيين على الأرض ورصد للحاجات الملّحة لهم، وهي اللحظة التي فرضت على المجموعة واجب إطلاق مشروع يرصد مواطن الثراء والتصحّر الثقافي في الجزائر، ليتوّج ذلك بإطلاق الخريطة الثقافيّة للجزائر سنة 2017، وهي المنصة الرقميّة الأولى التي توضع بين يدي أي مهتم بالثقافة الجزائريّة بيانات أهم المؤسسات الثقافية سواء الرسمية أو المستقلّة بالجزائر.
يمكنني أن أقول أنّ الفترة الممتدة من سنة 2014 إلى سنة 2017، كرّست لاسم المجموعة كقوّة اقتراح وتكوين وضغط أيضا، تعدّى صيتها الحدود الجزائرية لدرجة صار يحرص على الاستفادة من تجربتها من حيث المحافظة على الاستقلالية مع مرونة الأداء.
الآن وهي تقترب من سنتها السابعة تدشّن المجموعة مرحلة جديدة، تحرص فيها على مراجعة وتقييم أدائها، وكذلك درس ممكناتها وآفاقها، شخصيّا أرى أنّ أهم ما قدّمته المجموعة يتمثل في اكتشافها لكفاءات شبابيّة يمكن أن يعوّل عليها في بناء قطاع ثقافي مستقل قويّ في الجزائر، يعمل على نقل القطاع الثقافي عموما من موقع المنهك للخزينة العامّة إلى موقع الداعم لها.
الاستاذ عزيز حمدي:
” أول نشاط قمنا به تحرير مسودة مشروع سياسة ثقافية ونحن مجموعة تحمل أفكارا نيرة”
الاستاذ عزيز حمدي وهو أحد أعضاء المؤسسين في مجموعة العمل حول السياسة الثقافية، قال بأنها مجموعة وطنية ذات البعديين القاري و الإقليمي بحكم انشغالاتها الإفريقية و المنطقة العربية، مجموعة تضم ادباء، صحفيين، فنانين و كل المتورطين بصفة مباشرة أو غير ذلك في الفعل الثقافي.
تعمل المجموعة على عامل التموقع في محور المجتمع المدني و انشغالاتها الثقافية بحيث تلعب المجموعة همزة وصل بين اطراف عديدة سواء المؤسسات الحكومية، الخاصة، ومختلف أطياف المجتمع وتقريب فكرة الثقافة للمواطن، والتي قد تكون الحل في مختلف المجالات الاجتماعية الإنسانية وحتى الاقتصادية و لكن ذلك لن يكون بمعزل عن الإرادة السياسية.
عمل المجموعة يعالج الثقافة من جانبها البيداغوجي الأكاديمي خاصة إن صحت العبارة، بدليل أن أول نشاط قامت بها المجموعة هو تحرير مسودة مشروع سياسة ثقافية طرحته على موقع الكتروني gtpca.org، في شكل بحث خصص كل فصل لتعبير ثقافي او شق من شقوق الثقافة، المشروع كان المراد منه التكملة و التطوير إلا أن الوزيرة السابقة خليدة تومي كانت تطبق سياسة ستالينية على القطاع و الانبهار بكل ما هو عظيم، من خلال تظاهرات ضخمة لم تزيد قطرة في وعاء الثقافة، وخلف هذا و ذاك ظل المجتمع متعطش لثقافة تترجم أفكاره، واقعه وأحلامه و فئات محرومة من أدنى مكونات الثقافة بل يجهلون معناها ، اللامركزية و التنوع الثقافي و الثقافة للكل كانت شعارات دافعت عنها المجموعة كانت احد أصوات أو بالأحرى الصوت الوحيد الذي ناد بتطبيق اتفاقية اليونسكو 2005 و التي صادقت عليها الجزائر في 2015
من أعمال المجموعة، كما سبق و أن قلت مسودة مشروع سياسة ثقافية، المجموعة كونت أكثر من 130 شاب في مجال تسيير المشاريع الثقافية و تعتبر أول مبادرة من هذا النوع زارت الجنوب الجزائري، مشروع الخريطة الثقافية كان الأول من نوعه في الجزائر ناهيك عن مشاركة أعضاء المجموعة في مختلف المحافل الإقليمية و الدولية على ذكر هذه المشاركات المجموعة مثلت بعضو في مؤتمر اليونسكو بباريس.
أهداف المؤسسة ليست ثابتة تتغير حسب الوضعية الآنية للجزائر، هذا ما سمح للمجموعة بالاستقرار و الاستدامة، فهدف المجموعة لا يصب في تغيير هذه الكلمة التي أصبحت موضة الأوساط النشطة في كل المجالات التغيير من ماذا إلي ماذا ؟ الكلمة تتطلب الكثير من المسؤوليات و تمثل نوع من التباهي. لذلك أقول نحن مجموعة تفكيرية تحمل أفكار ترافق الفنانين و الفاعلين الثقافيين، وكما قلت سابقا نحاول ان نكون همزة وصل بين الأطراف المختلفة و تمكين المتورطين في هذا الفعل من أساليب و مبادرات حتى فرص متاحة لتحسين أوضاعهم و تطوير مشاريعهم، كما تصب رغبة المجموعة في التشبيك بين الفاعلين الثقافيين المحليين و حتى خارج حدود الوطن، لان هذه المسألة بالذات تعتبر حل من حلول النهضة الثقافية فكل المؤسسات المستقلة في المنطقة العربية تشتغل بشراكة مع مؤسسات أجنبية عن بلدانها.