تسارع الجزائر الخطى من أجل تعبيد الطريق نحو الأسواق الإفريقية، فبعد الانضمام رسميا إلى منطقة التبادل الحر الإفريقية في 2021، اتجهت نحو فتح معابر حدودية وخطوط بحرية جديدة نحو عدة وجهات إفريقية بغية تعزيز التبادل التجاري ورفع الصادرات نحو هذه البلدان، وتعمل حاليا على ربط علاقات اقتصادية أكثر متانة بين الشركات الجزائرية ورجال الأعمال والمستثمرين الجزائريين ونظرائهم الأفارقة مع منح الدولة تسهيلات وتحفيزات، غير أن خبراء أكدوا أنه رغم هذه الخطوات “الهامة” لا تزال هناك خطوات لا تقل أهمية عن سابقتها وجب التحضير لها.
وضعت الجزائر ومنذ بضع سنين خططا من أجل الوصول إلى السوق الإفريقية التي تعد سوقا واعدة، غير أنه خلال السنتين الأخيرتين كان هناك اهتمام أكبر بهذه السوق بالنظر لتغير السياسة الاقتصادية في الجزائر، حيث سارعت الحكومة بوضع خارطة طريق جديدة تركز على رفع صادرات البلاد خارج المحروقات معولة في ذلك على الأسواق الأفريقية.
وقد أقدمت الجزائر بالفعل على خطوات جد هامة في هذا الاتجاه من خلال الانضمام الرسمي لمنطقة التبادل الحر الإفريقية، وفتحها لمعابر حدودية مع كل عدد من الدول المجاورة، وكذا فتح خطوط نقل بحري مخصصة للتبادلات التجارية مع بعض هذه الدول، ناهيك عن التوجه نحو تعبيد طرقات بينها وبين الدول المجاورة لتسهيل حركة النقل التجاري وعمليات التصدير، وهي خطوات وصفها الخبراء بـ”الهامة” و”المشجعة” لكنهم يرون أنه يجب إرفاقها بإجراءات لا تقل أهمية عنها.
الخبير الاقتصادي، سليمان ناصر:
“في انتظار خطوات أخرى لا تقل أهمية في مسار ولوج السوق الإفريقية“
وفي هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي، سليمان ناصر إن “الخطوات التي اتخذتها الجزائر لدخول الأسواق الإفريقية الانضمام إلى منطقة التبادل الحر الإفريقية وفتح معابر حدودية وخطوط نقل بحرية مع عدد من الدول الإفريقية خطوات هامة ونثمنها رغم أنها جاءت متأخرة بالنظر لكون الجزائر تنتمي للبعد الإفريقي لكنها تأخرت في استغلال هذه النقطة لصالحها، في الوقت الذي جاءت فيه بلدان لا تنتمي إلى هذا البعد واستحوذت على أسواق العديد من الدول الإفريقية كالصين وتركيا وغيرها”.
ويرى الخبير الاقتصادي، ناصر في حديث مع “الجزائر” أنه وبعد هذه “الخطوات الهامة ” لا بد من إتباعها بـ”خطوات لا تقل أهمية منها”، ويتعلق الأمر –حسبه- بـ”إصلاح النظام المصرفي والبنكي في الجزائر، إذ يؤكد أن هذا النظام المصري لا بد من إدخال إصلاحات عميقة عليه كون البنوك تعد أهم مرافق للمصدرين والمستثمرين، فعمليات التصدير تحتاج إلى حركية سلسة وسريعة لرؤوس الأموال دون أي عوائق بيروقراطية”، وأضاف أن “إصلاح النظام البنكي سيساهم بشكل كبير على الحصول على حصص أكبر في السوق الإفريقية”.
وأشار سليمان ناصر أنه “بعد إصلاح النظام البنكي تأتي بعدها المسائل الأخرى المتعلقة بتوفير منتجات بانتظام نحو الدول التي ترغب في التصدير نحوها”، وأكد هنا أن الولوج بالمنتوج الوطني للسوق الإفريقية أسهل بكثير من الولوج به للسوق الأوروبية أو الأمريكية أو حتى العربية، وهذه نقطة يجب أن تستغلها الجزائر جيدا للتمكن من الحصول على حصص أكثر في هذه السوق.
الخبير الاقتصادي، أحمد طرطار:
“نحتاج لتدابير ممنهجة إضافية ويجب التركيز على المنتوج الوطني كما ونوعا“
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، أحمد طرطار إن “الجزائر لإنجاح دخولها وحصولها على حصص كبيرة في السوق الإفريقية، لا بد أن ترافق الإجراءات التي اتخذتها سابقا خلال 2021 من الانضمام إلى منطقة التبادل الحر الإفريقية، وفتح معابر وخطوط نقل تجاري ومحاولة إحياء الطريق الإفريقي، بتدابير أخرى هامة، من خلال وضع خطوات ممنهجة والتركيز على كمية ونوعية المنتوج الوطني الذي سوف تستقبله هذه السوق، خصوصا وأن العديد من الدول الإفريقية لها علاقات تجارية واقتصادية مع دول أوروبية وآسيوية، وهو ما يطرح إشكالية التنافسية بالنسبة للمنتوج الوطني”.
وأضاف طرطار لـ”الجزائر” أنه “لا بد من العمل على توفير احتياجات السوق الداخلية وكذلك احتياجات السوق الإفريقية التي ترغب الجزائر في ولوجها، وهذا يتطلب أيضا وضع دراسة لمعرفة ما هي احتياجات هذه السوق، وتوفير كل الإمكانيات لمواصلة تلبية هذه الاحتياجات مستقبلا، كون الجزائر سوف تصبح ملزمة بتوفيرها بعد دخولها في اتفاقيات وشراكات مع الدول الإفريقية”.
واعتبر الخبير الاقتصادي ذاته أن “الجوانب الأخرى تبقى متاحة من خلال منظمة الاتحاد الإفريقي ومنظمة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا “النيباد” حيث للجزائر أهمية فيها، إضافة إلى الاتفاقيات الثنائية مع العديد من الدول بحكم العلاقات السياسية الجدية معها”، وكلها عوامل بحسب المتحدث “تسهل الاستثمارات وتحقيق أرباح كبيرة من خلال عمليات التصدير”، غير أنه أشار إلى أهمية إيجاد رجال أعمال قادرين حقا على ولوج السوق الإفريقية.
الخبير الاقتصادي، الهواري تغرسي:
“المرحلة القادمة تتطلب توفير الهياكل القاعدية واللوجستيك“
فيما اعتبر الخبير الاقتصادي، الهواري تغرسي، أن “الجزائر أقدمت على خطوات هامة بهدف الدخول للأسواق الإفريقية، غير أن المرحلة القادمة تتطلب توفير الهياكل القاعدية واللوجتسيك التي تعتمد عليها عمليات التصدير”.
وأضاف تيغرسي في تصريح لـ”الجزائر” أنه “يجب التفكير في وضع منظومة وطنية داخلية سواء بالنسبة للنقل أو فيما يتعلق بتسهيل عمليات الإنتاج وكذا ترقية مناخ الاستثمار”.
في مجال النقل، يرى المتحدث أنه “لا بد من تطوير النقل البري كونه أقل تكلفة من النقل البحري، عن طريق تعبيد الطرقات نحو كل من مالي والنبيجر والتشاد وموريتانيا وليبيا وتوفير قواعد على المستوى المحلي”، وأشار إلى أن التجربة بدأت، حيث تم تشكل شباك وحيد على الحدود –يضم جمارك، شرطة-، غير أنه شدد على أهمية توفير البنوك على مستوى هذه المناطق.
واعتبر تغرسي أنه لـ”إنجاح الخطوات القادمة لا بد من تسهيل الإنتاج في الجزائر ووضع خارطة لمعرفة ماذا ننتج وكيف ننتج وكم ننتج”، وأوضح أنه “عندما يتم تحديد ذلك يكون هناك منتوج قابل للتنافسية وبأسعار معقولة يمكن كسب ثقة الأفارقة خصوصا أن هذه المسألة يمكن تحقيقها بسهولة في الجزائر كونها تمتلك إمكانيات داخلية كبيرة”، وأشار أيضا إلى أهمية ترقية مناخ الاستثمار وذلك من خلال قوانين مشجعة وشفافة وبسيطة.
رزيقة. خ