توفي الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، صباح الخميس، بالعاصمة تونس، عن عمر ناهز 92 سنة، وكان قد نقل الراحل مساء الأربعاء إلى المستشفى العسكري بالعاصمة إثر “وعكة صحية”، وشغل السبسي منصب رئيس الجمهورية منذ العام 2014، فيما تزعم حزب “حركة نداء تونس” بعد تأسيسه له عام 2012، وكان للرئيس الراحل مواقف وعلاقات جيدة مع الجزائر، خاصة أنه سير عهدة حساسة حكم فيها بلاده إثر انتهاء الفترة الانتقالية.
انتهى عهد الرئيس الباجي قائد السبسي السياسي المخضرم وأحد أبرز الزعماء في المنطقة، إثر إصابته بـ”وعكة صحية” مفاجئة ثانية، بعد التي مسته قبل أسبوعين، وكانت الرئاسة التونسية قد نعت الفقيد للشعب التونسي، ودعته إلى الوحدة الصماء والصبر والتكاتف والالتفاف حول مؤسساته الدستورية صونا لمستقبل تونس وحاضرها.
- بن صالح يعلن الحداد لمدة 3 أيام ويبرق برسالة تعزية
أعلن رئيس الدولة، عبد القادر بن صالح، الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام عبر كافة أنحاء البلاد، وذلك ابتداء من اليوم الخميس، إثر وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، حسب ما أفاد به بيان لرئاسة الجمهورية.
وجاء في بيان الرئاسة أنه “على إثر وفاة رئيس الجمهورية التونسية الراحل، الباجي قايد السبسي، أعلن رئيس الدولة، السيد عبد القادر بن صالح، اليوم الخميس 25 يوليو، الحداد الرسمي في كافة أنحاء البلاد لمدة ثلاثة (03) أيام إلى غاية يوم السبت 27 جويلية 2019”.
وأضاف البيان أن رئيس الدولة “أمر في هذا الظرف الأليم بتنكيس العلم الوطني على سائر المؤسسات الرسمية والدوائر الحكومية خلال هذه الفترة”.
كما بعث رئيس الدولة عبد القادر بن صالح برسالة تعزية إثر وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي أشاد فيها بمسار المرحوم ونضاله المستميت في حركة التحرير التونسية والمغاربية و بجهوده في بناء بلاده بعد الاستقلال.
واعتبر بن صالح في رسالة تعزية بعث بها إلى كل من رئيس الجمهورية التونسية المؤقت محمد الناصر والوزير الأول التونسي وإلى أفراد أسرة المرحوم أن فقدان المرحوم يعد رزأ على تونس والجزائر والمغرب العربي والأمة العربية كلها.
وقال رئيس الدولة: “بلغ الأسى والأسف أقصى ما يبلغانه في نفس إنسان حين تناهى إلى سمعي نبأ انتقال المغفور له رئيس الجمهورية التونسية والصديق العزيز إلى رحمة الله وعفوه وأن يرزأ فيه الشعب التونسي الشقيق بل المغرب العربي بل الأمة العربية كلها خاصة الجزائر التي تشاطركم شعبا وحكومة آلامكم وأحزانكم وتعتبر كل دمعة ذرفتها على فقده عيون الأشقاء في تونس ذرفتها أيضا عيون إخوانهم في الجزائر تماما كما سقوا بدمائهم الزكية ودموعهم الغالية تراب ساقية سيدي يوسف وأماكن عديدة في الحدود المشتركة إبان الثورة التحريرية”.
حقا إنه – يضيف قائلا- لخطب جلل ورزء عظيم يصيب تونس الشقيقة ومنطقتنا في هذا الظرف التاريخي العصيب بالنظر لما تعيشه منطقتنا والوطن العربي من اهتزازات وأحداث جسيمة”.
“لقد دأب فقيدنا منذ الخمسينيات على نضال مستميت في حركة التحرير التونسية والمغاربية وكافة رموز التحرر العربي والانساني وقد كابد الفقيد في سبيل ذلك غطرسة المحتل واستبداده وصبر وصابر فكان من الأوائل الذين أسهموا على مدى ستين عاما في بناء صرح تونس وتميزوا برجاحة العقل وسداد الرأي وبالعصرنة مع المحافظة على الأصالة في البناء والتشييد” يضيف قائلا.
و جاء في رسالة التعزية :”لقد كان بجهوده الخيرة رقما إيجابيا في مسيرة تونس المعاصرة إذ ترك في مراحل حياته بصمته الواضحة في شتى المحطات ومختلف المناصب التي تولاها لاسيما عند توليه قيادة البلاد خلال السنوات الأخيرة لما أبدى فيها من بعد نظر من أجل إرساء دعائم الديمقراطية التوافقية بين كل القوى الفاعلة واستطاع أن يسير بالبلد إلى التحول السلمي نحو ديمقراطية أصيلة غدت قدوة للأجيال في منطقتنا”.
وقال بن صالح إن “الراحل العزيز سيبقى خالدا في ذاكرة الجزائريين الذين لن ينسوا أبدا موافقه الرائدة في مساندة الثورة الجزائرية وفي الذود والدفاع عنها ما وجد لذلك سبيلا داخل تونس وخارجها وسيبقى لديهم كما كان وكما هو من ألمع القادة الذين حازوا بأعمالهم ومواقفهم الإجماع على ما تتسم به شخصياتهم من حنكة واتزان وبعد نظر”.
وأمام هذا الخطب الجلل -يضيف بن صالح – “الذي أشاطركم والشعب التونسي الشقيق باسمي الخاص وباسم الشعب الجزائري مرارته أعرب لكم عن تعازينا الحارة ودعواتنا الصادقة مبتهلا إلى المولى الذي وسعت رحمته كل شيء أن يكرم وفادته ويحتسب له أجر العاملين المخلصين لأوطانهم ومتضرعا إليه أن يتنزل في قلوبكم وفي قلوب أسرته الكريمة صبرا جميلا ويوفيكم جميعا على صبركم أجرا عظيما ويعوضكم في فقده خيرا كثيرا إنه سميع مجيب الدعاء”.
- بنى الرئيس السبسي علاقات جيدة مع الجزائر
وفيما يخص تعامل الراحل مع ملفات التعاون مع الجزائر، كان الرئيس التونسي الراحل الباجي السبسي الذي حكم الجارة الشرقية في عهدة واحدة بدأت العام 2014، بعد نهاية الفترة المؤقتة للرئيس السابق المنصف المرزوقي إثر الإطاحة بنظام المخلوع الجنرال زين العابدين بن علي، حيث عمل السبسي على تحسين وتمتين العلاقات الثنائية، ترجمتها الزيارات المتكررة التي كان يقوم بها إلى العاصمة الجزائر للقاء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، كما أن العلاقات الثنائية شهدت تحسنا كبيرا في عهده، وظلت السلطتين في الجزائر وتونس تحتفظان بتنسيق وتعاون مثالي خاصة في الجانب الاقتصادي والأمني، حيث ظل تدفق السياح الجزائريون إلى تونس مؤشر على دعم جزائري كبير لجارتها الشرقية بالخصوص في السنوات الأخيرة عندما عرفت هجمات إرهابية مست شريانها الاقتصادي المتمثل في السياحة.
وارتبط الراحل السبسي بعلاقات وثيقة مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن يصل إلى سدة قصر قرطاج، حيث أن الجميع يتذكر استقباله من طرف بوتفليقة سنة 2013 في قصر المرادية، بصفته رئيسا لحزب “نداء تونس” المعارض آنذاك.
وبعد انتخابه رئيسا للجمهورية التونسية، اختار الباجي قائد السبسي، الجزائر كأول محطة خارجية له، وقال قبل توجهه نحو لقاء بوتفليقة في أوائل شهر فيفري من سنة 2015 في حوار مع جريدة “الوطن” أن تونس تنظر إلى الجزائر على أنها “الشريك الأمني والاقتصادي الهام في المنطقة”، داعيا إلى تفعيل التعاون الاقتصادي أكثر لتحسين ظروف معيشة الشعبين اللذين اختلطا كثيرا بحكم التاريخ والجغرافيا، خاصة في المدن والقرى الحدودية.
وشكلت هذه التوجهات السياسية والدبلوماسية التي أظهرها الرئيس التونسي الراحل نحو الجزائر، قلقا لدى بعض الدوائر والأنظمة في المنطقة التي لم تستسغ هذا التقارب والتعاون الكبير بين القيادتين، بالنظر إلى بعض الحساسيات والملفات المعقدة في المنطقة.
وترتبط الجزائر مع تونس بحدود طويلة وقد كثفتا التعاون فيما بينهما خلال السنوات الأخيرة لمواجهة الجماعات الإرهابية المتحصنة في السلاسل الجبلية على الحدود بين البلدين، كما عززت الأجهزة الأمنية للدولتين من تعاونها الاستخباراتي في إطار مواجهة الإرهاب العابر للحدود والمهدد لأمن البلدين.
وفي الجانب الدبلوماسي ظل الوضع في ليبيا، محور توافق بين البلدين، حيث أكدت الدبلوماسية الجزائرية والتونسية في عدة بيانات على رفضها الدائم للتدخلات العسكرية في هذا البلد المجاور، كما ظل السبسي يشدد على أن حل مشاكل الإرهاب التي تواجهها بلاده يتطلب وقتا أكثر وتنسيقا أقوى وأعمق مع الجزائر.
وعند اندلاع الحراك الشعبي السلمي بالجزائر، في 22 فيفري، كان الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أول رئيس دولة يعلق على الأحداث، ففي لقاء مع صحفيين بجنيف، بعد خطاب أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قال الرئيس التونسي: “الشعب الجزائري ناضل كثيرا لنيل استقلاله بعد 130 عام من الاستعمار والآن هو شعب حر، وبطبيعة الحال له حرية التعبير عن طريقة حكمه”، وأضاف الرئيس التونسي إن “كل بلد له قواعده الخاصة وليس لي الحق في إعطاء دروس لأحد”.
وتجدر الإشارة، إلى أن الرئيس الراحل الباجي السبسي سيشيع إلى مثواه الأخير، اليوم السبت، في جنازة وطنية وبعد ساعات قليلة من وفاته، أدى محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب اليمين، ليتولى الرئاسة المؤقتة للجمهورية، كما ينص الدستور.
وأكد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نبيل بفون أن موعد الانتخابات الرئاسية، سيتم تقديمه “بغرض احترام أحكام الدستور”، الذي ينص على ألا تتجاوز الفترة الانتقالية المؤقتة 90 يوما، أي قبل نهاية أكتوبر القادم.
إسلام كعبش