توجهت الجزائر ومنذ ما يقارب السنتين نحو الزراعات الإستراتيجية، غير أنه اليوم وفي ظل التغيرات والتحولات التي يعرفها العالم وتأثير ذلك على الغذاء العالمي، سارعت لتعزيز هذا التوجه، باتخاذ إجراءات تحفيزية جديدة لدعم هذه الزراعات، بهدف الوصول إلى الإكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي، ويرى خبراء اقتصاديون أن الجزائر بإمكانها تحقيق هذا الهدف وهي قريبة منه.
تركز الجزائر اليوم على الزراعات الاستراتيجية، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي والوصول إلى الأمن الغذائي، خصوصا في ظل التحولات التي يعرفها العالم، والتي أثبتت أن الغذاء العالمي يتأثر بشكل مباشر بأي تغير قد يحدث في أي رقعة من العالم.
وقد اتخذت في سبيل تحقيق هذه الهدف العديد من الخطوات لتعزيز هذا التوجه عن طريق دعم الفلاحين وتوفير المدخلات الفلاحية للمزارعين ومربي الماشية بأسعار تفضيلية وتكفل الخزينة العمومية بفارق أسعار هذه المدخلات في السوق العالمية لتخفيف العبء على الفلاحين وتشجيعهم على زيادة الإنتاج.
ويرى خبراء ومحللون اقتصاديون أن الجزائر لديها من القدرات والإمكانيات ما يؤهلها للتفوق في مختلف الزراعات وخاصة منها الإستراتيجية التي تضمن لها أمنها الغذائي وتحقق لها الاكتفاء الذاتي، وتتجه نحو التصدير و تعيد تدوير رؤوس أموال هذه الصادرات في تطوير مشاريع أخرى سواء في القطاع الفلاحي أو في قطاعات أخرى.
كما أكدوا أن الجزائر قريبة من تحقيق هذا الهدف، و أن الدولة وفرت للفلاحين كل الامتيازات لرفع الإنتاج و اليوم الكرة في ملعبهم، غير أنهم شددوا على ضرورة ترشيد الإنفاق والدعم الموجه للفلاحين من خلال توجيهه لمن يستغله استغلالا جيدا وصحيحا.
الخبير الإقتصادي، أحمد طرطار:
“الدولة وفرت كل الإمكانيات للفلاحين والكرة الآن في ملعبهم”
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، أحمد طرطار إن “الجزائر تمتلك إمكانيات وقدرات كامنة وهائلة في المجال الفلاحي تمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتتجاوزه نحو التصدير بكميات كبيرة”، وأضاف أن “الدولة اليوم قدمت كل التسهيلات للفلاحين والمستثمرين في هذا المجال لرفع الإنتاج وتحقيق هذه الغاية”، واعتبر أن الكرة اليوم في ملعبهم.
وأوضح طرطار في اتصال مع “الجزائر” أن “الجزائر تتوفر على مساحات شاسعة وعلى مناخ ملائم لمختلف الزراعات، كما أن الجزائر لديها تجربة جيدة في هذا المجال –الثورة الزراعية- واليوم هناك توجهات نحو استخدام التكنولوجيات والأفكار الجديدة والتي تمنح للفلاح قدرات أفضل ومقترحات جديدة حول بعض الزراعات التي لم تكن موجودة في السابق، مع وجود مراكز أبحاث تساعد المزارعين على التغلب على الصعاب التي كانت تواجههم وترافقهم في نشاطهم لضمان منتوج وافر وذو جودة”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى عامل آخر مساعد على الرفع من الإنتاج، ويتعلق بمرافقة الدولة للفلاحين، ومنحهم تحفيزات هامة وتسهيلات إدارية للحصول على العقار الفلاحي وتفكيك الأنظمة الإدارية التي كانت سببا معرقلا للاستثمار الفلاحي، وكذا منحهم عقود امتياز ومرافقتهم وتعويضهم أثناء الكوارث الطبيعية من فيضانات أو تضررهم من الجفاف، وتخفيف تكاليف شراء البذور والأعلاف، مع تشجيعهم على الإنتاج من خلال رفع سعر شراء بعض المنتجات منهم، كالقمح والشعير والحبوب الجافة.
واعتبر أن “كل هذه الاجراءات هي تسهيلات ستدفع بالفلاحين إلى بذل المزيد من الجهد لرفع الإنتاج والوصول إلى الاكتفاء الذاتي في العديد من المنتجات خاصة منها الإستراتيجية التي تسمح للبلاد من التخلص من تأثيرات السوق العالمية”.
الخبير الإقتصادي، سليمان ناصر:
“الجزائر تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الفلاحي”
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، سليمان ناصر إن “الجزائر لديها إمكانية كبيرة لتحقيق الإكتفاء الذاتي من حيث المنتجات الفلاحية، وبلوغ الأمن الغذائي، وهي اليوم قريبة من تحقيق ذلك، كون أغلب المنتجات الفلاحية الموجودة في السوق الوطنية هي منتجات فلاحية محلية، إلا بعض الأنواع القليلة من بعض الفواكه والتي لا يمكن إنتاجها في الجزائر نظرا للظروف المناخية التي قد لا تتلاءم وزراعتها”، واعتبر أن هذا الأمر طبيعي فلا توجد دولة في العالم تنتج غذاءها بنسبة 100 بالمائة.
وأضاف الخبير الاقتصادي، ناصر في حديث مع “الجزائر” أن “قطاع الفلاحة الذي يعد اليوم من أهم القطاعات التي تعول عليها الدولة كثيرا ليكون بديلا عن المحروقات، لا يحتاج إلى مزيد من الأموال لتطويره بقدر ما هو بحاجة إلى ترشيد الإنفاق، وتوجيه الدعم الفلاحي التوجيه الصحيح و لمستحقيه الحقيقيين ولمن يستغله استغلالا صحيحا”.
كما شدد المتحدث ذاته على ضرورة وضع إستراتيجية وطنية بعيدة المدى في هذا المجال إذا كانت هناك إرادة حقيقية لوصول إلى هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، إضافة إلى ضرورة “الاستقرار في الجانب البشري في القطاع وعدم تغيير المسؤوليين في القطاع كل فترة قصيرة”.
وشدد الخبير على ضرورة أن تتجه الحكومة لتشخيص أسباب توقف بعض المنتجين –الفلاحيين-عن نشاطهم كمربي الدواجن، والماشية وحتى منتجي بعض الخضر، وأكد أن تشخيص السبب خطوة نحو إيجاد الحلول لإعادة هذه الفئة إلى النشاط، والتي بدورها تساهم في رفع الإنتاج ومن ثمة المساهمة في تحقيق هدف “الاكتفاء الذاتي” من اللحوم والحليب وغيره.
ويرى الخبير الاقتصادي أن تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع الفلاحة يسمح بتطوير مجالات أخرى من شأنها المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي كالصناعات التحويلية الغذائية، والتي تعتمد في الأساس على فائض المنتجات الفلاحية.
وأكد سليمان ناصر أن “تطوير القطاعات المنتجة والوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي يبقى دائما مرتبط بعامل أساسي وهو المادة الأولوية”، فإذا توفرت المادة الأولية المحلية فهذا سيكون أكبر محفز لتطوير الإنتاج، إذ لا يحتاج لأموال لاستيراد هذه المادة الأولية، وبالتالي سوف توجه تلك الأموال لتطوير ميادين أخرى”.
رزيقة.خ