بفضـل دورها الكبير في دعم الابتكار وخلق فرص جديدة للتنمية، لا سـيما في ظل التحولات والمتغـيرات التي أفرزتها العولمة، أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عاملا قويا للتنمية الاقتصـادية والاجتماعية.
ووعيا بهذه القضايا والتطورات، قامت الحكومة الجزائرية بإعـداد برنامج يهدف إلى عصرنة مختلف قطاعاتها، والذي يتضمن سلسـلة مـن التدابير هـدفها تحسين الخدمات العامة من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، اللامركزية في إصدار الوثائق وتعميم استخدام الإدارة الإلكترونية في المؤسسات والإدارات العمومية، بقصد عصرنتها.
وفي هذا الصدد قلل خبراء تكنولوجيات الإعلام والاتصال في حديثهم مع “الجزائر” من نسبة نجاح هذا النظام في الجزائر، مؤكدين أنه يواجه العديد من العراقيل والتحديات ستحول دون تطبيقه.
يوسف شريم:
“ضعف استخدام الأنترنت عبر الوطن سيعرقل مخطط الرقمنة”
قلل الخبير الدولي في تكنولوجيات الإعلام والاتصال يوسف شريم من نسبة نجاح مشروع رقمنة الإدارة العمومية الذي وضعته الحكومة، مستدلا بالمشروع الذي وضعته سابقا والمسمى ببرنامج الجزائر الإلكترونية.
وقال إن الحكومة قد فشلت في تجسيد أهدافه المسطرة خلال الخمس سنوات الماضية (2009-2013)، بدليل مرور عدة اعوام على المصادقة عليه، ورغم مختلف الإجراءات المتخذة والكم الهائل مـن المشاريع المسجلة لإطلاقه، إلا أنه لم يبلغ النتائج المرجوة، بسبب عدم مرافقة ومتابعة عملية تنفيذ المشاريع ميدانيا.
وأضاف المتحدث إلى جملة الأسباب، ضعف استخدام الانترنت وتكنولوجيات الإعلام والاتصال عبر كامل القطر الوطني، مما يجعلها بحاجـة إلى تنفيـذ إستراتيجية ذات أهداف كمية ونوعية محددة بوضوح، بناءا علـى تطوير المؤشرات المتعلقة بالجدوى، النفـاذ، والتحضـير الرقمي، فضلا عن تعميم نشر تكنولوجيات الإعلام والاتصال والتحضير الجدي فيما يخص برنامج الحكومة الالكترونية.
إيهاب تكور:
“رقمنة الإدارة في الجزائر أمر بعيد المدى”
أوضح الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال إيهاب تكور أن عصرنة الإدارة أو رقمنتها هي عملية التكيف مع التحـولات مـن خلال تبني وسائل وأساليب تسـيير حديثة، ونمط ثقافة تنظيمية جديدة قائمة على إدخال التكنولوجيا وتحويل المعرفة إلى خدمات.
وقال ان رقمنة الادارة في الجزائر امر بعيد المدى، خاصة وانها تواجه العديد من التحديات أهمها مشكلة الدخول الى الشبكة، وكيفية استخدامها وصعوبة فهم المضمون، بسبب انتشار الأمية الالكترونية بكثرة.
كما ابرز المتحدث ان نقص أو قلة الموارد المالية المخصصة، و تركيز جهود التنمية في المناطق المحلية على إشـباع الحاجات الأساسـية للمواطنين، بالاضافة الى نقص الإمكانيات وانتشار المشـاكل المتعلقة بالفقر والبطالة وانخفـاض مستوى المعيشة، سيحول دون الاندماج في مجتمع المعلومات.
يونس قرار:
“التقشف وضعف البنية التحتية للاتصالات سيفشل مخطط الحكومة”
بدوره، أفصح الخبير في تكنولوجيات الاتصال يونس قرار ان ضعف البنية التحتية للمعلومات والاتصالات، وارتفاع أسعار الأجهزة والبرمجيات الحديثة وارتفاع تكلفة الاتصالات، وكذا صعوبة اللحاق بالتطور المستمر لتقنية المعلومات سيحول دون نجاح مخطط الحكومة الرامي الى عصرنة ادارتها.
كما اكد ذات الخبير ان عدم اقتناع القيادات الإدارية بفكر وفلسـفة الإدارة الالكترونية وعدم قـدرتهم على التخلي عن نمط الإدارة البيروقراطية، بالاضافة الى تخوفهم المتعلق بالامن المعلوماتي، بسـبب إمكانية اخـتراق المنظومة المعلوماتية، وما يترتب عليه من فقدان خصوصية وسرية المعلومات وسلامتها، سيفشل هذا البرنامج رغم حاجة الجزائر الماسة والضرورية الى تطبيقه، في ظل العولمة التي نعيش فيها.
وأردف بالقول “إن الإدارة الالكترونية نقلة حضارية وثقافية للمجتمعـات، يتسـع نطـاق تأثيرهـا ليشـمل كافـة الجوانـب السياسـية والاقتصـادية والاجتماعية، فإنتاج المعلومات وتشغيلها وتداولها والاستفادة منها في اتخاذ القرارات وتحقيق الأهداف أصبح محورا حقيقيا لاهتمامات الإدارة الجديدة.”
وعليه – يضيف المتحدث – فان الإدارة الرقمية تمثل أسلوبا جديدا لتجسيد إدارة عصرية وشـفافة محررة مـن كافة الاكراهات والتصرفات البيروقراطية وذات خدمات نوعية ترقى لتطلعات وآمال المواطنين، مؤكدا ان تطبيـقها يتطلب توفر العديد من الإمكانيات تمكن من تقديم خدمة متميزة للمواطن، وتحقيـق مستوى أداء مناسب لمنظمات الإدارة العامة.
واضاف الى مجمل قوله انه رغم تواصل جهـود الدولة الجزائرية في مجال إرساء وتجسـيد متطلبات الرقمنة وعصرنة الإدارة، إلا أن الانتقـال إلى الإدارة الإلكترونية في المؤسسات الجزائرية، لا زال بحاجة إلى البيئة المناسبة لمثل هذا النوع من المؤسسات، كي تتمكن من تنفيذ ما هو مطلوب منها، وبالتالي تحقق النجاح المراد الوصول إليه دون خسارة في الوقت والمال والجهد، علما أن الإدارة هي وليدة بيئتها تؤثر وتتأثر بمجمل عناصر البيئة المحيطة، وتتفاعل مع جل العناصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية.
كما اكد ان هذا المشروع يجب أن يأخذ عدة متطلبات بعين الاعتبار كالبنية التحتية من مزودي الخدمة بالأنترنت، بالإضافة الى توفر الوسائل الإلكترونية اللازمة لهذا التحول وتأهيل الموظفين في مجال التقنيات الحديثة، مع خلق الإرادة لدى الإدارة المسيرة بضرورة تبني سياسة الانتقال إلى الإدارة الإلكترونية، وتوفير السرية الإلكترونية للمؤسسات.
لذلك –يضيف يونس قرار- يجب وضع رؤيـة وإستراتيجية شاملة بمشاركة الدولة وجميع الفاعلين، بما يضمن الانتقال الايجابي من الإدارة التقليدية إلى الإدارة الالكترونية الرقمية، ومن ثم تحسين جودة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين والرفع من مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
نسرين محفوف