تشهد علاقات الشراكة والتعاون بين الجزائر والصين تطورا متسارعا في جميع المجالات، لاسيما الميدان الاقتصادي والتجاري، ورغم العلاقات التاريخية بين البلدين التي تعود إلى ما فترة استقلال الجزائر، إلا أنها تعد أيضا شريكا اقتصاديا بامتياز، إذ يعمل الطرفان على تنويع هذه الشراكة الاقتصادية من تجارية إلى مشاريع البنى التحتية الكبرى والبناء والأشغال العمومية إلى مشاريع كبرى في الطاقة والمناجم.
بالحديث عن الشراكات والاستثمارات الصينية في الجزائر، فقد عزز هذا البلد استثماراته في الجزائر وانتقل من مجال الأشغال العمومية والبناء، وذلك بعد إنجاز الشركات الصينية للآلاف من السكنات وشق الطرقات والبنية التحتية ومشاريع ضخمة كمسجد الجزائر -المسجد الأعظم- وأجزاء من الطريق السريع شرق غرب، والمشاركة في مشروع توسعة مطار الجزائر الدولي بالعاصمة، إلى الاستثمار في قطاع الطاقة والمناجم والصناعات التحويلية.
وبخصوص قطاع الطاقة والمناجم، فقد وقع البلدان في مارس الماضي، اتفاقا لاستثمار 7 مليارات دولار لإنتاج 5.4 مليون طن من الأسمدة سنويًا -المخصبات الزراعية- حيث سيتم استخراج الفوسفات الخام وإعادة تحويله إلى أسمدة زراعية.
كما وقعت شركة سوناطراك وشريكها سينوباك في ماي الماضي، عقد مقاسمة الإنتاج يتعلق بالرقعة التعاقدية “زارزايتين”، الواقعة بحوض إليزي، حيث في إطار هذا العقد، تتعهد سوناطراك وسينوباك بتنفيذ برنامج أعمال التطوير والاستغلال يهدف إلى استرجاع وتعظيم قيمة المحروقات من حقل زارازيتين، يقدر المبلغ الإجمالي للاستثمار المنصوص عليه في خطة التنمية بنحو 490 مليون دولار أمريكي والتي ستسمح باسترجاع ما يقرب 95 مليون برميل من النفط.
وفي مجال المناجم، استحوذت ثلاث شركات صينية على مشروع لاستخراج خام الحديد من منجم غار جبيلات بالشراكة مع الجزائر، والذي يعد أكبر منجم حديد في إفريقيا، باحتياطي يقدر بنحو 3 مليارات طن، وباستثمار أولي بملياري دولار، حيث سيتم إنشاء عدة مشاريع مرافقة له، على غرار ربطة بخط للسكك الحديدية لنقله إلى موانئ التصدير في الشمال، وتحويل جزء منه إلى حديد صلب.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي، عبد اللطيف بلغرسة إن التوقيع على الخطة الخماسية الثانية للتعاون الاستراتيجي الشامل بين البلدين للفترة 2022-2026 بين الجزائر والصين “تدخل في إطار تعزيز الشراكة بين البلدين أكثر، لاسيما وأنهما بلدان يتقاسمان وجهات النظر إن لم نقل تطابقا في هذه الوجهات فيما يتعلق بالسياسة الدولية، إضافة إلى وجود مصالح اقتصادية مشتركة بينهما”.
ويضيف بلغرسة في حديثه مع “الجزائر” أن “الصين من الاقتصادات العملاقة التي تبحث دائما على شراكات مع البلدان الصاعدة اقتصاديا والجزائر ضمن هذه الدول، ما يجعل من الشراكات معها مربحة لكلا الطرفين”، والدليل على ذلك حسب بلغرسة، “تنوع الاستثمارات الصينية في الجزائر في السنوات الأخيرة، والتي شملت العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية وامتدت إلى مجالات أخرى كالثقافة والتعليم العالي والتكوين”.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن “الشراكة مع الصين مربحة للجزائر بقدر ما هي مربحة للصين، وهذا ما يجعل البلدان متفقان دائما على تطويرها وتعزيزها أكثر”، وأشار إلى عوامل أخرى تدفع بهذه الشراكة نحو التعزيز أكثر، ومنها في المعرفة الجيدة للشركات الصينية بالواقع الاقتصادي الجزائري، وكذا موقع الجزائر الجغرافي الذي يعتبر بوابة نحو إفريقيا، وأي بلد يريد ولوج السوق الإفريقية عليها أولا ربط علاقات اقتصادية وتجارية جيدة بالجزائر، وهذا ما تفعله الصين، لاسيما وأنها ترغب في المزيد من التفتح على إفريقيا، وما خط طريق الحرير إلا تأكيد على ذلك”.
كما أشار بلغرسة إلى عامل آخر يجعل الجزائر ترغب دائما في المزيد من الشراكات مع الصين، كون هذه الأخيرة “لا تدخل المساومات السياسية في القضايا الاقتصادية، فالصين حين ترغب بإقامة شراكة اقتصادية أو استثمارات فتدخل بصفة اقتصادية محضة بحثا عن الربح بعيدا عن أي مساومة سياسية، عكس بعض الدول الأوروبية التي كانت سابقا استعمارية، إضافة إلى كون الشركات الصينية لها طاقة استيعابية كبيرة للإستثمارات، ودائما تبحث عن دول تقبل بالاستثمارات وتنفق على البنى التحتية، وهو ما يوجد بالجزائر”.
ويرى الخبير الاقتصادي أن التعاون الاقتصادي الجزائري الصيني والاتفاقيات التي تبرم يجب أن تدخل حيز التنفيذ في أقرب الآجال، وهذا بالنظر للمواعيد الاقتصادية الهامة التي تنتظر الجزائر ومنها الانضمام إلى مجموعة “البريكس” والتي ترحب الصين بهذه الخطوة.
رزيقة.خ