وجدت الحكومة نفسها أمام جبهة اجتماعية ساخنة، بحيث تميز هذا الأسبوع باحتجاجات غير مسبوقة في مختلف القطاعات بدءا بالقضاة الذين دخلوا في “قبضة حديدية” مع الوزارة الوصية، في المقابل تواصل من حين لآخر نقابات مستقلة من قطاعات الصحة والتربية والوظيف العمومي شن إضرابات دعما لفئاتها، كما عرف الشارع في الأيام الأخيرة غليانا ضد قانون المحروقات مع أن عدة خبراء مستقلين قدموا تطمينات بخصوص بنوده ومراعاته للسيادة الوطنية.
تعرف الساحة الاجتماعية سلسلة من الإضرابات المهنية في قطاعات حيوية، وهو الأمر الذي لم تكن تنتظره حكومة الوزير الأول نور الدين بدوي، بعدما استطاعت الصمود طوال كل هذا العدد من جمعات الحراك الشعبي في وجه المطالب السياسية، في الشأن ذاته، أصبحت الإضرابات المتكررة سيدة الموقف فلا يمكن تجاوز ما يحصل في قطاع القضاء، حيث يواصل القضاة إضرابهم المفتوح لليوم الثالث على التوالي في تحد واضح للوصاية، رفضا لحركة التحويلات التي قام بها المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه رئيس الدولة، ورغم أن الحكومة دعت القضاة المضربين إلى الحوار إلا أن القضاة عازمون على مواصلة حركتهم الاحتجاجية حسب النقابة المنضويين تحتها إلى غاية تحقيق مطالبهم المهنية والاجتماعية بما فيها العمل على تحقيق استقلالية العدالة عن السلطة التنفيذية.
وفي قطاع آخر لا يقل أهمية، حاول الوزير الأول نور الدين بدوي بسرعة البرق معالجة إضراب معلمي الابتدائي، الذي دخل أسبوعه الثالث -كل يوم إثنين-، حيث أمر وزيره للتربية الوطنية عبد الحكيم بلعابد بفتح ورشات للتكفل ومعالجة مطالب المعلمين، في ظل تأكيدات من طرف نقابات التربية على مواصلتها للإضراب الأسبوعي إلى غاية تلبية مطالبها الشرعية، وتخشى الحكومة أن يتم الزج بالأساتذة في معترك معارضي الانتخابات الرئاسية القادمة، وهذا ما عبر عليه وزير التربية صراحة بقوله إن “الأساتذة سوف ينأون بأنفسهم خلال الاستحقاقات الرئاسية عن جميع التجاذبات والنداءات المغرضة التي تريد الزج بالمدرسة في الشأن السياسي”.
كما استطاعت نقابة مستخدمي الوظيف العمومي تنفيذ إضرابها الذي دعت إليه كنفدرالية النقابات، إذ تم التوقف عن العمل بالمستشفيات ومراكز البريد ومعاهد التكوين الوطني يوم الأحد الماضي، إلا أن ذلك حصل بصورة محتشمة مقارنة بنقابات التربية التي حققت نسبة إضراب وصلت إلى 70 بالمئة.
في المقابل، يظل قانون المحروقات الذي صادقت عليه الحكومة عرضة لانتقادات شديدة من طرف نشطاء الحراك الشعبي وبعض أحزاب المعارضة، حيث اعتبرته هذه الأطراف من جهة، بأنه يضع ثروات البلاد تحت أيدي الشركات العالمية نظرا للامتيازات التي يقدمها من أجل إعادة كبرى الشركات متعددة الجنسيات العاملة في قطاع المحروقات إلى السوق الوطنية، ويبرر آخرون رفضهم للمشروع بكونه ممرر من طرف حكومة بدوي التي ليست لديها صلاحيات واسعة باعتبارها حكومة تصريف أعمال وليست حكومة ثابتة، وبالتالي فإن هذه المعطيات تبين بأن تمرير هذا المشروع عبر المجلس الشعبي الوطني في الأيام المقبلة سيضع الحكومة على المحك ولن يكون تمريره بالسهولة التي يريدها الجهاز التنفيذي.
وفي الشق المقابل، لا يبدو أن الحكومة الحالية لديها من الإمكانيات على مستوى هامش المناورة ما يمكنها من تهدئة الغليان الاجتماعي، عكس السنوات الماضية حين عمدت عبر الموارد المالية الضخمة التي امتلأت بها خزائن الدولة إلى إسكات الشارع عبر ما سمي بسياسة “شراء السلم الاجتماعي”، كما أن قرب تنظيم الانتخابات الرئاسية وانتخاب رئيس جمهورية جديد ورفع تنظيمها من الإدارة إلى سلطة مستقلة كلها عوامل تؤكد أن هذه الحكومة لم يعد لها من القدرة على تمرير سياسات معينة، إلا محاولة تسيير ما يمكن تسييره وتسليم السلطة لحكومة تحظى بالشرعية الانتخابية.
إسلام كعبش
تنفيذ إضرابات في جميع القطاعات الحيوية:
الوسومmain_post