تبنت الحكومة خيار الاتصال المباشر لتفسير سياستها تجاه قضية الهجرة غير الشرعية، بعد موجة من الانتقادات التي تتعرض لها السلطات الجزائرية من طرف بعض المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية ومختلف وسائل الإعلام الدولية ما رسم صورة قاتمة للجزائر في مخيلة الرأي العام الدولي.
كثف المسؤولون الحكوميون من خرجاتهم للرد على مجمل الانتقادات التي توجهها للجزائر الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية حول تعاملها مع ملف الهجرة السرية الذي أخذ منحى آخر بعد تواتر التقارير الدولية المنتقدة للسياسة الأمنية التي تنتهجها السلطات الجزائرية تجاه آلاف المهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول الساحل جنوب الصحراء نحو التراب الجزائري، رغم أن الحكومة تظل مؤكدة على تعاملها مع هذا الملف وفق قاعدة إنسانية وقانونية.
وكان الوزير الأول أحمد أويحيى من أوائل المسؤولين الذين حذروا من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الجزائر، وتعرض بموجب تصريحاته إلى انتقادات لاذعة بعد اتهامه للمهاجرين السريين بأنهم ” مصدر للجريمة المنظمة والآفات والمخدرات “، كما أفاد خلال آخر ندوة صحفية نشطها بقصر المؤتمرات قبل أسبوعين أن الجزائر ” ستواصل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين بالتشاور مع دولهم الأصلية “، مرجعا قرار حكومته بمسألة الحفاظ على ” الأمن وطني والنظام عام “. واختار أويحيى الرد بطريقة غير مباشرة على منظمات كـ ” هيومن رايتس ووتش ” و” أمنيستي أنتارناسيونال ” اللتين اتهمتا الجزائر بممارسة سياسة ” عنصرية ” تجاه المهاجرين الأفارقة الذين يفرون من الحروب والأزمات والفقر نحوها.
ونقلت وكالة ” رويترز ” عن مدير الدراسات المكلف بالهجرة بوزارة الداخلية والجماعات المحلية حسان قاسيمي قوله إن الجزائر ” تتوقع وصول المزيد من المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة بعدما شدد الاتحاد الأوروبي إجراءات منع تدفق المهاجرين “.
وأفاد المسؤول عن الهجرة في وزارة الداخلية، حسان قاسيمي، بأن ” عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين وصلوا إلى الجزائر لكن يمكن الحديث عن مئات الآلاف في المستقبل القريب بعد إغلاق أوروبا أبوابها “، وأضاف قاسيمي أن الحل ” ليس إغلاق الحدود من جهة وترك المهاجرين يموتون على الجانب الآخر، معبرا عن قلق الجزائر من تنامي أعداد المهاجرين غير الشرعيين “.
وأوضح ذات المسؤول أن الجزائر التي لديها حدود طولها 2500 كيلومتر مع مالي والنيجر، وأنفقت 20 مليون دولار في السنوات الـ 3 الماضية للتصدي لتدفق المهاجرين غير الشرعيين من منطقة الساحل فرارا من الحرب وانعدام الأمن والفقر، مشيرا إلى أن الجزائر ” لم تتلق مساعدة من أحد وتتعامل مع الوضع من مواردها الخاصة “. ورفض قاسيمي اتهامات توجهها المنظمات الحقوقية، ومنها ” هيومن رايتس ووتش ” و” منظمة العفو الدولية ” للجزائر تفيد بأن المهاجرين يرحلون إلى طريق الهلاك، قائلا : ” لسنا نازيين، المهاجرون لا يموتون في الجزائر لكن المئات منهم توفوا على أبواب أوروبا “.
كما أن ذات المسؤول نشط ندوة صحفية بمقر وزارة الداخلية قبل يومين، ليكشف أن الجزائر ” أنقذت 14 ألف امرأة وطفل من بين أيادي جماعة إجرامية نيجيرية كانت قد بدأت في تنظيم صفوفها بالتراب الوطني، واستغلال هذه الشريحة الهشة في التسول “، كاشفا أن هذه الجماعة التي كانت تنشط في الجزائر منذ 3 سنوات قد استغلت النساء والأطفال في أعمال التسول، وأبرز حسان قاسيمي أن الحكومة قد اتخذت تدابير إنقاذ لمواجهة الهجرة غير الشرعية، مشيرا إلى أن الرئيس بوتفليقة والوزير الأول، ووزير الداخلية جعلوا من هذا الملف أولوية وطنية ونحن نسهر على تجنيب سلامة وأمن بلدنا كل تهديد قد يترتب عن وضع ما وفي أي وقت ما.
من جهته، كان قد أكد وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي في رده على سؤال لعضو مجلس الأمة محمد بوبطيمة بخصوص الإجراءات المتخذة للتكفل بملف الهجرة غير الشرعية، أن ” عملية إحصاء المهاجرين غير الشرعيين جد معقدة، كونها لا تخضع إلى التصريح من قبل المعنيين (المهاجرين غير الشرعيين)، بل إلى التحريات التي تقوم بها المصالح المعنية “، مبرزا أنه ” يتم تسجيل ما معدله 500 محاولة دخول إلى التراب الوطني يوميا بطريقة غير شرعية عبر حدودنا الجنوبية “.
وتتعرض الجزائر في الآونة الأخيرة إلى جملة من التقارير الحقوقية التي تصنفها في الخانة الحمراء بالنسبة للدول الخطيرة على المهاجرين غير الشرعيين رغم إمضاءها على اتفاقيات دولية بسبب عمليات الترحيل الجماعية التي تقوم بها دوريا، كما تعرضت للانتقاد من طرف وزير الداخلية النيجيري محمد بازوم الذي أشار إلى أنها ” ترسل خلال عملية الترحيل بمهاجرين سريين غير نيجيريين إلى بلاده “، وكان وزير الداخلية نور الدين بدوي قد كشف أن عمليات الترحيل خلال 3 سنوات الأخيرة سمحت بترحيل حوالي 27 ألف رعية أجنبية مقيمة بصفة غير شرعية في الجزائر بطلب من بلدانهم الأصلية.
وفي سياق متصل، حذرت دراسة صادرة قبل أيام حول أوضاع المهاجرين الأفارقة بالجزائر عن معهد الدراسات الأمنية بإفريقيا بجنوب إفريقيا، من ” إمكانية تطرف المرحلين، وعلى هذا الأساس يمكن للتنظيمات الإرهابية أن تستثمر في وضعيتهم لغاية عمليات التجنيد “، كما بينت الدراسة أن دوافعهم الأولى للهجرة هي ” اقتصادية بدرجة أولى نظرا لعدم وجود فرص شغل في بلدانهم الأصلية “، كما أحصت الدراسة ” 100 ألف مهاجر من مالي والنيجر وبوركينافاسو يعيشون حاليا في الجزائر “. وقال ذات المصدر أنهم ” يعيشون أوضاعا مزرية، وهم معرضون لتمييز كبير، يمكن أن يشكل أرضية خصبة للتطرف “.
وأغلق اتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عام 2016 الطريق البحري إلى الجزر اليونانية والذي سلكه قرابة مليون مهاجر في 2015. كما انخفضت حالات المغادرة من ليبيا، أقرب نقطة انطلاق رئيسية، بفضل دعم الاتحاد الأوروبي لخفر السواحل الليبي، كما أن إيطاليا تساعد تونس أيضا لمنع مغادرة القوارب نحوها. ما حول الجزائر لنقطة تجمع واستقطاب لآلاف المهاجرين السريين القادمين من منطقة جنوب الصحراء الكبرى ليس كما كان عليه الأمر سابقا أي للتوجه نحو أوروبا بحرا وإنما للاستقرار، وهو ما يظل يشير إليه مسؤولون جزائريون خلال لقاءاتهم التشاورية مع نظراءهم الأوروبيين على أن الجزائر لن تقبل أن تتحول إلى أرض استقرار لآلاف المهاجرين من دون وثائق رسمية، في الوقت ذاته تحتضن عشرات الآلاف من الأشقاء الأفارقة الذين يدرسون في الجامعات الجزائرية ويعملون بصورة طبيعية من دون أن يتم المساس بهم.
إسلام كعبش
الرئيسية / الحدث / مسؤول بوزارة الداخلية يواصل رده على التقارير الدولية :
الحكومة في هجوم معاكس حول ملف الهجرة السرية
الحكومة في هجوم معاكس حول ملف الهجرة السرية
مسؤول بوزارة الداخلية يواصل رده على التقارير الدولية :
الوسومmain_post