اعتبر محللون وخبراء أمنيون أن الدبلوماسية الجزائرية تعود حاليا بقوة لتناول مختلف الملفات الإقليمية وتنطلق من أوراق قوية، ويرون أن البعد الافريقي أصبح اليوم من أهم الأبعاد في السياسة الخارجية للجزائر، وهي تسعى إلى تعزيز هذا العمق الإفريقي وهو ما تعكسه مجهوداتها الموجهة في هذا الإطار كالمساعدات الإنسانية والمرافقة والتعاون مع مختلف الدول الإفريقية خاصة منها المجاورة، كما أكدوا أن الجزائر تسعى للتواجد بقوة في القارة من خلال الجانب الاقتصادي وبعث التنمية، وهو الأمر الذي يتطلب لتحقيقه استقرارا أمنيا بمناطق الصراع، وهو ما تركز عليه الجزائر في كل مناسبة وتقدم لتحقيقه خدماتها كلعب دور الوساطة بين الأطراف المتنازعة.
ميزاب: “الجزائر عادت لتبني مكانتها الدبلوماسية في إفريقيا”
وفي هذا السياق، يقول الخبير في الشأن الأمني أحمد ميزاب في تصريح لـ “الجزائر”، أن “نشاط الدبلوماسية الجزائرية عاد وبقوة وهو مبني على نفس المبادئ الأساسية التي أسست عليها الدبلوماسية الجزائرية”، واعتبر أنه “لا يمكن الحديث على القدرة على مجابهة التحديات التي تحيط بنا إلا اذا عززنا عمقنا الإقليمي، والعمق الإقليمي هي القارة الافريقية”، وأضاف ميزاب أن “الجزائر تدرك حجم الأزمات في هذه القارة كما أنها تدرك حجم وفرص التنمية التي بالإمكان عن طريقها بناء مكانة قوية، وهي-أي الجزائر- تنطلق في بناء هذه المكانة من خلال استثمار علاقاتها مع الدول الافريقية خاصة منها المجاورة، وهذا ما سجل على أرض الواقع من تقديم مساعدات إنسانية للنيجر وليبيا ومالي وغيرها، والجزائر تسعى إلى أن تكون دول الجوار مستقرة “.
وأشار ميزاب إلى التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية صبري بوقادوم أمام الغرفة السفلى للبرلمان، والذي تحدث فيه على أهمية تحقيق الثلاثية “سيادة، أمن، تنمية” في ظل الظروف الإقليمية المضطربة، وقال ميزاب إن “تحقيق هذه المعادلة يتطلب محيط إقليمي مستقر، وهذا ما يحتم على الجزائر –حسبه- على أن يكون حضورها “قوي سواء كان في إطار مساعدات، أو تعاون أو مرافقة أو في إطار الوساطة في حل الأزمات”.
و أشار الخبير الأمني في هذا الصدد إلى جهود الجزائر المبذولة كالمساعدات الإنسانية التي قدمتها لمالي ودعمها للجيش المالي من خلال تسليم 53 مركبة وشاحنة عسكرية موجهة للجيش المالي للمساعدة في مكافحة الإرهاب والتطرف، وشدد ميزاب على ضرورة أن تستمر الجزائر في جهودها للحفاظ على ميثاق السلم والمصالحة بمالي، وأن تعمل على التواجد اقتصاديا أيضا بهذا البلد الحدودي، واعتبر أن استقرار الجزائر ينطلق من الحديقة الخلفية والتي تمثل كل من مالي ، تشاد، النيجر، ليبيا، وهو ما تسعى إليه الجزائر من خلال دبلوماسيتها.
وبخصوص تحركات الدبلوماسية في الملف الليبي، أكد ميزاب أن “موقف الجزائر قوي جدا مقارنة بباقي الدول الأخرى ذات الصلة بهذا الملف”، فالجزائر تتعامل ببعد البحث عن “الاستقرار والأمن” لهذا البلد، كونها تعتبر أمن واستقرار ليبيا من أمن واستقرار الجزائر، وهذا يشكل الفرق بينها وبين غيرها من الدول، وهذا ما يدركه جيدا الليبيون بكل أطيافهم ويجعلهم يثقون في موقف الجزائر.
كما أشار ميزاب إلى أن “الجزائر تربطها علاقات مع كل الدول ذات الصلة بالقضية الليبية، ما يسمح لها بأن تلعب دورا كبيرا ومحوريا ودور الوساطة بين مختلف الفاعلين في هذا الملف”.
ويرى ميزاب في الأخير أن الدبلوماسية الجزائرية “تعود بقوة لتناول مختلف الملفات الإقليمية وتنطلق من أوراق قوية”، كما اعتبر أن طريقة تعاطيها مع هذه الملفات “إيجابيا” ويقدم مؤشرات على أنها في “الطريق الصحيح”.
ماروك: “البعد الإفريقي من أهم الأبعاد التي تركز عليها الدبلوماسية اليوم”
من جانبه، قال المحلل السياسي لزهر ماروك في تصريح لـ”الجزائر”، أن “الدبلوماسية بعد رئاسيات ديسمبر 2019 عادت لتأخذها مكانتها الطبيعية على المستويين الإقليمي والدولي، والجزائر اليوم تسعى لتعزيز مكانتها في إفريقيا وأن تكون طرف مؤثر وفعال في القضايا الافريقية وذلك من خلال دعم ومساندة هذه الدول”.
واعتبر ماروك أن “البعد الافريقي من أهم الأبعاد في السياسة الخارجية الجزائرية، وهو ما تعكسه مجهودات الجزائر الموجهة في هذا الإطار كالمساعدات الإنسانية المكونة من أدوية وأغذية ومساعدات طبية إلى دولة النيجر، لمساعدتها في مواجهة انتشار فيروس “كورونا” المستجد، و أطنان من المساعدات الإنسانية التي وجهتها إلى ليبيا، إضافة مساعدات الجزائر للجيش المالي والمتمثلة في شاحنات ومركبات لوجيستية عسكرية للمساهمة في ضمان الاستقرار والأمن في البلد الجار، وغيرها”، وهي كلها مساعدات حسب ماروك “تثبت أن الجزائر دولة تسعى لمساعدة الدول الإفريقية خاصة الفقيرة منها لمساعدتها على تجاوز أزماتها وضمان الأمن والاستقرار بها، خصوصا وأن للجزائر مصالح مشتركة مع هذه الدول”.
ويقول المحلل السياسي ذاته، أن “الجزائر لديها ورشة ضخمة، تتمثل في تعزيز وتعميق العلاقات الجزائرية الافريقية في كل الجوانب منها السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية”.
وبخصوص الوضع في ليبيا ودور الجزائر في هذا الملف، قال ماروك: “هذا البلد وصل إلى مستويات خطيرة بعد تدويل الملف ودخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط وروسيا لتصبح المواجهة بين هذين الطرفين، وكذلك مواجهة بين تركيا ودول الخليج، ما جعل فوضى كبيرة تعم القضية، خصوصا مع دخول الأسلحة والمرتزقة، وهذا كله أعاق مقاربة الجزائر التي ترتكز على جمع الليبيين على طاولة الحوار”، ويرى المتحدث ذاته، أن الجزائر اليوم مدعوة إلى تعزيز جهدها في فتح قنوات الحوار مع كل الأطراف الليبية سواء السراج، عقيلة صالح، حفتر، القبائل، والعمل على إقناعهم بوقف الاقتتال والعودة إلى الحوار”.
كما اعتبر المحلل السياسي أنه على الجزائر في هذا الملف العمل على تكثيف الاجتماعات مع دول الجوار الليبي، وأن تتحرك بقوة على مستوى الاتحاد الافريقي.
واعتبر المتحدث ذاته، أنه “لا بد اليوم في إطار هذا الملف الليبي التفكير في إرسال قوات إفريقية لحفظ السلام بليبيا”.
رزيقة.خ