يتحدث الدكتور عبد المالك مرتاض في حوار مع “الجزائر” عن مسيرته الأدبية الزاخرة، التي توجها بعدد معتبر من الإصدارات في مجال الشعر والرواية، والدراسات الأكاديمية…، فضلا عن تجاربه وهو في لجان تحكيم عدد من البرامج التلفزيونية التي تخص الشعر على غرار “أمير الشعراء” الذي تبثه قناة إماراتية…
مرتاض وهو أستاذ جامعي وأديب حاصل على الدكتوراه في الأدب، مولود في ولاية تلمسان، شغل منصب رئيس المجلس الأعلى للغة العربية (2001)، وشغل 2011 كأستاذ لمقياس الأدب الجزائري، يعد مرجعا في الدراسات الأدبية والنقدية. كان عضوا في لجنة التحكيم لمسابقة شاعر المليون التي أقيمت في أبو ظبي… أثرى المكتبة الجزائرية بعدد كبير جدا من المؤلفات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، نهضة الأدب المعاصر في الجزائر (دراسة 1971 زواج بلا طلاق (مسرحية)، الألغاز الشعبية الجزائرية (1982 الأمثال الشعبية الجزائرية (1982 الخنازير (رواية 1988)، دماء ودموع (دار البصائر، الجزائر، (2011)، نار ونور (رواية، دار الهلال القاهرة 1975، دار البصائر، الجزائر 2011)، وادي الظلام(رواية، دار هومة، الجزائر، 200 بنية الخطاب الشعر ألف ياء تحليل سيمائيّ لقصيدة أين ليلا القصة في الأدب العربي القدي أدب المقاومة الوطني الإسلام والقضايا المعاصر الأدب الجزائري القديم دراسة في الجذور، عناصر التراث الشعبي (دراس مرايا متشظية (رواي فن المقامات في الأدب العربي (دراسة)…فيما يلي نص الحوار:
– بداية أثريت الساحة الأدبية بمجموعة قيّمة من الإصدارات في مجال الرواية، القصة، النقد، كما كنت أوّل رئيس للمجلس الأعلى للغة العربيّة في الجزائر، هذا المجلس الذي أسّستَه من العدم… باعتقادك هل استطاع المجلس أن يرتقي بلغة الضاد؟ وكيف ذلك؟
تسألينني عن شيء يثير في نفسي شجناً، وفي قلبي حَزَناً؛ فعلى الرغم من أنّ الأستاذ الدكتور صالح بلعيد، الرئيس الراهن لهذا المجلس، وجْهٌ مشرق للثقافة الوطنيّة، وأحد المتضلعين من العربيّة، على ما يبذل من جهد شاقٍّ في إيقاد الخامد، وتحريك الجامد؛ إلاّ أنّي لست راضيا عما يجري فيه؛ ذلك بأنّ النّصوص الرسميّة التي تنظّم هذا المجلس هو أن ينهضَ بتعميم استعمال اللغة العربيّة، وهو الآن لا يفعل شيئاً كثيراً من أجل ذلك بحكم أنّ رئيسه يشتغل وحدَه، والحال أنّ هذه الهيئة ليست وزارة من الوزارات، بل هي مجلس يتألّف من سبعة وثلاثين عضواً، وبتنشيط ثلاثة مكاتب يرأسها ثلاثة رؤساء ينتخبهم دوريّاً زملاؤهم… في حين أنْ لا شيءَ من هذا قائم في أمره. بل بمجرد أن انتهت العهدة الأولى للأعضاء الذين عُيّنوا أولُ، وهي خمسُ سواتٍ، تفرّقوا شَذَرَ مَذَرَ، وتُرِك الرئيس يتخبط وحدَه بمحاولة فعل المستحيل الذي لا يُدرَك! ونحن نرى أنّ الوظيفة الرسميّة لهذه الهيئة هي تعميم استعمال اللغة العربية في الإدارة العموميّة، وفي مراحل التعليم الثلاثِ، وبما فيها الطِّبُّ الذي وقع الإصرار على تعليمه باللغة الأجنبيّة تعنتاً؛ وتنقيَة المحيط العام (الشوارع، لافتات المتاجر، واجهات الهيئات) الملوثِ باللغة الأجنبيّة تلويثاً، وكأنا نعتزي إلى بلد مقرُّه ما وراء البحر.
وإذا كان هذا قد تم، وأن العربيّة معمَّمة الاستعمال، وأنّ المحيط نقيّ من كلّ ما يلوّثه من اللغة الأجنبيّة، فإنّ مهمّة هذا المجلس يجب أن تنتهيَ، ويعوّضها، حينئذ، المجمع الجزائري للّغة العربيّة الذي من رسالاتِه العلميّة ترقيةُ اللغة العربية (نتحدث هنا عن الترقية وليس عن التعميم)، وإيجاد المصطلحات العلميّة لِمَا يجِدّ في حقول المعرفة والحياة. لكن المجلس الأعلى للغة العربيّة لا يعدو، راهناً، أن ينهض بعمل مكتبيّ، وبإصدار كتبٍ هي في الأصل ليست من اختصاصه. وأمّا المجمع الجزائريّ فقد وُلد ميّتاً فلم يُعَيّن له إلى اليوم ما ينص عليه قانونه التأسيسي من العلماء الجزائريّين (في العربيّة، وفي الطّبّ، والعلوم، وفي التقانة…) لينطلقوا في بحوثهم الأكاديميّة التي نفترض أنّها تكون مفخرةً للجزائر وأيَّ مَفْخرةٍ. هذا هو الوضع القائم. نصِفه كما هو، ولا حيلةَ لنا في تغييره.
– سمعنا أن لك أعمالا كاملة تنتظر دورها في النشر.. إلى أين وصلتِ الخطوة؟
لقد أثرتِ في نفسي هماً مقيماً، وحُزْنا دفيناً، وليس لي إلاّ أن أذكر قول الشاعر العربي القديم:
قَعِيدَكِ أنْ لا تُسْمِعينِي مَلامةً ولا تَنْكئِي قرْحَ الفؤادِ فَيِيجَعَا
لعلّ كلّ زملائي الأدباء وهم في الجزائر قليلٌ كالكِرام، والكتّابِ أيضا، نشرتْ لهم وزارةُ الثقافة أعمالَهم، فأثلجت صدورَهم وأسعدتْ أحوالَهم، إلاّ كتبي أنا فإنّها لم تُنشر. وقد سعَيْنا، وسعينا، مع الوزيرة السابقة، ومع هذا وزير الثقافة عز الدين ميهوبي أيضاً، وفي كلّ مرّة كنّا نلاقي عَنتاً، ونصادف تأَبِّياً وتعنُّتاً، ما جعلَنا نعتقد أنّ الجزائر صارت بين الدول فقيرة محرومة سائلة، فهي لا تَسْتطِيع نشْرَ أعمالنا، بعد أن نُشرتْ كلّ كتب الآخرين حيثُ وزارةُ الثقافة غنيّة. فحين تمخض الأمرُ لكتبنا أصبحتْ هذه الوزارة فقيرة محرومةً، بل مُعْدَمة، فالله المستعانُ. ولمَ لم تنشرْها أولا؟ وما كان ظلَمَها عن ذلك ظَلْماً؟ وعلى أنّي أوقن، أو أكاد، أنّ كتبي لن تنشرها وزارة الثقافة في حياتي أبداً. وقد يكون ذلك حين أموت، وها أنا أمنع عليها، من خلال هذا الحوار الأدبي الذي ينشر في جريدة “الجزائر”، أن تسطُو على عملي الفكريّ فتنشره في مماتي.
وأمّا ما يعود إلى الإصدارات فإنّي أنشر كتبي الأخيرة، وحتّى ما يعاد طبْعُه منها، في المشرق العربيّ، إلاّ ما له صلة بالجزائر فإنّي أحتال كيف أنشره في إحدى دُور نشرنا المسكينة الفقيرة الكاسدة، لأنّ الكتاب هو آخر بضاعة تنفُقُ في السوق لدُنّا.
– بالحديث عن تجربتك في برنامج «أمير الشعراء» في أبو ظبي، و«شاعر الجزائر» الذي تبثّه قناة «الشروق»… هل تعتقد أنّ مثل هذه البرامج من شأنها أن ترتقيَ بمستوى الشعر، خاصّة إذا ما قلنا: إنّ الكثير من الشعراء شكّك في مصداقيّتها؟
لماذا التشكيكُ في مصداقيتها؟ وبأيِّ منطق يقع هذا التشكيك؟ وإلى أيّ مُستنَد يستند في تشكيكه؟ وما البديل غيرُ ذلك لدفْع الشعريّة العربيّة إلى التفوّق والازدهار والانتشار؟ لعلّ الذين يشكّكون في جدوى مثلِ هذا المسابقات التي يجب أن نغض عليها بالنواجذ، إمّا هم حاقدون على الهيئة التي تنظّم مثل هذه المسابقات الراقية النزيهة التي يتبارَى مِن على منبرها الشعراء العرب لسبب من الأسباب التي نجهلُها، ولا نعرفها؛ فيُشَقْشِقون بحناجرهم، ويهدِرون بأصواتهم، فيُعيدون إلى الشعر العربيّ حياتَه وألَقه ووظيفته. وإمّا أنّهم شاركوا فيها، فقصُرت هِمَمُهم عن أن ينالوا منها، أو فيها، أي منزلة ينزلونها. وليست الملامةُ على المسابقة، ولكنِ الملامةُ عليهم تُلْقَى.
وأمّا فيما يتمخض لمسابقة «أمير الشعراء» فإنّ الشعراء العرب يجتمعون على صعيد واحد، وكثيراً ما يبلغ عدُدهم بعد التصفيات الأولى من ثلاثمائة إلى أربعمائة، في المقابلات المصوّرة غيرِ المباشرة، فيعرف بعضهم بعضاً، ويتبادلون التجارب الشعريّة، ويَظهرون تحت الأضواء الكاشفة، ربما لأول مرّة، فيعلو شأنُهم، ويَذيع صِيتُهُم، فيكون لذلك ما بعده حتما. وأما النتيجة في آخر الأمر، فهي مسابقة ولا ينال إمارة الشعر إلاّ شاعرٌ واحدٌ.
ولا يقال إلا نحو ذلك في مسابقتي «شاعر الجزائر»، و«شاعر الرسول»، اللتين تنظمهما قناة «الشروق»، بالنسبة إلى الشعراء الجزائريّين الذي يجتهدون في اختراق الأرض، وفي بلوغ الجبال طولا. فإذا شأنٌ يُرْفَعُ، ومكانٌ يعلو، وصِيتٌ يَذيع، وإذا الشاعر الجزائريّ يغتدي معروفاً خارج قريته أو مكتبته، فيسمع الناس شعره، ويشاهدون صورته، وقد يحكمون له أو عليه، فيكتسب أشياعاً وأتباعاً، ويمسي نجماً مُؤتَلقا في السماء العليا. فماذا فعل المشكّكون في مصداقية هذه الفعاليّات الشعريّة التي لم يسبقْ لها في التاريخ وجود، لكي
– في الأخير… كيف تفضل أن تختتم الحوار؟
شكرا لك وشكرا لجريدة “الجزائر”، ويسعدني بالمناسبة أن أحيي زملائي الأدباء، وأتمنى أن يجد كل الأدباء الجزائريين الذين كان يعدمهم منبرا جيدا يعبّرون مِنْ عليه بكلمتهم الجميلة، فينشرون أفكارهم وآراءهم، ويشيعون بفضل ذلك ثقافة الأدب الرفيع الذي نفتقر إلى قراءته، يبقَى أن أسأل الله التوفيقَ لكل من يخدم الأدب والثقافة.
صبرينة كركوبة