الإثنين , ديسمبر 23 2024
أخبار عاجلة
الرئيسية / الوطني / الخبير الإعلامي الأكاديمي رضوان بوجمعة لـ "الجزائر":
“الدور الدعائي للصحافة الورقية انتهى وأصبحت تقوم به القنوات التلفزيونية”

الخبير الإعلامي الأكاديمي رضوان بوجمعة لـ "الجزائر":
“الدور الدعائي للصحافة الورقية انتهى وأصبحت تقوم به القنوات التلفزيونية”

في هذا الحوار يتناول الدكتور رضوان بوجمعة الأزمة التي تعرفها الصحافة الورقية في الجزائر والعالم والمرحلة الانتقالية من نموذج اقتصادي بني على عهد رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش إلى نموذج آخر لم تعرف هويته ويتعين على أصحاب المهنة العمل على بنائه لتفادي الموت الحقيقي للصحافة الورقية حيث توقع أن يتواصل اختفاء العناوين الصحفية وأن لا يصمد منها إلى القليل أمام تراجع الحاجة إليها سياسيا واجتماعية أمام تنامي دور السمعي البصري والصحافة الإلكترونية وتراجع الإشهار العام والخاص بشكل رهيب في السنتين الأخيرتين. ودعا محدثنا إلى إحياء صندوق دعم الصحافة الورقية والصحافة الرقمية وتوجيههما لخدمة المهنة.

‪-‬ احتجبت صحيفة “لاتريبون” بعد 22 سنة من الصدور، كيف تقرأون غياب هذه الجريدة التي واكبت مختلف محطات التعددية في الجزائر؟
لا بد في البداية من القول بأن جريدة “لاتريبون”، كانت منذ تأسيسها خاصة في عهد الراحل خير الدين عميّر من أكثر الجرائد اتزانا، كما أن المؤرخين سيسجلون أن “لاتريبون” كانت من الجرائد القليلة في تسعينيات القرن الماضي التي رفضت الاصطفاف وراء حملات تشويه المعارضة، كما رفضت ممارسة إعلام الكراهية الذي اتخذته غالبية الجرائد مقابل الملايير من ريوع الإشهار ومن مسح الديون لدى المطابع العمومية والتهرب الجبائي المنظم وغيرها من الممارسات التي كانت هدية السلطة لمدراء الصحف الذين اصطفوا وراءها في سياسة الكل الأمني الرافض لأية تسوية سياسية للأزمة. كما أن التاريخ سيسجل أن وفاة مدير “لاتريبون” خير الدين عميّر كانت بداية للموت المهنية للجريدة، قبل أن تموت اقتصاديا وتجاريا.
إن موت جريدة “لا تريبون” هو استمرارية لفشل عام يعرفه المجال الإعلامي والسياسة الإعلامية، وهو عدم القدرة على تطوير نموذج اقتصادي يسمح بممارسة المهنة الصحفية في إطار الخدمة العمومية، وخدمة الجمهور وفي إطار احترام أخلاقيات المهنة. واحتجاب “لاتريبون” هو استمرارية لوفاة عشرات العناوين في الأشهر الماضية، لعل أهمها جريدة “المجاهد الأسبوعي”، التي تشكل ميراثا تاريخيا مهما في حياة الجزائر المكافحة المعاصرة، وسيتبعها في السنتين القادمتين موت العشرات من العناوين، وهو ما ينبئ بنهاية عهد وبداية آخر، نهاية نموذج وبداية لنموذج آخر، ومهما يكن لا أعتقد أن موت الصحف أو استمراريتها قد يغير الكثير من الأشياء ما لم يتغير النسق السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الجزائر، لأن التعددية الإعلامية الحقيقية غير موجودة، فتعدد العناوين ليس مؤشرا كافيا لإقرار وجود التعددية، خاصة أن الأغلبية الساحقة لهذه العناوين تعيد إنتاج الخطاب المهيمن، لذلك قلتها في مناسبات عديدة، وأكررها اليوم أن التعددية الإعلامية ليست هي العددية الإعلامية.

كيف ترون مستقبل الصحافة الوطنية الورقية في ظل المتغيرات التي طرأت على الإعلام داخليا وخارجيا؟
لا يمكن تصور مستقبل الصحافة الورقية بوجه خاص والإعلام بوجه عام، خارج التغيير في السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلد، لكن ما يمكن إقراره أن الصحافة الورقية في الجزائر تعيش أزمة حقيقية، وهذه الأزمة بنيوية، توجد بعض مؤشراتها في الأزمة العالمية للصحافة الورقية، وتجد الجزء الآخر من مؤشراتها في أزمة النموذج الاقتصادي للصحافة الورقية، ولأزمة منظومة الحكم التي أنتجت الغالبية العظمى من هذه العناوين الصحفية، لأهداف سياسية تتعلق بالتسويق السياسي للنظام في الخارج بصناعة صورة البلد الذي يعرف تعددية إعلامية كبيرة،‪ ‬وعلى الصعيد الداخلي بنشر ما يمكن تسميته بالتلوث الرمزي الذي يجعل من السهل ممارسة الدعاية ضد كل من يطالب بتغيير عميق لمنظومة الحكم، كما أن الكثير من العناوين التي لا يقرأها حتى رؤساء تحريرها استخدمت كدعامة إشهارية، من أجل الاستفادة من ريوع الإشهار العمومي. وكل هذا تقلص اليوم بسبب أزمة اقتصادية ومالية خانقة تعرفها الجزائر بعد انهيار أسعار النفط، أزمة انعكست على سوق الإشهار، وأزمة تجعل الحكومة في وضعية صعبة لا تمكنها من الاستمرارية في ضخ أموال الإشهار والطباعة والتوزيع لصحف لم تعد اليوم بحاجة إليها، لأن مبررات وجودها انتفت، والسلطة لم تعد بحاجة إليها، خاصة أن الدعاية السياسية التي كانت تمارسها السلطة باستغلالها لهذه الصحف كدعامة دعائية، أصبحت تقوم بها قنوات تلفزيونية خاصة، تمارس ما يسميه تشاخوتين بالاغتصاب الجماعي للجماهير عن طريق الدعاية السياسية.

هل دخول القنوات التلفزيونية الخاصة والانفتاح السمعي البصري يسمح بالقول إن الصحافة الورقية في حالة موت سريري؟
هذا السؤال مهم، رغم أنني أعترض على كلمة انفتاح السمعي بصري، لأنني أعتقد أن ما تم يمكن وصفه بأنه فتح مغلق للمجال التلفزيوني، فتح مغلق بمفهوم أنه فتح يؤدي لغلق المجال التلفزيوني على التعددية الموجودة في المجتمع، وانفتاح على تعدد وتناقض شبكات المصالح المشكلة لمنظومة الحكم والتي تتصارع على النفوذ والسلطة والمال والريع، والتي ستؤدي حتما لغلق المجال أمام كل مبادرة إعلامية جادة.
أما عن علاقة أزمة الصحافة الورقية بظهور القنوات التلفزيونية، فهي علاقة أكيدة، فالقنوات التلفزيونية التي ظهرت سنة 2012 في خضم أحداث ما يسمى إعلاميا بالربيع العربي، جاءت في إطار أجندات سياسية واضحة، كان الهدف منها ممارسة دعاية مضادة للقنوات التلفزيونية الدولية التي تبث باللغة العربية، والتي كانت تمارس دعاية أخرى لتضخيم وتأجيج الشارع في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والنتيجة، أن هذه القنوات التي ليس لها هوية قانونية جزائرية، ولا تدفع الضرائب، وتحول أموالا بعشرات الملايين من الدولارات للخارج لدفع تكاليف البث بالأساس بشكل غير قانوني، أصبحت تشكل وجهة إعلانية أساسية على حساب الصحافة المكتوبة، وبمقابل هذه فإن سحب الصحف الورقية في السنوات الخمس الماضية أي منذ ظهور القنوات التلفزيونية الخاصة إلى اليوم تقلص بمعدل يتراوح بين 40 و60 بالمائة، كما أن الإشهار في الصحافة المكتوبة لم يعد أولوية للكثير من الشركات، التي أصبحت تستثمر في شبكات التواصل الاجتماعي بميزانيات محدودة جدا، وبفاعلية إشهارية أكبر، كما أن القنوات التلفزيونية الخاصة التي يقدر عددها اليوم بأكثر من 44 قناة تلفزيونية، والتي تعمل دون أي ضبط لعملها المهني والإشهاري، تعرض خدماتها لبث الومضات الإشهارية التلفزيونية بأسعار بخسة لا يمكن للصحافة المكتوبة أن تنافسها، مما دفع بالكثير من الشركات لتغيير استراتيجياتها الإشهارية، واستبعاد شامل للصحافة المكتوبة كدعامة إعلانية لها.
هذا الواقع الذي تعاني منه المؤسسات الصحفية منذ بداية سنة 2015، اعترف به حتى وزير الاتصال السابق في أكتوبر من سنة 2016، حين أعلن عن تراجع كبير في حجم الإشهار العمومي بنسبة 65 بالمائة خلال سنتي 2015 و2016، مرجعا ذلك إلى الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة، مع الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعرفها الجزائر.
كما أن تراجع الإعلانات غير متعلق فقط بالإعلانات العمومية والحكومية، بل لم يستثن القطاع الخاص، بسبب آثار الأزمة المالية والاقتصادية، وتراجع الاستثمارات المباشرة أو غير المباشرة، الوطنية أو الخارجية، ففي قطاع صناعة وبيع السيارات مثلا، يشير بعض المتخصصين في السوق الإشهارية، إلى أن هذا القطاع الذي كان ممولا رئيسيا بإعلاناته للصحافة المكتوبة، تراجع كثيرا في الاستثمار الإشهاري، إذ أن استثمارات الإعلانات المنشورة في الصحف اليومية تقلص بما يقارب 50 بالمائة وهو التراجع الذي سيستمر في السنوات الخمس القادمة حسب العديد من المتخصصين.
وما يزيد من متاعب الصحافة المكتوبة في هذا المجال، هو استمرار احتكار ما تبقى من الإشهار العمومي من قبل الحكومة، وهو الاحتكار ساري المفعول منذ 19 أوت 1992، من خلال تعليمة أحد رؤساء الحكومة السابقين، كما أن هذا القطاع يبقى يسير دون قانون ينظم سوق الإشهار والإعلانات.

هل تحول الصحف الورقية نحو الرقمي مثلما تفعل الصحف الغربية العريقة أمر يساعدها للبقاء عوض الإندثار؟
تبين كل المؤشرات أن هوامش المناورة لدى الصحافة الورقية في الجزائر، أصبحت محدودة جدا، وأن كل المعطيات تؤكد أن مسار موت العديد من الصحف الورقية سيتسارع في الأسابيع، وفي الأشهر وفي السنتين القادمتين، وأن تحديات بقاء بعض العناوين الصحفية في الساحة باتت كبيرة. ويمكن القول إن أكبر هذه التحديات اقتصادية، إذ لا بد من التفكير في بناء نموذج اقتصادي يجمع بين الورقي والرقمي، ويمكن القول إن العناوين المرشحة لمقاومة هذه الظروف الصعبة لن تتعدى في كل و أحسن الحالات خمسة إلى ستة عناوين.
ويمكن القول في هذا الإطار إن النموذج الاقتصادي الذي ولد مع إصلاحات حكومة حمروش، والذي أعطى الأدوات القانونية والمالية لملكية الصحفيين لصحفهم الخاصة، هو نموذج دخل في حكم الماضي، ولذلك من المحتمل جدا أن لا تبقى إلا العناوين الصحفية المرتبطة اقتصاديا بكبار رجال المال والأعمال، أو الصحف الحكومية المرتبطة بريع الإشهار العمومي والأجندة الدعائية لمنظومة الحكم.
كما أن التحدي الثاني لهذه الصحف التي يمكن أن تواصل صدورها هو تحد تحريري مهني، فهذه العناوين مطالبة بأن تعمل على إعادة النظر في عملها التحريري وفق تغيرات الممارسة الإعلامية بسبب منافسة صحافة الواب، بالإضافة لمنافسة شبكات التواصل الاجتماعي للعمل الصحفي المحترف بكل أبعاده الورقية والرقمية والمسموعة والمرئية.
ولذلك لا يمكن للصحف الورقية في الساحة تفادي الموت المحتوم دون صياغة استراتيجيات واضحة لإنجاح التحول الرقمي في الصحافة المكتوبة، مع تقييم المحاولات السابقة، وهو ما لا يمكن أن يتم إذا لم يتغير الإطار السياسي، والتشريعي، والتنظيمي والإجرائي لكل المنظومة السياسية، والاقتصادية والمالية والمؤسساتية التي تؤثر في الصناعة الإعلامية بشكل مباشر.
وأن هذه الصحف إن لم تتأقلم مع التحول الرقمي، والاستعداد لتطوير نموذج اقتصادي يجمع بين استرتيجية تسويق الورقي مع الصيغة الرقمية، فإنه من المحتمل أن ألا تبقى إلا خمس أو ست جرائد ورقية وفي أحسن الحالات.
أما عن الصحافة الإلكترونية، فإنه يمكن القول إن النموذج الاقتصادي للصحف الإلكترونية يتميز بثالوث مشكل من ضعف موارد الإعلانات ومن سياسة تحريرية قائمة على نشر المادة الإعلامية بسياسة الكل المجاني، بالإضافة إلى الهشاشة الاقتصادية التي تتميز بها كل الصحافة الإلكترونية التي لا يمكن أن تستمر دون تدخل استثمارات رجال المال والأعمال. ودون مساعدات السلطات العمومية لتشجيع المادة الإعلامية الجزائرية على الشبكة، ودون وجود إرادة للقيام بانفتاح سياسي حقيقي.
فتطوير الصحافة الرقمية يمر حتما عبر رفع مجموعة من التحديات الاقتصادية والسياسية والتقنية والتكنولوجية والتشريعية والمهنية، والتي يمكن التأكيد أن البعض منها يصعب الوصول إليها على المدى القريب والمتوسط.
ومهما يكن، فإن التحدي المشترك للصحافة الإلكترونية والورقية، يبقى البحث عن تحسين الأداء المهني للصحفيين، من أجل بناء هوية مهنية تحقق حق الجمهور في الإعلام، وواجب الصحفيين في ممارسة مهنية تحترم أخلاقيات المهنة، وقواعد الممارسة الإعلامية النظيفة التي تنقل الإعلام من منظومة الدعاية والإشهار، إلى منظومة الإعلام والإخبار.

ألا ترون أنه من الضروري على الدولة مساعدة الصحف للصمود أكثر في وجه الأزمة؟
مساعدات الحكومة منذ سنة 1989 للصحافة كثيرة ومتعددة الأشكال، لكنها مساعدات انتقائية وغامضة وغير شفافة، أعطيت للبعض بسبب الولاء ولعلاقتها بالشبكات النافذة في منظومة الحكم، وأغلقت على البعض الآخر لأسباب سياسية محضة، وهو ما يدعونا كمجتمع لأن نطالب بفاتورة ملايير الدينارات التي صرفت على هذه الصحف، من إشهار ومسح للديون لدى المطابع العمومية، وتسهيلات ضريبية وغيرها من المساعدات.
كما أعتقد أنه من الضروري إنشاء صندوق لدعم الصحافة الورقية وصندوق خاص لدعم الصحافة الإلكترونية، خاصة أن الجزائر على شبكة “الواب” لا محل لها من الإعراب، الجزائر متخلفة جدا على الشبكة، وهو وضع غير صحي، لكن من الضروري أن تعتمد معايير واضحة ودقيقة في توزيع المساعدات، يكون حق الجمهور في الإعلام وفي الخدمة العمومية في عمق فلسفتها، كما أنه من الضروري أن يخضع هذا الصندوق للرقابة البرلمانية ولمتابعة الصحافة ونقابات وجمعيات الصحفيين، حتى يستفيد منه الصحفي والجمهور، لا مدراء المؤسسات الإعلامية وأرباب المال.
إسلام كعبش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Watch Dragon ball super