يرتبط القطاع الفلاحي ارتباطا شبه مطلق بالمناخ، وبالنظر للتغيرات المناخية التي يشهدها العالم والجزائر ضمنه يتوجب تغيير النمط الزراعي بحسب خبراء عبر الإعتماد على الزراعات المتخصصة والزراعات الإستراتيجية لعدة اعتبارات وعلى رأسها التغيرات المناخية، وملائمة هذه الزراعات للظروف الحالية، ولأهمية هذه الزراعات في تحقيق الأمن الغذائي.
بالنظر لكون الجزائر من بين الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، والمصنفة ضمن المناطق الدافئة ما يجعلها أكثر عرضة للتغيرات المناخية، وعلى رأسها ارتفاع درجة الحرارة وانخفاض كمية تساقط الأمطار، كما تشير التوقعات إلى أن منطقة شمال إفريقيا ستشهد تراجعا في كميات تساقط الأمطار بنسبة 20 بالمئة إلى 25 بالمئة، بحلول عام 2050 بالإضافة إلى إمكانية التعرض للجفاف المتكرر والأكثر حدة.
وقد وضعت الحكومة بناء على هذه التغيرات المناخية، إستراتيجية جديدة في المجال الفلاحي، كونه من بين أكثر القطاعات عرضة لتأثير التغيرات المناخية، كما أن لها تأثير كبير على مردودية محاصيل زراعية معينة، ما يتوجب حسب الخبراء تغيير هذا النمط وفقا ما يتلائم مع المناخ الجديد، لضمان مردودية في الإنتاج، وتطوير الإنتاج في المحاصيل الأخرى التي تلائم المناخ الجديد.
خبير يؤكد أن التغيرات المناخية تستدعي تغيير النمط الزراعي
وفي هذا الصدد، أكد الخبير الفلاحي، لعلا بوخالفة، على ضرورة التأقلم مع التغيرات المناخية في المجال الفلاحي عن طريق توجيه الزراعة حسب خصوصية كل منطقة، كتوجيه زراعة الحبوب نحو الجنوب بصفة أكبر وزراعة الأشجار المثمرة بالهضاب العليا والخضر والفواكه بالمناطق الساحلية، لضمان مردودية أفضل وللتغلب على المشاكل والخسائر التي قد تحدث نتيجة هذه التغيرات المناخية.
وقال بوخالفة لـ”الجزائر” إنه “لا بد من استخلاص العبر والدروس من التغيرات المناخية التي تحدث حاليا والتي أثرت بشكل واضح على الزراعة، خاصة وأن هذه التغيرات هي ظواهر طبيعية وستستمر لمدة طويلة، ما يستدعي التحرك لوضع نموذج زراعي يتماشى مع الوضع المناخي الجديد”.
ويرى الخبير الفلاحي أنه “لتفادي الكثير من الخسائر التي تلحق بالمحاصيل الزراعية نتيجة التغيرات المناخية، من شح الأمطار أو تأخر نزولها أو اضطراب نزولها والجفاف والحرارة المرتفعة، لا بد من التوجه نحو الزراعات المتخصصة، حيث تخصص كل منطقة لزراعة أنواع من الأشجار والثمار وفقا لما يتلائم وطبيعتها ومناخها”.
وأشار في هذا السياق إلى إمكانية توجيه زراعة الحبوب أكثر نحو المناطق الجنوبية، من قمح شعير وخرطال، إضافة إلى النباتات الزيتية مثل عباد الشمس والصوجا، وأكد أنه بالإمكان تحقيق مردودية تقدر بـ80 قنطار في الهكتار في الزراعات الاستراتيجية، خاصة منها الحبوب، إذا ما تم التوجه نحو الزراعات في الجنوب، وهو ما يضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه المواد، و المقدر بـ80 مليون قنطار دون احتساب المخزون الاستراتيجي.
وأوضح الخبير الفلاحي في هذا السياق أن المعدل السنوي لمردودية الحبوب حاليا تقدر بحوالي 17 ألف قنطار في الهكتار، وفيما تعمل الجهات الوصية على بلوغها 60 إلى 70 قنطارا في الهكتار، غير أنه يمكن بلوغ 80 قنطارا في الهكتار إذا ما تم تكثيف زراعة الحبوب بالمناطق الصحراوية التي تتوفر على كل الشروط لنجاح هذه النوع من الزراعات، سواء من شساعة الأراضي، أو من حيث توفر المياه جوفية ولا تعتمد على تساقط الأمطار كما في المناطق الشمالية، توفر الطاقة، الخبرة، والإمكانيات المالية.
غير أن بوخالفة شدد على ضرورة أن تكون هناك مرافقة ومراقبة ميدانية لتحقيق هذا الرقم من المردودية في الزراعات الإستراتيجية في الجنوب، سواء تعلق الأمر باختبار البذور ذات النوعية الجيدة، احترام المسار التقني واحترام أوقات استعمال الأسمدة مع اختيار المناسبة منها، السقي وغيرها.
واعتبر أنه يمكن اعتماد زراعة الأشجار المثمرة من شجرة الزيتون والمشمش، والجوز والتفاح وغيرها بالمناطق الداخلية -هضاب عليا- بالنظر لطبيعة المناخ بالمنطقة والذي يتلاءم من هكذا أنواع من الزراعات، مع تخصيص المناطق الساحلية لزراعة مختلف أنواع الخضر إضافة إلى أنواع من الفواكه، ويرى أنه عن طريق تخصيص لكل منطقة زراعة معينة وفقا لطبيعتها وخصائصها يمكن بلوغ نتائج جيدة في مختلف الشعب الفلاحية، ومن ثمة تحقيق الاكتفاء الذاتي من العديد من المنتجات الفلاحية.
وأشار بوخالفة إلى أن 75 بالمئة من احتياجات البلاد من المواد الغذائية الفلاحية تنتج محليا، ويمكن عن طريق وضع الإستراتيجية المذكورة، بلوغ اكتفاء ذاتي 100 بالمائة، في مختلف الشعب الفلاحية، لاسيما الإستراتيجية منها، وذكّر بالأهمية التي توليها الحكومة لتطوير هذه شعبة الحبوب بالخصوص في الفترة الأخيرة، وتخصيصها لمحيطات واسعة في المناطق الجنوبية لزراعتها.
كما أشار في السياق ذاته، إلى الإهتمام الذي تحظى به زراعة النباتات الزيتية التي تستخلص منها الزيوت الغذائية، كعباد الشمس والصوجا والسلجم، واعتبر أن هناك تشجيعا كبيرا للمستثمرين في هذا المجال، كما شدد على أهمية استعمال وإدراج التقنيات الحديثة في المجال الزراعي والابتعاد عن الأساليب التقليدية.
رزيقة. خ