مر أكثر من شهر على بداية الحراك الشعبي في الجزائر، حراك أذهل الداخل والخارج بسلميته وتنظيمه ووضوح وجزالة أفكاره ومطالبه السياسية، في الدعوة أولا: بإسقاط مشروع العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة وهو ما تحقق ثم الذهاب نحو مرحلة انتقالية بدون مشاركة الوجوه التي تسببت في الأزمة الراهنة وهو ما لم يحصل بعد بسبب عناد السلطة التي تريد لوحدها قيادة المرحلة، في سابقة لم يعرفها تاريخ الشعوب التي ثارت ضد أنظمتها السياسية المستبدة.
بدأت في الآونة الأخيرة تتصاعد أصوات مختلفة تطالب الحراك الشعبي باختيار ممثليه للتفاوض باسمه عند أي دعوة للحوار مع الأطراف السياسية الممثلة للسلطة، أو خلال رحيلها المرتقب لاستلام المشعل، وهذه الفكرة تبنتها منذ البداية جبهة التحرير الوطني التي يرفضها الحراك بمعية باقي أحزاب التحالف الرئاسي، كما أن الوزير الأول السابق وأمين عام التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى كان أول من طالب بكشف هوية نشطاء الحراك بعد المسيرة الأولى من جمعة 22 فيفري، عندما قال أمام نواب البرلمان في شرحه لبيان السياسة العامة لحكومته بعد أيام قليلة “شكون قدور بن قويدر لي راه مور المسيرة ؟؟”.
في السياق ذاته، ترى الأستاذة بالمدرسة العليا للعلوم السياسية سهيلة برحو أنه من حق هذا الحراك التاريخي أن يفرز “تمثيل متوازن لتفادي الإقصاء الذي يؤدي للتطرف الذي نحن في غنى عنه”، وتؤكد الأستاذة برحو أن الحراك الجزائري “مكون من عدة أطراف، متنوع الرؤى، يحمل عدة مشاريع، سياسية، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، طاقات شابة، لم يكن بوسعها أن تظهر لولاه”.
ومن الواضح أن عقلية النظام الذي يعرف جيدا قواعد المناورة واللعب بورقة الخلافات وربح الوقت يفهم جيدا أن مواجهة خصم من دون أن يعرفه، ويكشف عن وجهه يعتبر مخاطرة قصوى قد تعصف بكينونته وبالتالي فهو يشير بدون عقدة إلى ضرورة إفراز هذه الانتفاضة الشعبية لوجوه ممثلة، قد تجد السلطة بطرقها المختلفة وتجربتها الكبيرة في الاختراق وقلب الطاولة على محاوريها، وقد عملت الإدارة في مختلف الولايات منذ الأسبوع الأول للحراك الشعبي، على “فبركة” ممثلين “وهميين” قيل بأنهم شباب الحراك، فانتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي لنشطاء من جمعيات ما يعرف بالمجتمع المدني المنتفعين من الريع، والتي سبق لها مساندة كل مشاريع السلطة في الفترة السابقة، في اجتماعات داخل مقرات الولايات لإفراز “نخبة” على المقاس، لكن فطنة نشطاء “الفايسبوك” سبقت الجميع وتم التأكيد أن “البطل الوحيد هو الشعب” وهو الشعار الذي رفعه الجزائريون بعد وقف إطلاق النار عام 1962 بين جبهة التحرير الوطني والدولة الاستعمارية الفرنسية.
ولذلك يؤكد الأستاذ الجامعي والباحث الأكاديمي، هارون عمر، أنه “يستحيل في مثل هذه المراحل إيجاد ممثلين للشعب خاصة في بلد مثل الجزائر الذي يعتبر قارة، ولهذا كنت قد اقترحت يوم 15 فيفري الماضي، تشكيل لجنة عقلاء من أجل تحضير أرضية محكمة لانتخابات يقول فيها الحراك كلمته ويعين ممثلين بالصندوق ويكون في هذه الحالة ممثلا بطريقة عادة كما يكون قد حصل على الوقت المناسب للنضج واستخلاص نخبه القادرة على قيادة المرحلة القادمة”.
وتابع المتحدث أنه “في اللحظات التي تنتفض فيها الشعوب تصبح السيطرة عليها شيء مستحيل والذي يجعلنا نفتخر أن كل ما حدث في الشارع كان سلميا بشكل تاريخي بالنسبة للجزائريين واستثنائي بالنسبة لما هو موجود في العالم، ولك أن تتخيل شعبا تكلم بعد 20 سنة من الصمت، الكل يعتبر أن لا أحد يمثله لأنه لا أحد حركه في الأصل”.
كما شكلت مرحلة التحاور بين السلطة وتنسيقية “العروش” بعد انفجار الأوضاع في منطقة القبائل عام 2001 فيما عرف بـ”الربيع الأسود” تجربة مميزة بالنسبة لنشطاء الحراك الشعبي حيث أنه بسبب تمثيل المتظاهرين في تلك الفترة انفجر الحراك القبائلي في خلافات حادة بعد الحوار مع رئيس الحكومة آنذاك أحمد أويحيى الذي استطاع جلب التيار الصعب داخل “العروش” للتحاور معه في قصر الحكومة فقيل يومها أنه حدثت فيما بعد صفقات بين بعض ممثلي هذه التنسيقية والسلطة وبعض الأحزاب السياسية الممثلة للمنطقة، خاصة عندما لم يتم تطبيق الاتفاق بين الطرفين، وهي التجربة التي قدمت صورة واضحة لكيفية تعامل النظام مع الحركات الاحتجاجية ذات الطابع السياسي مهما كان شكلها وتأثيرها وجغرافيتها.
في السياق ذاته، يبرز المدون والناشط الإعلامي عمار لشموت خصوصية هذا الحراك بأنه “أفقي وليس عمودي أو هرمي، فهو ليس حزبي أو فئوي ولا يحتاج إلى أسس بنائية أو ما يسمى تمثيلية، وهو موسع جغرافيا واجتماعيا أي يمتد إلى مختلف أنحاء الوطن ويضم مختلف الفئات والفعاليات المجتمعية”، مؤكدا أن قوته في المرحلة الحالية تتمثل في “تكتله العفوي في وجود خصم واحد يمتلك الأدوات في الاختراق والإغواء”.
إسلام كعبش
بعد مرور شهر من المسيرات السلمية:
الوسومmain_post