احتضنت أمس العاصمة الايفوارية أبيدجان القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي –الاتحاد الأوروبي، والتي تعد لحظة حاسمة في مستقبل العلاقات بين الطرفين، باعتبارها ستمكن صناع القرار بالقارتين، ومن ضمنهم رؤساء دول وحكومات، من صياغة جديدة لمعايير هذا الإطار التعاوني الذي بلغ سنته العاشرة.
وقد اعتبرت الجزائر هذه القمة ذات أهمية اقتصادية بالغة، إذ سارعت الحكومة ممثلة بالوزير الأول احمد اويحيى ووزير الخارجية عبد القادر مساهل، فور حط الرحال بالعاصمة الايفوارية إلى بحث الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع مختلف الدول المشاركة، دون أن تفوت فرصة الحديث عن التحديات الأمنية التي تواجهها البلدان الإفريقية، حيث أطلقت دعوات شددت فيها على ضرورة تسوية النزاعات وتصفية آخر المستعمرات، من خلال حلول سياسية نابعة من الأطراف المعنية.
الجزائر تبحث مشاريع التعاون الاقتصادي
وبهذا الخصوص، أكد وزير الخارجية عبد القادر مساهل أن الجزائر ستبحث قائمة مشاريع التعاون الاقتصادي، معتبرا المسألة ذات “أهمية استراتيجية”، والتي ستمكن دول الاتحاد الافريقي قاطبة من الحصول على تمويل الاتحاد الأوروبي.
و أوضح مساهل أن اختيار وانتقاء هذه المشاريع تم وفقا لمعايير مرتبطة ببعدها الاستراتيجي وطابعها المهيكل والاقليمي و بالنظر لبعدها المتعلق بالاندماج القاري.
وفي هذا الاطار تقرر تنصيب لجنة تقنية مشتركة تكلف خلال الثلاث أشهر المقبلة استكمال الشروط التقنية والمالية الضرورية لتطبيقها.
طموح مشترك
وقال وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل أن اجتماع وزراء الشؤون الخارجية التحضيري للقمة الخامسة للاتحاد الافريقي-الاتحاد الأوروبي سيبحث بأبيدجان آفاق تعزيز الشراكة بين الاتحاد الافريقي والاتحاد الأوروبي في ظل “طموحهما المشترك لإضفاء عليها بعد ورؤية استراتيجيتين”.
وأوضح مساهل أن هذه الدورة التي تنظم للمرة الأولى بمشاركة كل الدول الأعضاء ستبحث البيان السياسي للقمة والوثيقة المتضمنة المشاريع المشتركة ذات الأولوية.
و أضاف الوزير أن “المسائل الاستراتيجية المتعلقة أساسا بالسلم والأمن والحوكمة والهجرة والتغيرات المناخية وتعزيز إطار الاستثمار بين الكتلتين كلها مواضيع مدرجة ضمن أجندة هذه القمة”.
“ربراب” بكوت ديفور
وقد حضر مساء أول أمس رجل الاعمال صاحب مجمّع “سيفيتال”، اسعد ربراب، المنتدى السادس للأعمال بكوت ديفوار، والذي جمع كلا من رجال أعمال الاتحاد الافريقي والاتحاد الاوروبي، بحيث تمحورت النقاشات حول الشباب المقاول والشراكات الجديدة والنساء رؤساء المؤسسات.
كما حضر العديد من الفاعلين الاقتصاديين من إفريقيا و أوروبا وممثلين عن شركات متعددة الجنسيات ومؤسسات كبرى وأخرى صغيرة ومتوسطة و كونفدراليات ومؤسسات ناشئة وممولين خواص وعموميين إضافة إلى هيئات متعددة الأطراف، حيث تطرقوا إلى الفرص العملية للتعاون وتحسين مناخ الأعمال والاستثمارات.
تسوية النزاعات في إفريقيا لوأد الإرهاب والجريمة المنظمة
وفي الشأن الأمني، دعا وزير الشؤون الخارجية, عبد القادر مساهل إلى تسوية النزاعات في إفريقيا وتصفية آخر المستعمرات، من خلال حلول سياسية نابعة من الأطراف المعنية قصد وضع حد للتحديات الأمنية التي تواجهها البلدان الإفريقية.
و قال مساهل في الكلمة التي ألقاها عند افتتاح الاجتماع الوزاري الاتحاد الإفريقي-الاتحاد الأوروبي ان الإرهاب والآفات ذات الصلة على غرار الجريمة المنظمة والهجرة هي ظواهر ناجمة بشكل كبير عن استمرار الأزمات والنزاعات في إفريقيا.
وأوضح وزير الشؤون الخارجية أن الأوضاع المتأزمة هذه “تتطلب جهودا مشتركة لترقية الحلول السياسية قائمة على احترام السلامة و الوحدة الترابية للبلدان التي تواجه الأزمة.
و بعد التأكيد بان “آفات الإرهاب و الهجرة تتغذى من الخراب و غياب الدولة لتتسع و تتجدد”, شدد الوزير على “ضرورة تدعيم و إعادة بناء مؤسسات الدولة في بعض البلدان التي تعيش أزمة قصد رفع هذه التحديات.
كما أبرز وزير الشؤون الخارجية “العلاقة المؤكدة أكثر فأكثر بين الإرهاب و الجريمة المنظمة و ضرورة مقاربة شاملة تتكفل بهذا الجانب كما سنبغي”.
وشدد رئيس الدبلوماسية الجزائرية على “أهمية تنسيق و تعاون أكبر بين الاتحاد الإفريقي و الاتحاد الأوروبي في هذا المجال للتصدي للإرهاب و التطرف العنيف والجريمة المنظمة بشكل فعلي”.
مذكرة بوتفليقة حول مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف
أما فيما يخص الموضوع المتعلق بالسلم و الأمن، فقد أشار مساهل إلى أن الجزائر ستقدم مذكرة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة حول الاستراتيجية الافريقية في مجال مكافحة الإرهاب و التطرف العنيف بصفته منسق الاتحاد الافريقي حول هذه المسألة.
و ذكر مساهل أن القمة الخامسة الاتحاد الافريقي-الاتحاد الأوروبي المنظمة تحت شعار الشباب و مساهمته في التنمية المستدامة التي تندرج في إطار أولويات القارة الافريقية ستتطرق لموضوع “الاستفادة من العائد الديمغرافي من خلال الاستثمار في الشباب خلال سنة 2017”.
مفوض الاتحاد الإفريقي للسلم والأمن، إسماعيل شرقي:
“الشراكة الأورو-افريقية تعرف صعوبات”
أشار مفوض الاتحاد الإفريقي للسلم والأمن إسماعيل شرقي أن القمة الخامسة تأتي في ” سياق خاص” بالنسبة للشراكة المتعددة الجوانب بين الاتحاد الإفريقي و الاتحاد الأوروبي التي تشهد -كما قال- ” صعوبات بسبب عدة عوامل”.
وقال شرقي الذي وصف هذا اللقاء ب” الموعد الهام” أن المشاركين في القمة سيولون أهمية قصوى لقضايا الشباب و الشغل و السلم و الأمن”، مبرزا أن إفريقيا تتطلع إلى “إضفاء بعد أخر على الشراكة بين الاتحاد الإفريقي-الاتحاد الأوروبي”.
وأكد المسؤول نفسه أن الأمر يتعلق بتحديد النشاطات الواجب مباشرتها سويا بغية تغيير الأوضاع بدل اتخاذ قرارات دون تطبيقها”، مضيفا أن إفريقيا محتاجة إلى” تجسيد ما تقرر في السابق”.
“لا يمكن الحديث عن الشبيبة في ظل ما حدث في ليبيا”
وقال مفوض الاتحاد الإفريقي “لا يمكن الحديث عن الشبيبة في ظل ما حدث في ليبيا، لا سيما الصور الصادمة التي بثتها العديد من القنوات التلفزيونية”.
واستطرد نفس المفوض قائلا ” تمارس هذه الصور ضغطا شديدا على المشاركين في قمة أبيجان و على هؤلاء أن يبعثوا الأمل في نفوس الشباب الأفارقة من خلال قرارات يتم تنفيذها على أرض الواقع”.
للاشارة، يشكل هذا الاجتماع الوزاري أرضية للحوار بين المسؤولين الأفارقة والأوروبيين بغرض إعطاء ديناميكية للشراكة بين الطرفين. وتنظم القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي- الاتحاد الأوروبي التي تشكل إطارا مؤسساتيا حقيقيا لمناقشة مستقبل العلاقات بين القارتين تحت شعار “الاستثمار في الشباب من أجل مستقبل مستدام”.
وتعد هذه أول قمة تنعقد في إفريقيا جنوب الصحراء. وإضافة إلى موضوع الشباب، ستنكب قمة الاتحاد الإفريقي -الاتحاد الأوروبي أيضا على عدد من المواضيع التي لا تقل أهمية، ومنها السلم والأمن، والحكامة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والهجرة، والتنقل، والاستثمارات، والتجارة، وتطوير الكفاءات، وإحداث فرص الشغل. وسيكون أمام صناع القرار الأفارقة ونظرائهم الأوروبيين فرصة ثمينة لتحديد التوجهات السياسية الكفيلة برفع التحديات التي يواجهها الطرفان.
ومنذ اعتماد الاستراتيجية المشتركة إفريقيا-الاتحاد الأوربي سنة 2007، شهدت إفريقيا تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وأضحت الأهمية التي تكتسيها هذه القارة جلية أكثر فأكثر.
وفي واقع الأمر، فإن أمام القارتين الكثير لتربحانه وأمورا كثيرة تحتاج للتحيين ولتعزيز إطار الشراكة الذي يجمعهما. وفي المقابل، قد يخسر الطرفان الشيء الكثير إذا كان هناك تماطل أو تأخر في التحرك، وهذا ما يمنح قمة أبيدجان الأهمية التي تكتسيها.
نسرين محفوف