لا تزال ذكرى اغتيال الرئيس محمد بوضياف تفتح الجروح حول فترة صعبة عاشتها الجزائر، فكلما حل تاريخ 29 جوان من كل عام يسترجع الجزائريون صورة الراحل وهو يلقي خطابه في سنة 1992 بولاية عنابة، وتلك اللحظة التي سقط فيها بعد أن أصابته رصاصة الغدر وهو يهم بشرح الخطوط العريضة من مشروعه لإخراج البلاد من أزمتها، وهو الذي وقع عليه الاختيار لهذه المهمة الصعبة، ورغم أنه كان منفيا منها، وما لاقاه غداة الاستقلال من “ظلم”، إلا أنه كان يقول “سأعود للجزائر إذا كانت بحاجة ماسة إلي”.
ويروي الصادق طماش ل”الجزائر”، وهو شاهد عيان عن لحظة اغتيال الرئيس الراحل وكان جالسا على المنصة بجانبه، تلك اللحظات، إلى جانب فترة ما قبل عودة الرئيس إلى الجزائر وفترة حكمه التي لم تدم سوى 6 أشهر، ومشروعه “التجمع الوطني” الذي كان يحضر له والذي يهدف إلى تأسيس دولة المؤسسات ودولة القانون، وهنا يقول طماش إنه وبعد أن عاشت الجزائر بعد الاستقلال ظروفا صعبة أدت في نهاية المطاف إلى انفجار أحداث أكتوبر 1988، والتي كانت نتيجة ممارسات غير مقبولة على حد قوله في بناء الدولة الجزائرية في الوقت الذي كان فيه الشعب على استعداد للمشاركة في بناء دولة القانون، جاءت أزمة 1991 هي الأخرى نتيجة هذه الأحداث أين دخلت البلاد في أزمة أشد، وكان لا بد من البحث في حلول و مخارج لها، فكان التفكير يدور حول من هي الشخصية الوطنية الأنسب، فالبعض كان يفكر في حسين ايت احمد إلا أنه رفض وكانت له مبرراته وخصوصيته، وآخرون توجهوا نحو محمد بوضياف، هذا الأخير يقول طماش لما شاهد التوديع الشعبي الكبير للرئيس الراحل هواري بومدين في 1979 قرر حل حزبه، وواصل حديثه قائلا “إنه وبعد توقيف المسار الانتخابي في 1991 وما ترتب عنه من مظاهرات في عدة مناطق من العاصمة وغيرها بدأ البعض يفكر فيمن يجب أن يكون قائدا للبلاد ومن هي الشخصية التي لا تزال تتمتع بمصداقية، فكتبت رسالة اختيرت من بين العديد من الرسائل لتنشر في جريدة السلام التي كان يديرها محمد عباس، كتبت فيها أن عودة بوضياف أصبحت ضرورية، ومن بعدها كتب محمد عباس في جريدته رسالة له تحمل عنوان”ألف بطاقة لعودة بوضياف”، ويضيف طماش أنه في ديسمبر 1991 تلقى دعوة من احد الأشخاص لم يذكر اسمه، للانضمام لمجموعة من المجاهدين وأبناء الشهداء وشخصيات وطنية بعد أن شكلوا لجنة وطنية كانت تريد التوجه إلى القنيطرة بالمغرب أين كان يقطن الراحل لإقناعه بضرورة العودة إلى أرض الوطن، “لكني رفضت أن أذهب معهم لأنه لا يمكن العودة بالرجل دون ضمانات لحمايته، خاصة في ظروف كالتي كانت تعيشها البلاد آنذاك”، يقول طماش الذي استرسل في شهادته قائلا “أعضاء هذه اللجنة ذهبوا والتقوا ببوضياف ببيته بالقنيطرة تحدثوا معه والمعلومات التي عرفانها فيما بعد أن الحوار بينهم كان طويلا غير أن الرؤية لم تكن واضحة أمام بوضياف، وقال لهم إنه رفض العودة في الستينات لأن الأمور كانت تسير بالدبابة والآن الوضع هو كذلك “يقول المتحدث الذي شكك في بعض هذه الروايات.
وعما إذا كانت جهات من السلطة قد اتصلت ببوضياف للعودة قبل استقالة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد لخلافته قال طماش أن الدعوة في البداية تلقاها بوضياف من الشخصيات الوطنية والمجاهدين وأبناء الشهداء وأنه لا أحد في السلطة اتصل به، إلا أنه وبعد استقالة الشاذلي وتوقيف المسار الانتخابي بدأ رجال السلطة كعلي هارون و خالد نزار وآخرون يبحثون عن من سيخلف الشاذلي في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة وجاء اختيارهم في الأخير على بوضياف.
عودة بوضياف
وجاء يوم 16 جانفي وعاد الرئيس الراحل محمد بوضياف إلى أرض الوطن وكان استقباله بالمطار استقبالا رسميا وشعبيا، وتقلد الحكم لكن الفترة كانت قصيرة لم تتعد 6 أشهر، عمل فيها الرجل بكل جهده ولم يركن إلى الراحة يوما واحدا حسب طماش الذي قال أن بوضياف كان في هذه ال6 أشهر رجلا ثوريا، معتبرا أنه يمكن أيضا اعتماد حتى وجهة النظر التي قسمت فترة الحكم هذه إلى مرحلتين مرحلة الرجل الثوري من جانفي إلى مارس، ومرحلة رجل الدولة الذي بدا يضع الأساسيات لبناء دولة القانون والمؤسسات، وأضاف أن بوضياف في أفريل بدأ التفكير، بعد إنشاء المجلس الاستشاري، في إنشاء التجمع الوطني وهو اللبنة الأولى التي بلورت على عدة مراحل وشكلت اليوم التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده اليوم احمد اويحى بمضمون آخر مختلف هن المضمون الذي أراده محمد بوضياف، كما بدأ في التفكير في الخطوط العريضة للدولة الجديدة الحقيقية، البعيدة عن التسيير الارتجالي والبعيدة عن الدولة التي يسيطر عليها أشخاص ، وهو ما اقلق البعض وبدأوا يفكرون في طريقة لإزاحته.
هكذا اغتيل بوضياف
يقول الصادق طماش الذي كان في فترة حكم بوضياف يشغل منصب رئيس الجمعية الوطنية لترقية وإدماج الشباب ومدير وحدة إنتاجية بالحراش، إنه التقى بالرئيس الراحل في إحدى اللقاءات وتحدث معه مطولا حول الأزمة التي تعصف بالبلاد ونظرته للخروج منها وكيفية ترسيخ العدالة وبناء دولة قوية، وكانت الجمعية بدورها تفكر خلال لقاءاتها الجهوية في تلك الحلول، واقترحت تنظيم ملتقى وطني للشباب، و كانت هناك 5 ولايات تتنافس على تنظيمها و تم اختيار مدينة عنابة، ووجهت الجمعية دعوة للرئيس لحضورها يوم 21 و22 جوان، و قد أبلغت الجمعية عن طريق الوالي أن الرئيس قبل الدعوة لكنه يطلب تأجيلها إلى غاية 29 من الشهر ذاته لأنه كان بصدد التحضير للندوة الصحفية لعرض مشروع المجمع الوطني، وهنا يقول المتحدث” تم بالفعل تنظيم اللقاء الوطني يوم 29 جوان وصعد الرئيس للمنصة وجلس وجلست بجانبه على المنصة، و بعدما بدا يقرا خطابه الذي أراد فيه عرض مشروعه فسمعنا صوت إطلاق رصاص وبعدها انفجار قنبلة، تم عودة لإطلاق الرصاص أصيب خلالها الرئيس و العديد الذين كانوا متواجدين معه من بينهم نحن أعضاء الجمعية و وزير الطاقة آنذاك الصادق بوسنة”……وختم المتحدث شهاته بالقول”لو لم تمتد يد الغدر لبوضياف لكان قد بناء البناء الصحيح دولة القانون و المؤسسات…”
دعوة إلى تحويل منزله إلى متحف
وبمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لاغتياله وبمناسبة الاحتفال العام المقبل بمرور قرن على ميلاد الطيب الوطني دعا الصادق طماش عائلة الفقيد البيولوجية والسياسية وجميع الوطنيين والخيرين إلى المساهمة في ترميم منزله العائلي بالمسيلة وتحويله إلى متحف للثورة التحريرية ولتخليد مساره الثوري ومساهمته في في بناء مؤسسات الدولة.
رزيقة.خ