تمر تسعة أشهر عن أول يوم خرج فيه الجزائريون على قلب رجل واحد طلبا للحرية بمعناها الشامل، تحذوهم رغبة جامحة في الانعتاق من العبودية الفكرية. بين ما حقق لحد اليوم وما يأمل المواطن تحقيقه في قادم الأيام، تسود حالة من التوجس والخوف على مستقبل غامض يطبعه وضع سياسي واقتصادي مترهل، أثر بشكل أو بآخر على عدة قطاعات حساسة، من ضمنها قطاع الإعلام الذي ينتظر أن تهب عليه نسمات التغيير التي انطلقت يوم 22 فيفري الماضي.
على وقع أسطوانة تعديل قانون الإعلام وتحسين الوضع المهني والاجتماعي للصحفيين، التي ترددها السلطة على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة حسان رابحي، ووسط منغصات تحول دون أداء مهني يكفل للمواطن الحق في الإعلام والمعلومة التي تهم مستقبل وطنه، يستقبل مهنيو قطاع الإعلام بالجزائر عيدهم الوطني الموافق لـ 22 أكتوبر من كل سنة، بوافر من الأسئلة، تصب في مجملها حول مستقبل الإعلام في ظل الأزمة السياسية التي تمر بها الجزائر؟، ماذا يمكن أن تقدمه حكومة تصريف أعمال لقطاع ظل يترنح لسنوات في العشوائية واللامهنية؟، كيف يرى الأكاديميون والصحفيون مستقبل المهنة؟، وإلى أي مدى ساهم الحراك في فك القيود عن الصحافة؟.
أجمع معظم الإعلاميين على ضرورة تعديل قانون الإعلام الحالي بما يضمن المزيد من هامش الحرية الاعلامية، وحق الوصول إلى مصادر المعلومة، كما أكد هؤلاء على ضرورة سن القانون الأساسي لمهنة الصحفي ووضع حد للتسيب والإهمال الذي يعاني منه الصحفيون في الجزائر.
رياض بوخدشة رئيس المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين:
“نطالب بالإسراع في إيجاد حل لمشكلة صب الأجور”
قال رئيس المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين رياض بوخدشة في حديثه إلى “الجزائر”، إنه مباشرة بعد تم تأسيس المجلس تم عقد اجتماع مع وزير الاتصال حسن رابحي من أجل الوقوف على أهم النقائص التي يعاني منها القطاع، وتمت المطالبة بالإسراع في إيجاد الحلول من أجل صب أجور الصحفيين التي تعاني مؤسساتهه من أزمة مالية، إضافة سن القانون الأساسي الخاص بالصحفي، ومراجعة القانون العضوي المتعلق بالإعلام، وكذا تنصيب الهيئات الضابطة كسلطة ضبط الصحافة المكتوبة ومجلس أخلاقيات المهنة، وتحديد معايير توزيع الإشهار على الصحف، ومنح الصحفيين المتمرسين الحق في إنشاء مؤسسات إعلامية، إلى جانب العمل بالاتفاقيات الجماعية والقطاعية بين الصحفيين وملاك المؤسسات الإعلامية. وأضاف المتحدث ذاته أنه تم التركيز في الاجتماع على دور الصحفي وضرورة التكفل بانشغالاته والدفاع عن حقوقه كجانب مكمل لما تكفله القوانين، وذلك من خلال التكتل في هيئات نقابية ومجالس تمثيلية تجمع الأسرة الإعلامية بمختلف أنواعها وتوجهاتها، والعمل ككتلة واحدة لاسترجاع المكانة الحقيقية للسلطة الرابعة.
زكي عليلات- قناة “الحياة”:
“الصحفي في الجزائر مهمش كثيرا”
ووافقه في ذلك الإعلامي زكي عليلات الذي أكد أن الإعلام يعيش في الجزائر واقعا مريرا، مشيرا إلى أن الصحفي بشكل خاص، يعاني من مشاكل كثيرة ومتعددة وتحتاج فعلا إلى نظر عميق ودقيق، مردفا: “رغم أن قانون الإعلام يعطي رجال الأعلام الكثير من التسهيلات إلا أن الواقع يعكس ذلك”.
وأكد عليلات أن أهم المقترحات التي يجب أن تدرسها الحكومة، تسهيل المهمة لرجال الإعلام من الوصول إلى المعلومة من خلال إصدار تعليمات صارمة للمسؤولين بالتعاون مع الصحفيين والنظر إليهم كشريك وكذا إخضاع الصحفي لدورات تكوينية دورية في كافة المجالات. وأضاف المتحدث: “يجب على الدولة أن تراقب أوضاع الصحفيين بشكل دوري سواء مهنيا أو اجتماعيا ومعاقبة الصحفي الذي يتاجر بالحقيقة واستعمال الابتزاز والتهديد، والترويج للأكاذيب ومعاقبة المسؤول الذي يهين الصحفيين سواء لفظيا آو جسديا”. وعلى المستوى الاجتماعي شدد عليلات على ضرورة تحسين وضعية الصحفي خاصة في نقطة السكن، فالصحفي في نظر الناس مرتاح ماديا ويستطيع قضاء حاجاته لكن ما يحدث العكس، لذلك يجب تحسين أجور الصحفيين وكذلك منحهم حقهم من العطل.
الإعلامي مصطفى بونيف:
“الصحافة في الجزائر لم تجد معالمها”
من جهته، قال الإعلامي مصطفى بونيف إن الصحافة في الجزائر تحاول إيجاد نفسها رغم وجود أقلام رائدة في القطاع في جميع المجالات (المكتوبة والسمع البصري) لكن الصحفي لا يزال ضمن الطبقة المتوسطة ومازالت ظروف الصحفي خاصة الاجتماعية مزرية.
واستنكر بونيف، التضييق المفروض على الإعلام قائلا: “الإعلام في الجزائرلا يزال مقيدا، فالصحفي في الجزائر وإفريقيا عامة يجب أن يكون صبورا لأنه ليس بإمكانه أن يكون حرا في كتابته، داعيا إلى ضرورة عمل الحكومة على سن قوانين تحمي الصحفي من التضييق وتعطيه الحرية المطلقة من أجل إرجاع مكانة الصحفي الحقيقي.
شفيقة العرباوي مديرة جريدة “الوسط”:
“قانون الإعلام يعاني من فراغات وثغرات”
أما الإعلامية ومديرة جريدة “الوسط”، شفيقة العرباوي فقالت إن قانون الإعلام 1990 و2012 يعاني من فراغات وثغرات جعلته لا يفضي إلى الواقع بشكل صحيح ولذلك لم نلاحظ أي تغيرات في القطاع بل هناك تراجع في المجال، ومن هذا المنبر طلبت المتحدثة المزيد من حرية الإعلام سواء المكتوب أو السمعي البصري من أجل توطيد العلاقة بين المواطن والصحفي وجعل الصحفي يبدع في مجاله. كما أكدت مديرة جريدة “الوسط” أن الصحفي من أكثر الفئات التي تعاني في المجتمع الجزائري رغم أنه من النخبة، لذلك يجب إعادة النظر في مداخيله الاجتماعية، كما يجب أن يعامل الصحفي كقاضٍ حتى لا يكون هناك مجال لرشوته وما شابه ذلك وحتى يكون في مستوى كل التطلعات، بالإضافة لضمان عامل الاستقرار، مشددة على ضرورة أن تكون هناك فترة تجريبية لا تقل عن ثلاثة شهور مع ضمان التكوين المستمر للصحفي حتى يتمكن من مواكبة التطور الحاصل خاصة على المستوى التكنولوجي.
الصحفي إسلام رخيلة “الجريدة الالكترونية بومرداس”:
“بعض الجهات تتعمد توجيه الإعلام نحو التدهور”
من جهته يرى الصحفي إسلام رخيلة صحفي بالجريدة الإلكترونية “بومرداس سيتي” أن مستقبل الإعلام في الجزائر يبقى غامضا، ما دام أنه لا توجد أي مبادرة فعلية لإصلاح الإعلام الخاص، في ظل غياب نقابات تمثيلية وهيئات مهنية للصحافيين موحدة على هدف واحد، مؤكدا أن الوسط الإعلامي يعيش حالة من الغليان والاستياء، بسبب صمت الحكومة عن التدخل لحل أزمة القطاع الخاص، وغياب أيّ مبادرة رسمية لديها لإيجاد حلول، بإمكانها التخفيف من حدة الأزمة، وإنقاذ الآلاف من الصحفيين من ضياع مصدر رزقهم، وهو ما يعزز فرضية تعمد بعض الجهات توجيه الوضع نحو المزيد من التدهور والتعقيد.
فلة سلطاني/ عمر حمادي