كشف وزير العدل حافظ الأختام، بلقاسم زغماتي بأن الصفقات العمومية هي واحدة من الثغرات الكبرى التي استفحلت من خلالها ظاهرة الفساد، هذه الأخيرة التي قال إنها وجدت البيئة المناسبة من ضعف مؤسسات المتابعة والرقابة المتخصصة ومعها ضعف فعالية الآليات القانونية والمؤسساتية التي يمكن من خلالها تطويق هذه الظاهرة، واعتبر أن الهدف هو العمل على أن تصبح الصفقات العمومية عاملا لدفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وليس مصدرا لهدر الوقت والأموال وتضييع الفرص.
وقال الوزير زغماتي في كلمته خلال إشرافه على افتتاح الملتقى الذي نظمه مجلس الدولة حول “إشكالية نضج المشاريع وأثرها على منازعات الصفقات العمومية” أمس “ليس من المبالغة القول بأن الصفقات العمومية هي واحدة من الثغرات الكبرى التي استفحلت من خلالها ظاهرة الفساد واستغلال الوظيفة العامة لتحقيق منافع خاصة وغير مشروعة وما كان لهذه الظاهرة أن تكون لولا ما وجدته من بيئة مواتية تتجلى خاصة في ضعف مؤسسات المتابعة والرقابة المتخصصة وضعف فعالية الآليات القانونية والمؤسساتية التي يمكن من خلالها تطويق هذه الظاهرة ومعالجتها وتجفيف منابعها”.
وأضاف في السياق ذاته: “لا أحد ينكر أن بلادنا قد خصصت طوال العقود الماضية موارد مالية كبيرة من أجل إنجاز مشاريع التنمية الإقتصادية والإجتماعية ورغم كل ما تم تحقيقه من المنشآت وإنجازه من البرامج فلا يمكن لأحد أن ينكر كذلك أن أموالا طائلة قد ذهبت هدرا وتم استنزافها دون طائل على حساب كميات الأهداف المسطرة ونوعيتها ولم يسلم هذا الهدر في كل مرحلة من المراحل التي تمر بها الصفقات العمومية انطلاقا من مرحلة التصور والتصميم ودراسات الجدوى ثم مرورا بإبرامها إلى غاية استلام المشاريع هذا إذا ما تم إنجازها بالفعل”.
وأكد على أن مراحل نضج المشاريع ظلت تسند إلى مكاتب دراسات خاصة أو تابعة لأصحاب المشاريع من الهيئات العمومية وهي ذات إمكانيات تقنية محدودة وقليلة الخبرة فهي نقاط ضعف جلية زادها ضغط التسرع من قبل الهيئات العمومية المكلفة بالإنجازات الشيء الذي كان يؤدي إلى إنطلاق المشاريع وبلوغها مرحلة الإنجاز دون الإنتهاء الكلي من مراحل نضجها بإعتماد دفاتر شروط سطحية غير ملائمة فتأتي المراحل الأخرى ضعيفة وهزيلة النتائج بما في ذلك ما يلحق بمرحلة الإنجاز من النقائص والعيوب ناهيك عن ظاهرة إعادة التقييم في التكاليف الأصلية وتآكل الجودة بفعل عامل الزمن والعراقيل المالية والتقنية و التعطيلات المختلفة التي كانت السبب في التخلي عن الكثير من المشاريع وإهمالها لاستحالة إتمامها بسبب تضخم قيمتها وعدم القدرة على تحمل أعبائها”.
وأضاف بأن عيوب وسلبيات عدم نضج المشاريع وآثارها على إبرام الصفقات العمومية انعكست على جداول الهيئات القضائية الإدارية والذي قال إنه “بصدد إصلاح نظامها وعملها واختصاصها تماشيا مع متطلبات الدستور الجديد”.
وأبرز المسؤول ذاته أنه على الرغم من التعديلات التي طالت المنظومة القانونية للصفقات العمومية غير أنها ظلت غير كافية على وضع حد لتواصل هدر المال العام.
وذكر في هذا الصدد: “لقد عرفت المنظومة المؤطرة للصفقات العمومية الكثير من التعديلات لا سيما في العقدين الأخيرين مما أضفى عليها صيغة عدم الإستقرار ورغم بعض التحسينات فقد ظلت غير قادرة على سد كل منافذ الضعف والفساد وتواصل هدر المال العام عبرها نتيجة ما سبق ذكره من الأسباب والتهاون والتي شجعت على تصرفات سلبية أثرت على مكانة وقيمة الصفقة العمومية ومنها على سبيل المثال عدم المساواة بين المتنافسين وحجب المعلومات عمن يتوسم فيهم القدرة على الإنجازو توظيف حجة الإستعجال لإيثار مقاول على آخر وانتهاك سرية الأظرف والمبالغة في شروط الأهلية والإستثناءات الحصرية والإعلان في صحف صغيرة مغمورة ذات مقروئية محدودة وإفادة المعنيين بالمعلومات من المصدر وغيرها”.
كما أشار إلى أن أهمية الصفقات العمومية تجلت في التعديل الدستوري الأخير من خلال تقنين القواعد العامة المتعلقة بها وذلك ضمن المجهود الكلي لترشيد تسيير وحماية المال العام وتحقيق التنمية في كنف النزاهة والشفافية.
وقال: “فقد أضحى السهر على نضج المشاريع الإستثمارية حيويا بالنظر إلى تأثيره على مجريات الإنجاز وجودته قبل الإقبال على إبرام الصفقات العمومية هذه الأخيرة التي أصبح تحسين وتطوير نظامها القانوني والتقني حسب المعايير المعمول بها دوليا من الرهانات التي يتعين على المعنيين بالأمر تحقيقها لاسيما أن الدستور الجديد قد أفرد الصفقات العمومية بعناية خاصة حيث نص في مادته 139 على أن تقنين القواعد العامة المتعلقة بالصفقات العمومية هي من الميادين التي يشرع فيها البرلمان وهو ما يعكس الأهمية التي يحتلها هذا الجانب ضمن المجهود الكلي لترشيد تسيير وحماية المال العام وتحقيق التنمية في كنف النزاهة والشفافية”.
بوابة إلكترونية للشفافية والمساواة في مجال الصفقات العمومية
واعتبر بأنه يتم التطلع لتعزيز المنظومة القانونية لهذا الجانب ترسى من خلاله إجراءات شفافة سهلة وواضحة ومشجعة على العمل الجاد وأنه من أولويات ذلك هو سد كل أبواب استباحة المال العام بإرساء قواعد الشفافية والمساءلة والمراقبة وتطبيق القانون وتوفير الآليات المساعدة على ذلك بإسناد مهام الدرسات و نضج البرامج لذوي الكفاءة الحقيقية وإلى الإدارات المخلصة وإعادة التوازن بين التقييم الفني والمالي وتحديد الأولويات وعصرنة كل مسارات الصفقات العمومية بإنشاء بوابة إلكترونية مثلما أثبتته هذه الوسيلة من نجاح في الدول التي اعتمدتها لاسيما ما تحقق بواسطتها من الشفافية والمساواة بين جميع المتنافسين والمنتجين .
وأشار زغماتي إلى أن عملية نضج المشاريع التنموية الكبرى هي عملية طويلة ومعقدة تتطلب تدخل تقنيين ومختصين في مجالات عديدة وخاصة منهم في الإقتصاد والمالية والقانون وأكد على أنه يتعين قبلها أن يكون تنسيق كامل فيما بينهم لتبادل المعلومات والخبرات لتفادي أخطاء الماضي وبداية مسار جديد.
زينب بن عزوز