• من المرجح أن تدفع حركة النهضة بمرشح في رئاسيات 2019
يعتقد المحلل السياسي التونسي نجيب البكوشي أن ضعف الإقبال على التصويت من طرف التونسيين على الانتخابات البلدية مرده عدة أسباب موضوعية، من أبرزها حالة الإحباط العام التي يعيشها عموم أفراد الشعب نتيجة الأداء السلبي للحكومات المتعاقبة منذ 14 جانفي 2011، واعتبر البكوشي ذلك العزوف رسالة قوية في وجه الائتلاف السياسي الحاكم المتمثل في حركة النهضة ونداء تونس حزب الرئيس الباجي قايد السبسي، الذي يقول المتحدث أنه ينوي الترشح لعهدة رئاسية أخرى السنة المقبلة.
كيف تقيمون مجريات أول انتخابات بلدية تشهدها تونس بعد الثورة وسقوط النظام السابق ؟
يعتبر إنجاز أول انتخابات بلدية تعددية وديمقراطية في تاريخ تونس مكسب هام جدا، رغم أنه تأخر نسبيا نتيجة التجاذبات السياسية داخل الائتلاف الحاكم ( نداء تونس وحركة النهضة). حيث تقدم لهذا الاستحقاق الانتخابي في 350 بلدية 53855 مترشح منهم 49.26% من النساء و 50.74% من الرجال موزعين على 1055 قائمة حزبية و860 قائمة مستقلة و159 قائمة ائتلافية. وبذلك تقطع تونس نهائيا مع ثقافة هيمنة الحزب الواحد ومع النسب الشمولية في الفوز التي عرفتها لعقود من الزمن والتي كانت تتجاوز عتبة 90%. وتجدر الإشارة كذلك إلى مشاركة الأمنيين والعسكريين في هذا الاستحقاق الانتخابي يوم 29 أفريل الفارط، لأول مرة في تاريخ تونس.
ما هي أسباب ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية التي بلغت 33.7 بالمئة ؟، وهل هو مؤشر بإمكانه عرقلة المسار الديموقراطي الذي تعرفه تونس ؟
نعم وللأسف الشديد شهدت الانتخابات البلدية يوم الأحد الفارط، عزوفا كبيرا حيث بلغت نسبة المشاركة 33.7% فقط ويعود ذلك للأسباب الآتية :
أولا: حالة الإحباط العام التي يعيشها التونسيين نتيجة الأداء السلبي للحكومات المتعاقبة منذ 14 جانفي 2011 إلى اليوم وفشلها في تحقيق المطالب الرئيسية للثورة وخاصّة مطلب التشغيل، ومسؤوليتها عن انهيار قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، والارتفاع الجنوني للدين العمومي الذي بلغ ما يعادل 63.8% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2017، وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي نتيجة غلاء المشطّ في الأسعار.
ثانيا: الوعود الانتخابية الزائفة لأحزاب الحكم خلال حملاتهم الانتخابية السابقة فكما وعد حزب حركة النهضة سنة 2011 بتوفير 500 ألف شغل وعد بدوره حزب نداء تونس سنة 2014 بتوفير 450 ألف موطن شغل و16 قطبا صناعيا و1000 كلم من الطرق السيارة و20 ألف كلم من الألياف الضوئية، كما وعد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة خلال حملة الانتخابات البلدية الأخيرة بتوفير تغطية مجانية بـ ” الويفي ” ( الانترنت اللاسلكية ) في كل المدن التي سوف تفوز بها حركته، كلّ هذه الوعود الانتخابية الديماغوجية أفقدت الناخب التونسي ثقته في الأحزاب السياسية وجعلته لا يتحوّل بكثافة إلى مكاتب الاقتراع في الاستحقاق البلدي الأخير.
ثالثا: الأداء الضعيف للهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ارتكبت أخطاء تقنية بدائية من قبيل عدم توفير المواد الأساسية للعملية الإنتخابية داخل بعض المكاتب ووجود أخطاء طباعة في أوراق الاقتراع مثل ما وقع في مدينة المظيلّة من ولاية قفصة، زد إلى جانب ذلك أنها لم تقم بالدعاية اللازمة لترغيب الناخبين وحثهم على المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي الهام.
أما عزوف الناخبين التونسيين في هذه المحطة الانتخابية فلن يؤثر على المسار الديمقراطي في البلاد، ولكنه وجه رسالة قوية لحزبي الحكم الرئيسيين، فحركة النهضة خسرت حوالي مليون صوت خلال سبع سنوات وحركة نداء تونس خسرت 850 ألف صوت خلال أربع سنوات، وكأنّ بالتونسيين يتحسّسون طريقا ثالثا لا يمر عبر حركة النهضة وحليفها حركة نداء تونس، حيث نلاحظ ظهور تيار ديمقراطي اجتماعي قوي في المشهد السياسي يمثله أساسا حزب التيار الديمقراطي الذي حقق نتائج ممتازة كذلك تقدمت الجبهة الشعبية اليسارية في عدة بلديات واكتسحت قائمات مستقلة العديد من البلديات الهامة. حركة النهضة وحركة نداء تونس الحاكمتين حققتا انتصارا انتخابيا نسبيا ولكنهما تكبّدتا خسارة سياسية فادحة سوف تكون لها إستتباعات على تحالفهما في المستقبل.
من شأن هذه الانتخابات أن تكرّس مبدأ لامركزية السلطة التي نص عليها الدستور التونسي، لكنها تجسد في نفس الوقت استمرارية الحكم التوافقي بين النهضة ونداء تونس، ألا ترى أن هذا المسار السياسي قد يفتح الهوة مع المعارضة في البلاد ؟
حركة النهضة رغم تصدرها الأحزاب الفائزة في هذا الاستحقاق البلدي على مستوى وطني إلا أنها غير قادرة على تشكيل مجلس بلدي واحد بمفردها فهي تحتاج إلى عقد تحالفات مع أحزاب أخرى والأقرب موضوعيا أن تواصل توافقها مع شريكها في الحكم أي حركة نداء تونس لكنّ الإئتلاف الحاكم تنتظره معارضة قوية داخل المجالس البلدية.
هل لحزب مثل حركة النهضة القدرة على تسيير بلديات تونس، بالنظر إلى عدم نضج التجربة في التسيير المحلي مقارنة بتسيير القطاعات الوزارية أو المجالس النيابية ؟
من أهم الشعارات التي رفعت خلال حملة الانتخابات البلدية، ” من فشل في تسيير حكومة لن ينجح في تسيير حومة “. لا أظن أن الائتلاف الحاكم الّذي فشل فشلا ذريعا في إدارة الشأن العام على مستوى وطني سوف ينجح في إيجاد حلول لمشاكل المواطنين على مستوى محلي والحل الأمثل هو الانفتاح والتفاعل مع المعارضة من داخل المجلس البلدي ومع قوى المجتمع المدني من خارجه.
ما هي تأثيرات نتائج هذه الانتخابات البلدية على الاستحقاقات المهمة في 2019 ؟
كما أشرت سابقا فإن حزبي الحكم النهضة والنداء قد فقدا جزء كبيرا من خزانهما الانتخابي. الناخب التونسي عاقب الائتلاف الحاكم بسبب فشله الذريع على المستوى الوطني، أما حزب نداء تونس الذي فاز في الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014 هو أكبر الخاسرين والسبب يتمثل في عملية الاستنزاف الداخلي التي وقعت داخله وتسبب فيها أساسا نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي الذي أقصى كل معارضيه للاستئثار بالقيادة وكذلك تقاسمه الحكم مع حركة النهضة ضد إرادة قواعده وناخبيه.
أما حركة النهضة التي بعدما تصدرت نتائج الاستحقاق البلدي من المرجّح أن تدفع بمرشّح في الانتخابات الرئاسية القادمة 2019، الإسلاميون في تونس يريدون إعادة استنساخ التجربة التركية فطريق أردوغان إلى أنقرة مر ببلدية اسطنبول، ويبدو أن زعيم الحركة راشد الغنوشي بصدد إعداد نفسه لذلك فقد تخلى مؤخرا عن لقب ” الشيخ ” لصالح لقب ” الأستاذ ” وتصالح مع ربطة العنق الإفرنجية وقام بتلميع صورة حركته في الداخل والخارج ومحاولة إظهارها بمظهر الحزب المدني المنفتح حيث عمدت حركة النهضة خلال الانتخابات البلدية الأخيرة إلى ترشيح تونسي يهودي على رأس قائمتها في مدينة المنستير وكذلك ترشيح عدد كبير من النساء غير المحجبات ضمن قائماتها.
بالنسبة لحزب نداء تونس يبدو أن النية تتجه نحو إعادة ترشيح رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي سنة 2019 رغم تقدمه في السن. أما رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد فهو قد فقد كل أمل في لعب دور رئيسي في الاستحقاق الانتخابي القادم نتيجة فشل حكومته ونتائج حزبه نداء تونس السلبية يوم 6 ماي الفارط.
كيف ترى مستقبل أحزاب المعارضة بعد إخفاقها في مزاحمة الائتلاف الحاكم في الانتخابات البلدية ؟؟
بالنسبة للمعارضة فالجبهة الشعبية اليسارية رغم أنها تمكنت من اكتساح عدة بلديات صغرى والفوز بعدة مقاعد في بلديات كبرى إلا أنها فقدت جزء من مخزونها الانتخابي وعليها تدارك الأمر استعدادا للانتخابات التشريعية والرئاسية في 2019.
كما استفاد حزب التيار الديمقراطي المعارض من هذه الانتخابات حيث تمكن من تحقيق نتائج ممتازة ولكنه ترشح فقط في 69 دائرة من مجموع 350، في حين أن تموقعه كحزب اجتماعي ديمقراطي جلب له طاقات شبابية هامة قدمت الإضافة النوعية خلال حملته. كما تجدر الإشارة إلى النتائج الإيجابية التي حققتها حركة الشعب خاصة بمدن الجنوب التونسي.
حاوره : إسلام كعبش