عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية تحولات كثيرة منذ تسعينات القرن الماضي إلى اليوم، وتغيرت بتغير نظرة الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم سواء في الجزائر أو في فرنسا خاصة، وتأثرت بالقضايا الإقليمية والدولية التي كانت تطرح في كل مرحلة، وشهدت هذه العلاقات على مر تلك السنوات تقلبات بين محاولات لتوطيدها على شكل صداقات، ثم علاقات ثنائية سرعان ما أصابها الجمود و تضييق من الجانب الفرنسي، تم عادت لتتطور من جديد و تزدهر، لتصدم مرة أخرى بنوع من الجمود لأسباب عدة.
وفي هدا الصدد يقول المحلل السياسي والمؤرخ عامر رخيلة في تصريح ل”الجزائر”، أنه رغم الرسائل الدبلوماسية التي يتم تبادلها بين الطرفيين الجزائري والفرنسي والتطور الكبير في هذه العلاقات من جوانب عدة، إلى حد وصفها من قبل الرئيس بوتفليقة في رسالته لنظيره الفرنسي بأنها علاقات” جديرة بان تكون قدوة يحتذي بها في المنطقة وفي العلاقات الأوروبية-المتوسطية”، فهذا لا يمكنه أن يلغي حقيقة أن هذه العلاقات عرفت في تسعينات القرن الماضي جمودا وتضييقا ومحاصرة من الجانب الفرنسي الذي أراد في الفترة العصيبة التي كانت تمر بها الجزائر أثناء العشرية السوداء قلب الرأي العام الدولي ضدها، مضيفا أن العلاقات الجزائرية-الفرنسية علاقات متشابكة، من العديد من النواحي، الاقتصادية، التاريخية، السياسية، بالإضافة إلى وجود مصالح مشتركة، و باعتبار اكبر جالية في فرنسا هي الجالية الجزائرية، واعتبر المحلل السياسي أنه بمجيء الرئيس بوتفليقة إلى الحكم أخذت العلاقات بين البلدين نفسا جديدا تميز بالتناغم بينهما، ففي عهد شيراك كان ينتظر أن تتطور العلاقات أكثر لكن انتهاء فترة حكمه أعاقت ذلك، و بمجيء ساركوزي واليمين الفرنسي وانتهاء السياسة الديغولية التي كانت تعمل على التقارب بين فرنسا و العديد من الدول العربية، فساركوزي أراد أن يجعل علاقة بلاده بالجزائر علاقة هيمنة وإملاء أوامر ومواقف، وهذا اصطدم ب”عناد ” الرئيس بوتفليقة والذي بمجيئه فتح الجزائر على العالم بأسره و إفريقيا بالخصوص الذي توغل فيها وفي العديد من القضايا فيها وفي العالم العربي، وهذا ما أزعج ساركوزي- يقول رخيلة الذي أضاف أن هذا الأخير-أي ساركوزي- أراد وضع حد لتوسع الجزائر، وهو ما اثر على علاقته بلاده بالجزائر خصوصا بعد أن أراد أن يتخلص من ملف الذاكرة وقال إنه يجب دفعه للمؤرخين و أراد أن يتملص من التزاماته.
أما في عهد فرنسوا هولاند فقد حاول هذا الأخير إعادة دفع العلاقات، لكن مواقف بلاده من القضايا التي كانت مطروحة أنداك خاصة بالدول العربية و إفريقيا و التي أثبتت الأيام عدم تناغمها مع الموقف الجزائري، إضافة إلى التحيز الكبير لفرنسا و هولاند في ما يخص القضية الصحراوية اثر سلبا على تطور هذه العلاقات حسب رخيلة الذي قال انه بمجيء الرئيس الفرنسي الحالي امنويل ماكرون لا تزال هذه العلاقات شبه جامدة، حيث قال أن مشكلة ماكرون عدم قدرته على الالتزام بما يسوق له إعلاميا ، فرغم الوعود التي قدمها و اعترافه بجرائم بلاده في الجزائر أثناء الفترة الاستعمارية و تصنيفها ضمن جرائم ضد الإنسانية، إلا انه اليوم لم يأخذ أية خطوة ايجابية للأمام، معتبرا أن ما يعيق ماكرون هي جماعة صنع القرار، ما دفعه في بعض الأحيان إلى البحث عن مدخلات غير رسمية من خلال التقرب للمجتمع المدني و الجاليات في فرنسا لتلعب دورها في بعض القضايا بعيدا عن القنوات الرسمية وصناع القرار هناك.
رزيقة.خ