عاد العنف ليضرب مجددا منطقة شمال مالي المضطربة بعد الهجوم الذي ارتكبه إرهابيون مخلفين سقوط 43 شخصا خلال يومين من الطوارق، ورغم أن المنطقة تعرف تواجد للقوات المالية والقوات الفرنسية من حملة ” برخان ” إضافة إلى دخول مجموعة ” جي5 ” حيز العمل إلا أن النشاط الإرهابي لا يزال قويا في منطقة حساسة جغرافيا بالنسبة للجزائر.
قُتل أكثر من ثلاثين مدنيا من الطوارق بأيدي أشخاص يشتبه بأنهم إرهابيون عند الحدود الشمالية الشرقية لمالي مع النيجر أول أمس، وفق ما أفادت مصادر متطابقة لوكالة ” فرانس برس “، في اعتداء هو الثاني من نوعه في غضون يومين.
وحسب مصادر محلية فإن هذه المنطقة تكثر فيها المواجهات بين الإرهابيين المرتبطين بتنظيم ” الدولة الإسلامية ” ومجموعتين مسلحتين من الطوارق، هما ” الحركة من أجل السلام فى أزواد ” و”مجموعة أمجاد وحلفاؤها للدفاع الذاتى ” الموالية للحكومة المالية واللتان تدعمان أحيانا قوة ” برخان ” الفرنسية والجيش المالي.
ويرى مراقبون أن تواصل النشاط الإرهابي في المنطقة هو بمثابة تهديد مباشر لاتفاق السلام الموقع بالجزائر سنة 2015 بين الحركات الأزوادية المسلحة والحكومة المالية، حيث نقرأ في أبرز النقاط التي جاء بها الاتفاق أنه في الشق الأمني ” يقترح في إطار مواجهة الجماعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة وكذا تجار المخدرات إنشاء وحدات عسكرية خاصة لمواجهة الجماعات الإرهابية تتكون من عناصر من الجيش المالي وكذا عناصر الحركات المسلحة الذين يتم إدماجهم في القوات المسلحة “.
ويرى أحمد كروش الخبير الأمني في تصريح لـ ” الجزائر ” أن هذه الأعمال الإرهابية تشكل ” تهديدات جدية ومتواصلة ” لاتفاق السلام الموقع بين زعماء الطوارق والحكومة المالية في 2015 وهو الذي قرر من بين أبرز نقاطه تشكيل قوة موحدة لمكافحة المجموعات الإرهابية في المنطقة.
ويلاحظ الخبير في الشأن الأمني بمنطقة الساحل أحمد كروش أن الأعمال الإرهابية في شمال مالي في ” تزايد مستمر، حيث تحولت المنطقة إلى نقطة جذب للإرهابيين في ظل تواجد القوات الفرنسية التي يستغل وجودها هؤلاء كحجة للقيام بهجماتهم “. منقدا في ذات السياق القوة المشتركة لدول الساحل جي5 المشكلة مؤخرا، معتبرا أنه ” تم وضعها لحماية القوات الفرنسية وليس لتطهير المنطقة من المجموعات المتطرفة “.
وفي ذات السياق، أثار الاعتداء المخاوف من اتساع رقعة أعمال العنف، وقالت حركة إنقاذ أزواد المنبثقة عن متمردي الطوارق السابقين، ومسؤولون قبليون، إن الهجوم الجديد يأتي بعد هجوم مماثل شنه الخميس مسلحون على دراجات نارية ما أدى إلى مقتل 12 شخصا على مشارف بلدة انديرامبوكين في المنطقة نفسها. وقال المسؤول القبلي صديقي أغ حمادي لوكالة ” فرانس برس ” من مدينة ميناكا عاصمة الولاية ” قتل 43 شخصا خلال يومين وجميعهم من المدنيين من نفس المنطقة “. وأضاف : “مقاتلونا يدمرون قواعدهم ويمسحونها مسحا، فهم يستهدفون المدنيين الأبرياء ” مشيرا إلى أنه ” يرى عمليات سفك الدماء انتقاما من هجمات شنتها جماعات طوارق مسلحة على الإرهابيين “.
وقالت الجماعة المنبثقة عن الطوارق أن عدد القتلى في الهجومين على قرى أكلاز وأوكاسا هو ” 43 قتيلا “، وذكرت أن جميع الضحايا ” هم من مجموعة ايداكساهاك الرعوية “. ودعت المجموعة حكومتي مالي والنيجر إلى اتخاذ خطوات لضمان ” نهاية سريعة لهذه الجرائم البشعة ” مضيفا أن المجموعة ” لن تذعن لأية تهديدات “، ودعا حاكم ميناكا داوود مايغا الى التريث في ” إعلان حصيلة الضحايا بانتظار وصول مراقبين رسميين إلى المكان “. وقال مايغا لوكالة ” فرانس برس” ” هناك روايات مختلفة، لكنني أعلم أن هناك نساء وأطفال ومعمّرين في عداد الضحايا “، مضيفا أنه ” يترقب عودة المراقبين إلى باماكو “، وقال المسؤول في ميناكا عطية أغ الصادقي لوكالة ” فرانس برس ” إن سكان المنطقة يتخوفون من ” أعمال انتقامية يشنها الإرهابيون الذين تكبدوا خسائر فادحة في هجماتهم التي استهدفت المنطقة في الأسابيع الأخيرة “، وقال المسؤول : ” لكن أحدا لم يتخيل أنهم قد يقتلون مدنيين بهذا الشكل “.
وكانت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي (مينوسما) أعلنت قبل أسبوعين أنها تلقت معلومات ” خطيرة للغاية ” عن حصول ” إعدامات تعسفية طاولت 95 شخصا ” خلال عمليات ضد الإرهابيين في منطقة ميناكا في شمال شرق مالي نفذها ” تحالف جماعات مسلحة ” من بينها جماعة غاتيا وحركة إنقاذ أزواد المنبثقة عن التمرد السابق اللتان نفتا تورطهما. وكثفت المجموعات الإرهابية بشمال مالي في الآونة الأخيرة، من عملياتها ضد المدنيين والقوات المالية والفرنسية، مخلفة عدة ضحايا، ما دفع فرنسا لتغيير استراتيجيتها الخاصة بمكافحة الإرهاب في المنطقة كلها، وهي التي تدخلت عسكريا في مالي سنة 2013 لمساعدة القوات الحكومية على إخراج المجموعات الإرهابية المرتبطين بتنظيم القاعدة من الشمال ثم اختارت الدفع بدول المنطقة لتأسيس قوة عسكرية مشتركة تضم خمس دول من منطقة الساحل لمكافحة الجماعات الإرهابية على رأسها مجموعة ” نصرة الإسلام والمسلمين ” التي يتزعمها إياد أغ غالي. وكانت قد أعلنت مصادر في الجيش الفرنسي أن ثلاثين إرهابيا قتلوا في الأول من شهر أفريل في مواجهة بين ستين إرهابيا والقوات الفرنسية والمالية في قطاع إكبار، بالقرب من الحدود مع النيجر، وقال الجيش الفرنسي إن القطاع ” يشكل ملاذا لتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى “. وأعربت ” تنسيقية حركات أزواد ” عن أسفها ” لتصاعد أعمال العنف في منطقة ميناكا والتي تطال المدنيين عادة “، وأدانت ما اعتبرته ” أفعالا مشينة ولا إنسانية “، ودعت التنسيقية الجماعات السياسية والعسكرية في المنطقة لاتخاذ خطوات تضمن سلامة المدنيين.
إسلام كعبش