تسعى الجزائر إلى تقوية وتنويع اقتصادها، وتعتمد في جانب كبير لتحقيق هذا الهدف على المؤسسات الناشئة، وهو ما دفعها إلى تطوير نظام بيئي ملائم وقوي مشجع لإنشاء هذه الشركات، إضافة إلى مضاعفة الأجهزة المخصصة لإنشاء ودعمها، لجعلها القاطرة التي تقود الانتقال بالاقتصاد من نظام ريعي إلى نموذج يعتمد على قطاعات منتجة أخرى وعلى اقتصاد المعرفة.
تعتمد أغلب اقتصادات دول العالم على المؤسسات الناشئة قصد ضمان التنمية المستدامة، وباعتبار هذه المؤسسات أحد المحركات الرئيسية بالنظر لما تقدمه من ابتكارات وحلول معتمدة على التكنولوجيا والعلم، والجزائر من بين الدول التي أولت رعاية كبيرة لهذه المؤسسات، حيث ومنذ أزيد من سنتين زاد الاهتمام بهذا النوع من المؤسسات وتم استحداث وزارة خاصة بها، كما تم إنشاء الصندوق الوطني لتمويل المؤسسات الناشئة برأس مال 1.2 مليار دينار، وإنشاء فروع لها بمختلف الولايات، إضافة إلى توقيعه اتفاقية مع المديرية العامة للخزينة والتسيير المحاسبي للعمليات المالية للدولة من أجل استغلال الصناديق الولائية الاستثمارية لصالح المقاولين الشباب في كل ولايات الوطن بقيمة 58 مليار دج، ما يعني 1 مليار دج لكل ولاية، إذ أن هذه الأموال ستكون موضوعة تحت تصرف الصندوق الوطني للمؤسسات الناشئة للاستثمار في الشركات الناشئة، بتمويل قد يصل إلى 150 مليون دج للمشروع الواحد.
ولم تقتصر الرعاية التي منحتها الجزائر لهذه الشركات على استحداث وزارة وصناديق لتمويلها، بل عملت على نشر وإدخال فكر المقاولاتية بالجامعات وتشجيع الشباب على خلق مؤسسات مقاولاتية ذاتية، كما توجهت الجزائر نحو خلق نظام تشريعي لتنظيم هذه المؤسسات، حيث سنت العديد من التشريعات التي تحفز الشباب الراغب في إنشاء المؤسسات الناشئة بمحفزات جبائية وبإعفاءات ضريبية وكذا تمكين هذه المؤسسات من الاستفادة من آليات الدعم على غرار صندوق تمويل المؤسسات الناشئة.
كما عملت الحكومة على تقديم كل الدعم لهذه المؤسسات، حيث أعلنت في جوان الماضي، عن إطلاق خدمة جديدة لفائدة المؤسسات الناشئة تتمثل في إنشاء مراكز، تحتوي على كل التجهيزات اللازمة، تسمح لها بتجسيد نماذج أولية للابتكارات، إذ أن مراكز النمذجة ستمكن أصحاب المشاريع المبتكرة من الحصول على آليات تمكنهم من صناعة نماذج أولية لابتكاراتهم وبالتالي تجسيد أفكارهم على أرض الواقع خاصة في مجال الإلكترونيات والتكنولوجيات الحديثة.
الخبير الإقتصادي، عبد القادر سليماني:
“الشركات الناشئة تطورت بعد الجائحة وسيصل عددها إلى 5 آلاف مؤسسة قريبا”
أكد الخبير الاقتصادي، عبد القادر سليماني، أن هناك توجها جديدا للدولة منذ 2020، واهتماما واسعا بإنشاء المؤسسات الناشئة، وهي تعول على إنشاء نظام بيئي مهيأ للشركات الناشئة وريادة الأعمال واقتصاد المعرفة، في ظل التحولات والتطورات العالمية الجديدة”، وأفاد بأن “عدد الشركات الناشئة سيصل قريبا إلى 5 آلاف مؤسسة ناشئة، وعدد الحاضنات والمسرعات حاليا بلغ حدود 200 حاضنة ومسرعة أعمال”.
ويرى أن الجزائر تريد الاستفادة من هذه الآنية في خلق مناصب شغل وإعطاء قيمة مضافة للإقتصاد الوطني عن طريق الابتكار والإبداع وإعطاء حلول خاصة في المجال التقني التكنولوجي.
وأضاف سليماني في حديث مع “الجزائر” أن “المؤسسات الناشئة بعد جائحة كورونا تطورت بشكل كبير في العالم وحتى في الدول العربية مثل مصر والإمارات العربية المتحدة، اللتان تعدان من بين الدول التي لديها أحسن نظام بيئي، والجزائر تريد خلق بيئة اقتصادية ملائمة لإنشاء مؤسسات ناشئة، وتساعد وتدعم الإقلاع الاقتصادي والحصول على قيمة مضافة تدعم الخزينة العمومية، عن طريق مداخيل غير تقليدية”.
وأشار سليماني إلى التغيير الذي طرأ في مجال البحث العلمي والجامعات والذي أصبح أكثر اهتماما بريادة الأعمال والمقاولاتية، واعتبر أن “خلق روح مقاولاتية لدى الشباب وخريجي الجامعات والمعاهد، بدأ يأتي بثماره، حيث شاهدنا التوجه الجديد، إذ أن أغلب رسائل الماجستير و الدكتوراه، وحتى في معاهد التكوين المهني تتمحور حول المؤسسات الناشئة، وكل هذا بحسب سليماني من أجل خلق نسيج اقتصادي مبني على الشركات الناشئة.
وأشار الخبير الإقتصادي إلى أن عدد الشركات الناشئة سيصل قريبا إلى 5 آلاف مؤسسة ناشئة، وعدد الحاضنات والمسرعات يقارب 200 حاضنة ومسرعة أعمال، وقال إنه حتى في الجامعات ووفقا للتوجه الجديد هناك من تضم حاضنات مسرعات أعمال وحتى بيت المقاولاتية.
وذكر المتحدث بخصوص تمويل الشركات الناشئة بإنشاء صندوق تمويل الشركات الناشئة، والذي أصبح له فروع في لأغلب الولايات، وأصبح من الممكن تمويل الشركات بقيمة من 100 إلى ما يقارب 2 مليار سنتيم، ويمكن للدولة أن تساهم في رأس مال الشركات الناشئة، وكل هذا من أجل الوصول إلى ثورة صناعية رابعة والوصول إلى خلق نسيج صناعي وزرع روح المقاولاتية.
وأشار سليماني إلى أول مؤتمر إفريقي للمؤسسات الناشئة الذي ستحتضنه الجزائر بداية من اليوم، والذي أكد على أهميته للترويج للتوجه الجزائري في مجال المؤسسات الناشئة وبالأمثلة الناجحة، وأعطى مثالا عن شركة “يسير” التي أصبحت رائدة، قائلا إن “المؤتمر غاية في الأهمية أيضا قصد الوصول إلى جولات تمويلية للمؤسسات الناشئة من مستثمرين جزائريين أو أجانب”، كما أشاد بدور البورصة في تدعيم المؤسسات الناشئة مؤخرا واعتبرها “خطوة إيجابية”.
وعن دور مجمع “جينيس” للخدمات الذي يعد مسرعة أعمال ومشتلة الشركات الناشئة، فقال سليماني الذي يشغل منصب مدير الاستراتيجيات وتطوير الأعمال بالمجمع، يمثل نموذجا عن حاضنة ومسرعة تهدف للترويج إلى فكرة اقتصاد المعرفة والابتكار والإبداع، والمجمع بمثابة مسهل للشباب للدخول المقاولاتية وتسهيل البحث عن التمويل والاكتتاب وتوطين المؤسسات، ومنح أفكارا وتوجيه الشباب والمؤسسات الناشئة للمشاريع المبتكرة والتي تتلاءم بالخصوص مع التوجه الجديد للجزائر.
الجزائر تحتضن أول مؤتمر إفريقي للمؤسسات الناشئة
تحتضن الجزائر اليوم وعلى مدار يومين، أول مؤتمر إفريقي للمؤسسات الناشئة، سيتخلله وسيتخلل اجتماعا للوزراء الأفارقة ذوي الصلة بمجال الابتكار والمؤسسات الناشئة.
ويشارك في هذا المؤتمر الذي تنظمه وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال، وزراء الدول الإفريقية وممثلي الهيئات الدولية والقارية التي تعنى بتطوير مجال المؤسسات الناشئة والإبتكار وخبراء وفاعلين في النظام البيئي الإفريقي.
ويهدف هذا المؤتمر الأول من نوعه في القارة إلى “توحيد الجهود الحكومية الرامية لتعزيز دور المؤسسات الناشئة في إفريقيا وتكريس مساهمتها في التنمية الاقتصادية، سواء من خلال تبادل الخبرات بين الدول حول السياسات العامة الموضوعة في هذا الصدد، أو بتسهيل انتشار المؤسسات الناشئة للولوج إلى مصادر تمويل إقليمية والاستثمار أكثر فأكثر داخل الفضاء الإفريقي”.
وسيتخلل المؤتمر الإفريقي اجتماعا للوزراء الأفارقة ذوي الصلة بمجال الابتكار والمؤسسات الناشئة.
وسيسعى هذا الاجتماع الوزاري لاعتماد إعلان سيكون بمثابة خارطة طريق بالنسبة للدول الإفريقية المشاركة، كما سيؤسس لديناميكية تعاون بين النظم البيئية للإبتكار داخل القارة.
وسيتم أيضا، في إطار المؤتمر الإفريقي، تنظيم معرض للمؤسسات الناشئة من مختلف الدول الإفريقية، وجلسات موضوعاتية من تنشيط خبراء دوليين حول عدد من المسائل المتعلقة بالإشكالات التي تواجه الشباب الإفريقي المبتكر والإمكانات التي تتوفر عليها القارة في المجال الرقمي ومستقبل ريادة الأعمال في إفريقيا.
رزيقة. خ