بعد أسابيع من طرحها في “المزاد العلني” اصطدمت كل المبادرات السياسية بالجدار، وهي التي كان ينوي أصحابها الذهاب بها إلى مرحلة متقدمة جدا من السباق، فلا فكرة عمار غول حول “الوفاق الوطني من أجل جزائر جديدة” ولا مبادرة عبد الرزاق مقري رئيس “حمس” بخصوص “الوفاق الوطني” وتأجيل الرئاسيات ولا غيرهما من المقترحات استطاعت أن تجد طريقا للتجسيد، لأسباب عديدة تتعلق أساسا ببنية السلطة وعدم قدرة هذه الأحزاب على التأثير في مجريات الأحداث.
خرج رئيس “تجمع أمل الجزائر” عمار غول أخيرا، بعد أسابيع من الشكّ ليقر بأن رئاسيات أفريل 2019 ستجرى في موعدها، متوقعا أن يتم استدعاء الهيئة الناخبة أيام 11 أو 18 أو 25 جانفي الجاري، وهو نفس الشخص الذي سبق له اقتراح ندوة وطنية جامعة، تؤجل وفقها الانتخابات الرئاسية المقبلة، فأحدث بذلك صخبا إعلاميا واسعا قلب رأس الساحة السياسية على عقبها، فتنوعت القراءات والتحليلات لمبادرة غول، بما أن الرجل معروف عنه التحفظ وعدم التسرع في إطلاق مواقف وتصريحات قد تحسب عليه مستقبلا، خاصة إذا كانت مرتبطة بأجندة السلطة.. هذه الأخيرة يعرف وزير الأشغال العمومية السابق عمار غول بيتها جيدا وهو ليس من الغرباء عن الدار كما يقولون.
في السياق ذاته، أفادت مصادر متطابقة أن اللقاء المقبل في هذا الشهر لقادة التحالف الرئاسي الداعم لبرنامج الرئيس بوتفليقة، ستفعل من خلاله آلة دعم العهدة الخامسة، انطلاقا بالتحضير للعرس الانتخابي مباشرة بعد استدعاء الهيئة الناخبة وانتظار إعلان الرئيس بصفته الرسمية ترشحه لموعد 2019 في نفس السيناريو الذي حصل سنة 2014.
ولم يتوقف عمار غول عند هذا الحد بالانقلاب على “مبادرته” التي وإن لم يصفها بـ”المبادرة” كما يؤكد بذلك مقربون منه، فإن تنويهه كذلك بالبيان الأخير لوزارة الدفاع، بالقول أنه “كان واضحا وقويا وقاطعا لأي جدل أو شك، وأنه وضع النقاط على الحروف، وصوب نهائيا الجدل السياسي وأطره دستوريا وقانونيا” دليل على أن غول اقتنع نهائيا بأن مبادرته كمبادرة عبد الرزاق مقري حول الانتقال الديمقراطي التي وجهها للمؤسسة العسكرية الصيف الفارط، لن تحظ بأي دعم من طرفها، بما أن الدستور فاصل في هذا الشأن.
وخلال الأيام الماضية، تداولت قيادات “التحالف الرئاسي” على خطاب فصلت مصطلحاته بأن الذهاب نحو الانتخابات سيكون في موعده، على خلاف ما كان يروج من حديث في الصالونات المغلقة عن “تمديد” و”تأجيل” انتخابات أفريل 2019، بداية بالموقف الذي أعلن عليه الوزير الأول رئيس التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى من أنه يرفض تأجيل الموعد الانتخابي، ولا يرى سببا يبرر ذلك، حيث لا توجد أي أزمة سياسية قد تستدعي التأجيل وفقه، مجددا مناشدة الرئيس بوتفليقة للترشح لولاية رئاسية خامسة، قائلا: “نحن كحزب انخرطنا في مسعى دعوة الرئيس للترشح وننتظر جوابه”.
وقبل أسابيع دعا الأمين العام للمركزية النقابية عبد المجيد سيدي السعيد، إلى ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، مطالبا العمال في تجمع بوهران، للوقوف إلى جانبه، ومكررا أنهم كطبقة عاملة دائما وراءه في وقت كان فيه البعض من أطراف الموالاة يطرح سيناريو “التأجيل” وتمديد العهدة الرئاسية لغاية في نفس يعقوب، كما أنه سبق لصحيفة “المجاهد” الحكومية أن نشرت على صدر صفحتها الأولى افتتاحية أفادت من خلالها بأن الانتخابات الرئاسية ستجرى في موعدها ولا يوجد سيناريو على عكس ذلك.
وعلى نفس منوال، رئيس “تاج” عمار غول، فإن مباردة رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري المتمحورة حول فكرة “التوافق الوطني” والقائمة على تأجيل الانتخابات المقبلة والشروع في إصلاحات قد سقطت ورقتها نهائيا في الماء ولم تعد صالحة للتداول السياسي، بما أن التوجه العام يوضح أن المسار الانتخابي ماض في طريقه، وما على مقري وغيره من رؤساء أحزاب المعارضة إلا التفكير في تقديم فرسانهم لهذه الانتخابات أو المقاطعة وبالتالي البقاء فوق المدرجات لمشاهدة العرض والتعليق عليه من بعيد.
وتعرضت باقي المبادرات الأخرى للموت السريري بمجرد عرضها في البورصة السياسية، كمبادرة الدعوة إلى مجلس تأسيسي التي طرحتها الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، وورقة “الإجماع الوطني” التي ترفعها جبهة القوى الاشتراكية (الأفافاس) منذ سنوات، وبالتالي فإنه يجوز التساؤل: إذا كانت السلطة قد أسقطت من الأجندة مقترحات من لدن أحزاب وشخصيات مقربة منها، فكيف وبأي طريقة ستقبل بمبادرات من جهات معارضة تنوي إعادة بناء أسس النظام على قواعد وبرنامج وشخصيات جديدة وتنسف كل “المنجزات” التي تتباها بها دولة الإستقلال ؟؟.
إسلام كعبش