لا يزال المخطط الحكومي الذي تقدم به أول أمس الوزير الأول احمد اويحيى يثير الجدل ويفتح الباب أمام توقعات مختلفة وأحيانا متناقضة بين أفراد الطبقة السياسية والمحللين السياسيين والاقتصاديين. وإن كانت بعض خياراته الاقتصادية أحلاها مر إلا أن الاختلاف يندرج في مدى قدرة الحكومة على الوفاء بالالتزامات والتطمينات التي أخذها احمد اويحيى على عاتقه والمدة الزمنية التي يتطلبها إيصال المخطط إلى مداه. حاولت “الجزائر” استطلاع آراء مختلفة ومتباينة لنواب في البرلمان وأعضاء قياديين في أحزاب سياسية ومحللين سياسيين من أجل تسليط الضوء وتقديم أكبر عدد من التوضيحات حول ما ظل مبهما لدى الرأي العام.
الموالاة تدعو إلى الثقة في نجاح الحكومة
تباينت آراء نواب المجلس الشعبي الوطني ما بين مثمن ومبارك لمخطط عمل حكومة أويحيى، ومعارض للتدابير التي تضمنها هذا الأخير والتي جاءت حسبهم لتؤكد “فشل السياسات العمومية المتعاقبة”.
حيث نوه نواب التجمع الوطني الديمقراطي، و حزب جبهة التحرير الوطني، و كتلة الأحرار بمحتوى المخطط الذي جاء تنفيذا لبرنامج رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة, فيما توقف نواب الاتحاد من أجل النهضة و العدالة و التنمية و حزب العمال عند النقائص التي تشوبه و “غياب الواقعية” عنه.
نية حسنة تطبع مخطط عمل الحكومة
و في هذا الإطار, وخلال الفترة المسائية للجلسة العلنية المخصصة لمناقشة مشروع مخطط عمل الحكومة المعروض أمام ممثلي الشعب،
ثمن النائب من كتلة الأحرار محمد عبد الهادي “النية الحسنة” التي تطبع مخطط عمل الحكومة, وهو ما يعكسه “الخطاب المباشر والصريح الموجه للمواطن” وهو ما اعتبره “الطريق الصحيح نحو تحديد مكامن الخلل والتوصل بالتالي إلى الحلول الملائمة للخروج من الأزمة الاقتصادية”.
المخطط وضع اليد على الاختلالات التي يتعين استدراكها
وفي ذات الاتجاه ذهبت النائب حسينة زدام، عن نفس الكتلة والتي ترى بأن المخطط “وضع اليد على الاختلالات التي يتعين استدراكها من خلال جعل المواطن على دراية تامة بكافة التحديات المرفوعة”, مشددة على أن “بقاء الجزائر بمنأى عن الاضطرابات التي تعرفها المنطقة لم يكن لولا وعي الشعب الجزائري وإدراكه للمكتسبات الوطنية التي حققها برنامج رئيس الجمهورية و الذي يأتي مخطط عمل الحكومة لمواصلة تجسيده على الميدان”.
و أضافت المتدخلة أن المرحلة الحالية التي تمر بها البلد تعد “الأخطر” وهو ما يجعل من إقناع المواطن بضرورة التلاحم ورص الصفوف, الحل لتجاوز الأزمة وتفويت الفرصة على من يتربصون بالجزائر ويسعون لضرب استقرارها”.
ضرورة إشراك جميع الفاعلين في مسعى الخروج من الأزمة
ومن نفس الكتلة, أجمع كل من بدرة قرحي ويحيي عبازة على “ضرورة إشراك جميع الفاعلين وعلى شتى المستويات في مسعى الخروج من الأزمة” مع ”إيجاد الميكانيزمات التي من شأنها السماح بمتابعة تجسيد ما تضمنه المخطط على أرض الواقع”.كما شدد النائبان في ذات السياق على أهمية استرجاع ثقة المواطن وهو أمر لا يتأتى إلا من خلال “مصارحته وإشراكه في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل الجزائر”.
مهمة الحكومة ليست سهلة
ولم يخالف موقف التجمع الوطني الديمقراطي هذا التوجه, حيث أكدت النائب فوزية سعدي على أن مهمة الحكومة في مجابهة الوضع المالي الصعب للبلاد “ليس بالمهمة السهلة”, مما يستدعي “وقوف الشعب و ممثليه على حد سواء إلى جانب الجهاز التنفيذي للخروج بالحلول الكفيلة بتمكين الجزائر من مواجهة الوضع”.
و لم تغفل سعدي الإشادة بـ”جنوح الحكومة للحوار والتشاور مع مختلف مكونات الطبقة السياسية على اختلاف أطيافها, و هو ما كان واضحا من خلال المخطط الذي “شدد على فتح قنوات الاتصال مع الأحزاب السياسية بعيدا عن أحاديث الصالونات التي ترمي إلى محاولة زعزعة استقرار البلاد و أمنها”, على حد قولها.
مخطط عمل الحكومة تضمن أرقاما صريحة بعيدة عن كل تنميق
وواصلت النائب سلوى العلوي عن نفس التشكيلة السياسية في المنحى ذاته, حيث أشارت إلى أن مخطط عمل الحكومة “تضمن أرقاما صريحة بعيدة عن كل تنميق” داعية إلى تكاثف الجهود و”غض النظر عن كل الانتماءات السياسية للخروج من النفق المظلم”.
و عن حزب جبهة التحرير الوطني, ثمنت النائب نبيلة أحلام أمحمدي مضمون المخطط الذي “تبنت من خلاله الحكومة سياسة الإصلاح الدائم لصالح كل القطاعات من خلال إرساء تدابير احترازية لمواجهة مخلفات الأزمة الاقتصادية”.
المخطط يتضمن خيارات تعكس أولويات المرحلة الحالية
وفي هذا السياق عبر النائب عبد الحميد سي عفيف، عن حزب جبهة التحرير الوطني عن مساندته للمخطط لكونه، كما قال- يتضمن خيارات تعكس أولويات المرحلة الحالية، سيما ما تعلق بضرورة البحث عن بدائل للمحروقات، داعيا الجميع إلى “الانخراط التام في مسعى تطبيق هذا المخطط ” الذي وصفه بالطموح”.
علينا العمل بصفة أكثر وبإنفاق أقل
من جهته قال النائب عن التجمع الوطني والديمقراطي، صديق شهاب، إن اليوم تواجهنا بعض الصعوبات المالية والحكومة تأخذ بعين الاعتبار هذه النقائص ولذلك يتعين علينا العمل بصفة أكثر وبإنفاق اقل.
ويحمل مخطط عمل الحكومة صراحة في الطرح لمواجهة الازمة المالية حيث أكد رئيس كتلة تجمع أمل الجزائر مصطفى نواسة دعمه للمخطط مع أهمية التركيز على القطاعات الأساسية والاستثمار في الموارد البشرية من خلال تشجيع البحث العلمي.
النواب يثمنون التمويل غير التقليدي
هذا وثمن النواب لجوء الحكومة للتمويل غير التقليدي عوض الإستدانة الخارجية وآخرون حذروا من تداعياته على القدرة الشرائية للمواطن
واعتبر النواب خلال الفترة المسائية لمناقشتهم لمخطط عمل الحكومة, الذي عرض من طرف الوزير الأول أحمد أويحيى, أن إجراء اللجوء إلى التمويل الداخلي غير التقليدي “هو سلاح ذو حدين” فبقدر ما يجنب البلد اللجوء إلى الاستدانة الخارجية ودوره في بعث الاقتصاد الوطني بتمويل الإستثمارات المنتجة حسب البعض بقدر ما يكون سبب في التضخم في السوق المحلية إذا ما لم يحسن إستغلاله بحسب البعض الآخر.
و في هذا الشأن قالت النائب عن التجمع الوطني الديمقراطي, سلوى العلوي, أن مخطط الحكومة هو “وثيقة مرجعية” يجب إتباعها لمواجهة “الأزمة الإقتصادية الراهنة”, مضيفة أن قرار الحكومة باللجوء الى التمويل الداخلي الغير تقليدي, أي السماح للبنك المركزي بإقراض البنوك أموالا توجه لدعم الاستثمار, هو “خطوة مهمة” تساهم في دعم وتحفيز الاستثمارات لبعث الاقتصاد الوطني.
كما أكدت العلوي في مداخلتها أن هذا الإجراء يراعي خصوصيات المرحلة الحالية ويجنب البلاد اللجوء إلى الاستدانة الخارجية ويجنب كذلك إثقال كاهل المواطن بالأعباء الضريبية والرسوم الإضافية لتمويل الخزينة العمومية.
و في نفس السياق ثمن النائب, سليمان شتين, قرار الحكومة بعدم اللجوء الى الاستدانة الخارجية واصفا إياه “بالقرار الجيد” لكن طالب الحكومة بتقديم ضمانات حول اللجوء إلى التمويل الداخلي الغير تقليدي خصوصا فيما يخص “إمكانية إرتفاع الاسعار و عدم القدرة على التحكم في التضخم بعد تطبيقه”.و في نفس الصدد ترى النائب, حورية أولبصير خناس (التجمع الوطني الديمقراطي) أنه “أصبح من الضروري تمويل الإقتصاد الوطني بطرق فعالة و ناجعة لدعم التنمية” و هو ما يسمحه قرار الحكومة باللجوء إلى التمويل الداخلي الغير تقليدي لكن شددت السيدة خناس على “ضرورة مراقبة الاموال المضخة و إستثمارها في مشاريع مثمرة لتفادي السلبيات الممكن تسجيلها”.
و تجدر الإشارة إلى أن التدخلات المبرمجة للنواب و البالغ عددها 290 تدخلا, في حين سيخصص يوم غد الأربعاء لتدخلات رؤساء المجموعات البرلمانية, على أن يرد الوزير الأول على الانشغالات المرفوعة يوم الخميس مع عرض مشروع مخطط عمل الحكومة للتصويت في اليوم نفسه, حسب الرزنامة المعدة.
المعارضة تتنبأ بفشل خيارات الحكومة
تتنبأ أحزاب المعارضة بفشل ذريع ستمنى به حكومة أحمد أويحيى لا سيما في شقها الاقتصادي. وأبدت الشخصيات السياسية تشاؤما كبيرا من مخاطر تطبيق هذا البرنامج لما يحمله من مجازفة كبرى، وانتقد المعارضون التطمينات التي أطلقها الوزير الأول لمجانبتها الحقيقة..
لا تبدي المعارضة السياسية تفاؤلا بمستقبل البلاد في ظل مخطط مشروع الحكومة الذي عرضه الوزير الأول احمد اويحي أول أمس، والذي حاول من خلاله تطمين الجزائريين عن مستقبل البلاد إلا أن سياسيين محسوبين على المعارضة ،انتقدوا الواقع وبلهجة من التشاؤم، حذر البعض منهم من مستقبل هذا المشروع واعتبروه مجازفة كبرى، كما هاجم سياسيون آخرون تطمينات الوزير الأول وأحزاب الموالاة واعتبروها مجانبة للحقيقة ومواصلة للضحك على الذقون .
لاسيما في شقها المتعلق بالمخاطر المنتظرة من التمويل غير التقليدي الذي سيمكّن البنوك الجزائرية من منح القروض عن طريق السندات والتي ستخفض قيمة الدينار وتجعله يتلاشى أكثر فاكثر مما سيتسبب في خفض القدرة الشرائية للمواطنين وإدخال البلاد في منعرجات غير محمودة عواقبها.
وتنبأت المعارضة مجتمعة بفشل خيارات الحكومة غير المدروسة واعتبرت أن المخطط في مجمله لا يحمل آليات لانقاذ اقتصاد البلاد المتهاوي.
رزاقي جميلة/ رفيقة معريش/زينب بن عزوز/ عمر حمادي