تظل المدرسة الجزائرية ساحة مفتوحة للصراع الإيديولوجي بين التيارين الإسلامي المحافظ والحداثي المنفتح على الثقافة الغربية، ورغم أن هذا الجدل ليس جديدا ويعود إلى السنوات الأولى للاستقلال حيث كان الصراع على أشده بين التيار المعرب داخل النظام والمجتمع العميق والتيار البربري الذي كان يطالب بالاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية ووقف حملات التعريب.
حوّل الصراع حول المدرسة في الجزائر، هذه المؤسسة التربوية المهمة إلى ساحة وحلبة للمناوشات الإيديولوجية والسياسية الضيقة، وإن المتمعن لهذا الوضع الذي تقبع فيه المدرسة سيتأكد أن الصراع لن يخفت يوما في ظل التباين بين التيار الإسلامي والعلماني وغموض السياسة الحكومية حول التوجهات الحقيقة التي تريدها للمدرسة التي تعتبر إضافة إلى الأسرة لبنة في بناء وتنشئة الفرد في صيغته الحديثة كمواطن يعرف واجباته وحقوقه.
كتب الصحفي والروائي المعروف كمال داود في 9 سبتمبر 2016 مقالا نشره في صحيفة “الوطن” الناطقة بالفرنسية تحت عنوان “أنقذوا بن غبريط… أنقذوا أطفالكم”، وجاء في المقال ذاته “إذا أردنا ألا يحمل أطفالنا الكلاشنكوف والراية السوداء الكئيبة (راية داعش) فعلينا إنقاذ السيدة الوزيرة لأن الجريمة التي ارتكبتها هي إرادتها في أن تكون مدرستنا راقية وحرة وعصرية، أما أعداء مشروعها فهم الإسلاميون والعلماء القاعدون الذين لا فائدة منهم للأمة والمصابون بهستيريا الهوية”.. ومع أن كل الوزراء الذين تعاقبوا على قطاع التربية أثاروا الكثير من الجدل إلا أنه لا يوجد وزير قد تعرض لما تعرضت له وزيرة التربية الحالية نورية بن غبريط، التي لا يبدو أن موجات الانتقادات والهجمات من طرف رموز التيار الإسلامي سواء داخل الأحزاب السياسية أو في المجتمع المحافظ عليها ستنتهي قريبا، خاصة منذ مباشرتها لما يسمى “إصلاحات الجيل الثاني” للمنظومة التربوية. هذه “الإصلاحات” التي فجرت الجدل منذ اليوم الأول لطرحها للنقاش التربوي والبيداغوجي باتهامها أنها تخدم اللغة الفرنسية وتيار العلمنة الذي يريد قطع التلميذ الجزائري عن هويته “الإسلامية والعربية” كما يقول أصحاب هذا الطرح، لكن الوزيرة بن غبريط لا تبدوا أنها ستبقى مكتوفة الأيدي في المرحلة المقبلة أمام من يقف ضد خطتها في عملية “ترميم” المدرسة، حتى أصبحت الوزيرة تتحدث على وجود “أعداء” للمنظومة التربوية في بلادنا.
وتظل وزيرة التربية نورية بن غبريط محل اتهام من طرف العديد من الجمعيات الدينية والمحسوبين على الإسلام السياسي عموما بأنها “تضرب بإجراءاتها عناصر الهوية الوطنية” من خلال إصلاحاتها التي تمس هذه المرة شهادة البكالوريا رغم أن هذه الوزيرة تعمل في حكومة جزائرية دستور دولتها يقر في مادته الأولى الإسلام كدين للدولة ومع أنها تحظى بدعم كبير من السلطة التي تظل محتفظة بها منذ أول حكومة للرئيس بوتفليقة بعد العهدة انتخابات الرئاسة لسنة 2014 إلا أن الاتهامات لا يبدو أنها ستتوقف ضدها عند كل خطوة تقوم بها داخل أسوار الوزارة.
وكانت مؤخرا، التنسيقية الوطنية للعلوم الإسلامية، قد عقدت دورة طارئة لمجلسها الوطني وأكدت في بيانها الختامي على تقدم الخطوات بخصوص الدعوى القضائية التي سترفع ضد وزارة التربية الوطنية، بسبب ما تقول هذه التنسيقية إقصاء وتهميش وزيرة التربية لمادة العلوم الاسلامية في “إصلاحاتها” التي ترفعها إلى الحكومة، كما كشفت التنسيقية عن وجود اتصالات مع مختلف الحساسيات الوطنية حول الموضوع، ودعت في الوقت نفسه، إلى ضرورة إشراك كل الغيورين على الثوابت الوطنية في هذا المسعى، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ثم نواب الشعب.
وأبرز عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بمناسبة الدخول المدرسي أنهم “يتابعون ما إذا كانت وزيرة التربية نورية بن غبريط قد أخذت بعين الاعتبار مجموع الملاحظات التي منحتها لها الجمعية في إطار الإصلاح العلمي للمنظومة التربوية”. وأضاف عبد الرزاق قسوم في تصريح لـ “الجزائر” “أنهم قدموا مجموعة من الملاحظات في كتاب للوزيرة، وهم في انتظار تحقيق تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها من قبل إصلاحات التربية” على حد قوله.
واعترف رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن “الصراع الإيديولوجي طغى على النقاش حول واقع التربية والمدرسة في الجزائر”، لكنه أكد على ضرورة احترام “الثوابت الوطنية” والتي لخصها في “الإسلام كدين بمفهومه الصحيح واللغة العربية كلغة وطنية رسمية”.
ورفض عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن يتم وصفهم بـ “الرجعيين” لمجرد أنهم دافعوا على ضرورة استمرار اللغة العربية في مناهج التربية والتعليم والتربية الإسلامية.
إسلام كعبش
الرئيسية / الوطني / الحسابات السياسوية تطغى على النقاش البيداغوجي:
المدرسة الجزائرية.. ساحة مفتوحة على الصّراع الإيديولوجي
المدرسة الجزائرية.. ساحة مفتوحة على الصّراع الإيديولوجي
الحسابات السياسوية تطغى على النقاش البيداغوجي:
الوسومmain_post