يعود الاحتفال بالذكرى الـ38 لأحداث الربيع الأمازيغي المصادفة لـ 20 أفريل هذه السنة على وقع تحولات مهمة على مستوى المطلب الهوياتي في الجزائر، بعد الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية سنة 2016 وتسجيل ” يناير ” في خانة الأعياد الوطنية مدفوعة الأجر بداية العام الحالي، بقرار من السلطات العليا للبلد. مما يستوجب طرح إشكالية جديدة : ماذا بقي من النضال الأمازيغي في ظل دسترة الهوية الأمازيغية والاعتراف بها بصفة نهائية؟
أشار الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية سي الهاشمي عصاد أن الاحتفاليات المخلدة للذكرى هذه السنة ” ستختلف عن سابقاتها، باعتبار أنها تأتي بعد ترسيم يناير كعيد وطني وتأتي أيضا بعد جدل كبير أثارته قضية رفض البرلمان المصادقة على مادة قانونية تخص تعميم تعليم اللغة الأمازيغية “. وهذه أولى إشارات من السلطات العليا بأن موعد 20 أفريل لهذا العام لن يكون كسابقيه في السنوات الماضية، بما أن الطابع الرسمي سيتدخل لتغطية الحدث، ورعاية المهرجانات على مستوى 48 ولاية وتأطيرها في قالب رسمي.
كما أن الحكومة في مرحلة استكمال إعداد المشروع التمهيدي للقانون العضوي المتعلق بالمجمع الجزائري للغة الأمازيغية، ويحدد هذا النص وفق مصالح الوزارة الأولى ” مهام وتشكيلة وتنظيم وسير هذا الـمجمع الـمؤسس بموجب المادة 4 من الدستور التي تصرح بأن تمازيغت هي كذلك لغة وطنية ورسمية “. كما ” سيتم الكشف عن مضمون الـمشروع التمهيدي لهذا القانون بعد دراسته من طرف مجلس الوزراء الذي سيعقد في الأسابيع القادمة، قبل عرضه على البرلمان خلال هذا السداسي مثلما تقرر ذلك من قبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة “.
وكان الرئيس بوتفليقة، قد دعا الحكومة بمناسبة مصادقة مجلس الوزراء على مشروع القانون المعدل والمكمل لقانون جويلية 1963 المحدد للأعياد القانونية، شهر مارس الماضي، إلى الإسراع في تقديم مشروع القانون العضوي المتعلق بإنشاء أكاديمية اللغة الأمازيغية، أمام البرلمان.
وقبل ذلك كان رئيس الدولة قد أمر الحكومة خلال إعلانه في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم 27 ديسمبر2017، عن قراره المتعلق بتكريس ” يناير ” يوم عطلة مدفوعة الأجر، بـ ” عدم ادخار أي جهد لتعميم تعليم واستعمال اللغة الأمازيغية وفقا لجوهر الدستور”، وكلفها بـ ” الإسراع في إعداد مشروع القانون العضوي المتعلق بإنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية.
- تشكل الوعي السياسي بالهوية الأمازيغية
شكل المطلب الأمازيغي في الجزائر، ورقة أساسية في كتاب النضال الديمقراطي في البلاد منذ الحركة الوطنية إبان الفترة الاستعمارية والأزمة البربرية سنة 1949 على خلفية الصراع الذي احتدم بين المناضلين المنحدرين من منطقة القبائل في حزب الشعب الذي يترأسه ” مصالي الحاج ” حول الهوية الجزائرية بين أن تنتمي إلى العروبة والإسلام من جهة، أو ترجع إلى العصور القديمة للجزائر : الأمازيغية وما قبل الإسلام من جهة أخرى، وانتهى ذلك الصراع بإقصاء دعاة الأمازيغية من الحزب. وتحولت تلك الحلقة إلى نقطة مفصلية في تاريخ النضال الأمازيغي في الجزائر.
وبعد الاستقلال وتأسيس الدولة الوطنية تهمشت الأمازيغية كلغة وهوية بالنظر إلى توجهات الدولة الجزائرية التي اختارت التعريب قاعدة أساسية، وتعاملت مع الأمازيغية كرافد خارجي عن الشعب الجزائري بل هناك من صنفها في خانة أنها موظفة لصالح الاستعمار، وهوية ” دخيلة ” عن الشعب الجزائري، حيث شكلت فترة الستينات والسبعينات من القرن العشرين إحدى أسوأ فترات النضال من أجل القضية الأمازيغية، بالنظر إلى القمع الذي تعرض له المناضلون، في ظل دولة تبنت الحزب الواحد واللغة الواحدة والتوجه الأحادي للخيارات الكبرى.
ومع وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين سنة 1978 وتولي الشاذلي بن جديد مقاليد الحكم في البلاد، حصل نوع من شبه انفتاح على المجتمع لكنه ظل محدودا ولم يشمل المطالب المتعلقة بالديمقراطية والهوية إلى غاية يوم 20 أفريل سنة 1980 ليخرج المطلب الأمازيغي من إطاره المغلق إلى الفضاء العام فاحتضنته الجامعة والشارع وكذلك وسائل الإعلام ويتعرف العالم على المطلب الأمازيغي في شكله الجديد.
شكّل منع الأديب والباحث في اللسانيات الأمازيغية الراحل مولود معمري من إلقاء محاضرة حول ” الشعر والتراث الأمازيغي ” في جامعة تيزي وزو في أفريل 1980، شرارة انطلاق ما عُرف بالربيع الأمازيغي، حيث دفع طلبة الجامعة للتعبير عن غضبهم من تعسف السلطات في منع المحاضرة، ما أحدث صداما بين قوات الأمن والطلبة، وأخرجت هذه الأحداث جيلا جديدا من المناضلين سيكون لهم باع في العمل السياسي والجمعوي بعد التعددية وخلال العشرية السوداء كسعيد سعدي وأرزقي آيت العربي وسعيد خليل، فرحات مهني، ارزقي عبوط، رشيد حاليت، جمال زناتي، علي ابراهيمي وغيرهم كثيرون.
ويسجل ابراهيم تازغارت الناشط في الحركة الثقافية الأمازيغية في تصريح لـ ” الجزائر ” أن الربيع الأمازيغي لعام 1980 هو ” ربيع المواطنة والحرية والديمقراطية في الجزائر “، واستغل تازغارت الفرصة ليطالب بإطلاق سراح المناضل الأمازيغي المغربي ناصر الزفزافي القابع في السجون المغربية “، مبرزا في الشأن ذاته أن الربيع الأمازيغي ليس فقط محليا ولكن لديه دور طلائعي في شمال إفريقيا كلها وليس الجزائر فقط، للدلالة على أننا كشعوب في خندق واحد “.
ودعا ابراهيم تازغارت السلطات إلى تجاوز مصطلح “المغرب العربي” بما أنها اعترفت بصورة نهائية بالهوية الأمازيغية للبلد، قائلا ” لا بد من تجاوز كلمة المغرب “العربي” المبنية على عرق واحد، نريد مغرب كبير شمال إفريقي لديه 10 قرون وجود قبل ميلاد المسيح عليه السلام “.
من جهة أخرى، ذكّر الناشط ابراهيم تازغارت بأنهم في ” انتظار تفعيل المادة 4 من الدستور ووضع القانون العضوي المتعلق بإنشاء الأكاديمية الأمازيغية “، وتماشيا مع روح الدستور الذي جعل من الأمازيغية لغة رسمية في البلاد، قال تازغارت نطالب بتفعيل رسمي للغة الأمازيغية في كل مؤسسات الدولة، وإنشاء الأكاديمية الأمازيغية على معيار دولي كباقي الأكاديميات في العالم “.
وعاد الجدل مؤخرا، حول ما جرى خلال 20 أفريل 1980، عندما كشف الوزير الأول أحمد أويحيى أن الرئيس بوتفليقة كان آنذاك ضد منع محاضرة مولود معمري، وكان بوتفليقة في ذلك الوقت خارج السلطة.. معلومة شكك فيها البعض على غرار الدكتور سعيد سعدي الرئيس الأسبق للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وأحد صناع الربيع الأمازيغي 80، الذي نقل ما دار بينه وبين الرئيس بوتفليقة في مساهمة نشرها على صفحته في ” الفايسبوك ” مؤخرا، حيث كتب سعدي قائلا : ” قال لي بوتفليقة أعرف النظام أفضل من أي كان وأعرف كيف أصنعه وشخصيا، لم أكن لأمنع محاضرة معمري، كنت سأدعوه، أي معمري إلى عشاء فاخر عند الوالي. وآمر بمرافقة 4 من أفراد الشرطة لمرافقته إلى الجامعة، الطلبة يحتاطون من المثقفين الذين يظهرون مع السلطات. وبهذه الطريقة لن تثير محاضرته الأنظار “.
- المحامي مقران آيت العربي:
“النضال الأمازيغي وصل إلى نقطة اللارجوع“
اصطدم المطلب الأمازيغي بالأحداث التي عرفتها الجزائر خلال العشرية السوداء، لكنه استطاع التأقلم مع الوضع والمحافظة على المطالب ذاتها : الاعتراف باللغة والهوية الأمازيغية، وجاءت مرحلة ” إضراب المحفظة ” سنة 1994 في منطقة القبائل بعد إصدار الدولة لقانون تعميم استعمال اللغة العربية، ما دفع حكومة الرئيس الأسبق الجنرال اليامين زروال لتدريس الأمازيغية كخطوة أولى بإدخال الأمازيغية إلى المدرسة العمومية الجزائرية لأول مرة.
ومع أحداث الربيع الأسود في أفريل 2001، إثر مقتل الشاب ماسينيسا قرماح وسقوط أكثر من مئة شاب في أحداث عنف بمنطقة القبائل، تحولت القضية الأمازيغية إلى اتجاه أكثر راديكالية بالمقارنة مع الفترة السابقة مع ظهور حركة ” الماك ” الحركة من أجل الحكم الذاتي في منطقة القبائل التي توجهت فيما بعد لرفع شعار “الانفصال” ما دفع السلطة المركزية إلى التفكير الجدي لاحتواء هذه القضية قبل أن تخرج عن نطاقها خاصة مع الأحداث المتسارعة على الساحتين الدولية والإقليمية في إطار سياق انتفاضات ” الربيع العربي “، فتمت دسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية سنة 2001 ثم ترسيمها كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في التعديل الدستوري سنة 2016.
ويرى الحقوقي والمحامي مقران آيت العربي في اتصال مع ” الجزائر ” أنه من الضروري ” المواصلة في نهج النضال من أجل الأمازيغية ” بالرغم من دسترتها كلغة رسمية، والتأكيدات المستمرة من طرف السلطة على ترقيتها مع مرور الوقت، وقال المتحدث بهذا الخصوص ” لا بد من المطالبة المستمرة، يوميا وأسبوعيا وسنويا مهما كانت النتائج المحققة “، مؤكدا على أن القضية ” مشروعة “.
وشدد مقران آيت العربي على أن دسترة اللغة الأمازيغية في تعديل 2016 ليس قرارا يدفع لوضع المطالب الأمازيغية في الثلاجة، بالنظر إلى أن المادة الرابعة بإمكان تحريكها، قائلا “مادة ترسيم الأمازيغية قد تتعرض للتعديل، بإمكان أي رئيس جمهورية قادم المساس بوجودها “، مبرزا أن كل القضايا التي ظنت أنها حققت أهدافها ” تراجعت مع مرور سنوات “، مؤكدا على أن النضال من أجل الاعتراف بالأمازيغية ” وصل إلى نقطة اللارجوع “.
ولم تتوقف السلطات عند هذا الحد فبعد احتجاجات عارمة عرفتها مدن القبائل، إثر رفض مواد في قانون المالية 2018 حول تعميم تدريس اللغة الأمازيغية طالب بها حزب العمال على مستوى البرلمان، وبعد هدوء الأمور أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترسيم “يناير” الواقع في الثاني عشر من جانفي من كل سنة عيدا وطنيا، باعتباره يمثل رأس السنة الأمازيغية، وذلك في اجتماع لمجلس الوزراء، في ديسمبر 2017. في خطوة تاريخية وغير مسبوقة في المنطقة، أمر دفع أمازيغ المغرب وباقي الدول المغاربية لمطالبة سلطات بلادهم بحذو الجزائر وترسيم “يناير” عيدا وطنيا رسميا في البلاد.
إسلام كعبش