ربما لم تحيي رئاسيات 2019 فقط الدعوات لتدخل الجيش وتوفير النزاهة والشفافية لهذه الإستحقاقات بل أطلقت العنان لأحزاب المعارضة للتنافس على التموقع، وهو الأمر الذي أبانت عنه المبادرات التي طفت للسطح مؤخرا بعنوان واحد هو “التوافق الوطني” والهرولة بها لأحزاب السلطة في محاولة منها لتعبيد الطريق للظفر بدور في المرحلة المقبلة، ما يعني أن هذه الأخيرة تخلت عن دور المعارضة ولبست ثوب “البحث عن مصلحتها” من مبادرات فاشلة لا يزال أصحابها يكابرون وآخرون تجاوزوا خطاب الانتقاد، إلى دعوة الرئيس لتمديد العهدة.
غيرت بعض أحزاب المعارضة من خطابها وخرجت من دائرة انتقادات للسلطة إلى مغازلتها معبدة الطريق لذلك بالمبادرات والتصريحات، محدثة القطيعة مع نهجها السابق على بعد أقل من سنة عن رئاسيات 2019 بحثا عن دور في المرحلة المقبلة، من مقري المطالب بالانتقال الديمقراطي بضمانات الجيش والمواصل في سلسلة المشاورات رغم رفض الجيش لزجه في المتاهات السياسية وإعلان ذلك جهرة في عديد المرات، وتصريحات رئيس الجبهة الجزائرية موسى تواتي الذي دعا لتمديد عهدة الرئيس لثلاث سنوات أخرى، فيما ركنت أخرى للسبات.
المحلل السياسي عامر رخيلة لـ “الجزائر”:
“لا توجد معارضة حقيقية بل عناوين لأحزاب تمارس التهريج السياسي”
واعتبر المحلل السياسي عامر رخيلة أن “المعارضة” في الجزائر على عكس المعارضات في الدول الأخرى التي تملك برنامجا وخطة بديلة لبرنامج الحكومة، بل تتلون حسب المواعيد السياسية وتطرح مبادرات في محاولة لمغازلة السلطة بحثا عن مصالح ضيقة لا مصلحة الشعب والبلاد، وإلا ما معنى أن توجه مبادرة “حمس” مثلا لأحزاب السلطة أولا في الوقت الذي كان ينبغي أن توجه لنظيرتها من أحزاب المعارضة.
وقال في تصريح لـ “الجزائر” أمس: “المعارضة في الجزائر لا تملك برنامجا سياسيا ولا خطة عمل ثابتة بل متلونة حسب المواعيد السياسية، بدليل الكم الهائل من المبادرات التي طرحت مؤخرا على الساحة السياسية وعلى رأسها مبادرة التوافق الوطني، وهي خير دليل على تغير خطاب حركة مجتمع السلم، نفس فكرة الإنتقال الديمقراطي التي تبنتها في إطار تكتل المعارضة أعادت صياغتها بمسمى جديد هو التوافق وإضافة فكرة الجيش كضمانة لذلك في ثوب العارض لخدماته والراغب في أن يكون له مكان في المرحلة المقبلة، فحمس وإن كانت قد تقلت مؤشرات من المؤسسة العسكرية نفسها بالنأي عن الممارسة السياسية، غير أن هذه الأخيرة لا تزال تنتهج سياسة المكابرة بالرغم من أن الفشل سيكون مصير هذه المبادرة، فأي مصداقية بقيت لها سيما مع اللجوء لأحزاب السلطة والتي في نظري تم تمييعها ولم يبق غير التسويق لحركة حمس دون نتائج إيجابية تذكر”.
وتابع: “فرئاسيات 2019 أخلطت أوراق المعارض، البعض راح ليطرح فكرة مرشح الإجماع والبعض الآخر غير خطابه السياسي المعارض لخطاب “تملق ” أو قريب منه، وخير مثال في ذلك حركة البناء الوطني التي طرحت نفس مسمى مبادرة “حمس” وأضحت أحزاب المعارضة تتنافس للقاء أحزاب السلطة بحثا عن “توافق” في الظاهر و”تحقيق مصالح ومآرب شخصية في الخفاء”.
وقال أيضا: “هرولة بعض أحزاب المعارضة لأحزاب الموالاة هي دليل ضعف وتؤكد البحث عن مصلحتها لأنها لو كانت تريد مصلحة الشعب والبلاد لكانت قوة ضغط ببديلها الذي ينبغي أن يوجه للشعب والتنسيق معه باعتباره المعني الأول صاحب السلطة ويختار من يريد قيادته للمرحلة المقبلة”.
غير أن الأمر لم يتوقف عن طرح المبادرات بل تجاوزتها للمطالبة بتمديد عهدة الرئيس وهو الأمر الذي دعا له رئيس حزب الجبهة الجزائرية موسى تواتي في خرجة غير متوقعة لهذا الأخير المعروف بانتقاداته للسلطة وسياساته، بحيث أفاد رخيلة بأن هذا التحول في خطاب تواتي إنما هو رغبة في خلط الأوراق وجلب الانتباه وإحداث نوع من الضجة الإعلامية والتي تصب دائما في خانة البحث عن التموقع ليس إلا، وقال رخيلة: “هذا التحول في خطاب المعارضة مرهون بموعد وحيد وهو رئاسيات 2019 والذي يتسارع فيها الجميع للظفر ولو بحصة منها”.
وأشار رخيلة إلى أن دور المعارضة الحقيقية في الوقت الراهن هو بلورة برنامج شامل والتوجه به للشعب وليس مغازلة السلطة بالمبادرات والتصريحات”.
زينب بن عزوز