تحولت أحزاب المعارضة من معارضة السلطة إلى معارضة بعضها البعض وأصبحت تتميز بعدم تنسيق مواقفها مثلما كانت في السابق إبان الانتهاء من العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، حيث اجتمعت على كلمة واحدة وهي ضرورة الذهاب نحو انتقال سياسي ديمقراطي سلمي يجنب البلاد أزمات وانفجارات اقتصادية وسياسية، في وقت تعرف أحزاب الموالاة تنسيقا كبيرا قد ينتج عنه “تحالف رئاسي” بوجه جديد.
يبدوا أن الوقت الذي كانت فيه أحزاب المعارضة بمختلف توجهاتها تجتمع وتصدر بياناتها بشكل موحّد انتهى على الأقل في الفترة الراهنة التي تسبق الانتخابات المحلية وبعدها الرئاسيات مطلع 2019، حيث بنظرة خفيفة على مختلف المواقف التي باتت تصدرها هذه الأحزاب يتبين أن المعارضة لم تعد تحمل برنامجا واحدا أو تصورا مشتركا لأزمة السلطة الحالية، وربما حتى في كيفية إنقاذ الاقتصاد الوطني ومن الممكن أن تنتظر هذه الأحزاب مرور الرئاسيات المقبلة وفق قرارات السلطة لتجتمع من جديد مثلما فعلت بعد الانتخابات الرئاسية سنة 2014 التي دفعت بالرئيس بوتفليقة لولاية رابعة.
وتحاول مختلف أحزاب المعارضة التمركز من جديد على وقع واقع سياسي متحرك يتميز باستحقاقات انتخابية مهمة بالنسبة إليها، بالرغم من علمها أن السلطة وأحزابها وتشكيلاتها السياسية تبقى هي المتحكم الأبدي في زمام اللعبة السياسية في البلاد، هذا ما دفع ” الأرسيدي ” للمطالبة بتأسيس نظام انتخابي جديد بدل المطالبة بتفعيل المادة 102 من الدستور المتعلقة بعزل رئيس الجمهورية بالنظر لوضعه الصحّي. في هذه الأثناء التي تعرف فيها صفوف المعارضة تمزقا وتباينا في الرؤى استطاعت الوزارة الأولى برئاسة أحمد أويحيى جمع باقي الأحزاب المعروفة بدعمها للرئيس بوتفليقة لتشكيل جبهة برلمانية للدفاع على برنامج الحكومة المزمع تقديمه للمناقشة اليوم، في ظل دعوات من المعارضة لعدم التصويت عليه مثلما أكده رئيس ” حمس ” عبد المجيد مناصرة.
ومن النقاط الرئيسية التي أضحت المعارضة تختلف في تشخيصها بالرغم من أنها كانت إلى وقت قريب تتوحد بشأنها وهي الدعوة إلى تطبيق المادة الدستورية المتعلقة بالشغور الرئاسي، حيث أن علي بن فليس الذي كان أحد أبرز أشرس معارضي الرئيس بوتفليقة ومنافسه في مرتين للانتخابات الرئاسية 2004 و2014 أصبح يقترح ” معالجة للأزمة السياسية الشاملة ” من دون الإشارة إلى تطبيق هذه المادة، سوى عن طريق ” التشاور الجاد والحوار الحقيقي الجامع، وأن الحلول الحقيقية لن تكون ممكنة إلا من خلال الحوار”. وأن ” لا حل من دون معالجة الأزمة السياسية ومن دون إصلاحات هيكلية واقتصادية واجتماعية حقيقية ومن دون حوار حقيقي يشمل كل الأطراف وكل الإرادات وكل القوى الفاعلة في المجتمع “. تقريبا هذا ما بات يراه حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي أكد رئيسه محسن بعباس أن ” تطبيق المادة 102 لا يمكن أن يتم إلا من خلال وضع نظام انتخابي نزيه وشفاف ومستقل، من شأنه أن يفضي إلى انتخابات حرة يقول فيها الشعب كلمته ولا تطالها يد التزوير، وإلا فإننا سنغامر بمشهد يتكرر فيه السيناريو نفسه، وينصب لنا من تعودوا تنصيب الرؤساء واجهة جديد كما أن الإشكال حاليا ليس فقط في التدهور المستمر لصحة الرئيس، ولا في الشغور الظرفي للسلطة، بل إن هناك إشكالا هيكليا بخصوص عملية اتخاذ القرار على كل المستويات، ويتعلق أيضا بآليات التمثيل السياسي والاجتماعي، وبالشرعية الديمقراطية لمؤسسات الدولة، وبإعادة تأسيس الوساطة السياسية، والتداول على السلطة، ومعالجة مشكل فقدان الثقة بين المواطن والسياسي بشكل عام “. أما جيلالي سفيان رئيس حزب “جيل جديد ” فيظل متمسكا بموقف تطبيق المادة 102 وتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، أما حركة ” حمس ” فتتبنى موقفا معارضا للمعارضة، عبر عنه رئيسها عبد المجيد مناصرة الذي اعتبر أنه ” لا يوجد شغور على مستوى الرئاسة، وأن من يرى غير ذلك فهو حر، وأن طرح قضية مثل هذه في مثل هذه الظروف يشوش على الانتخابات المحلية المقررة بعد أقل من شهرين، ولا يخدم استقرار البلاد “. ولم يتوقف الأمر عند الأحزاب السياسية المهيكلة فقط، وإنما تعدى الأمر إلى الشخصيات المعارضة المعروفة على الساحة التي تدلي بمواقفها بخصوص الكثير من القضايا المطروحة للنقاش، هذا ما حصل مع وزير التجارة السابق نور الدين بوكروح الذي استطاع إخراج الجيش عن صمته وإدخاله في النقاش المحتدم حاليا بين السلطة والمعارضة، ما دفع المؤسسة العسكرية للرد على دعوات بوكروح وبعض السياسيين عبر افتتاحية مجلة ” الجيش ” بالقول أن ” الجيش الوطني الشعبي يلتزم بمهامه الدستورية كاملة ولا يتدخل في الشأن السياسي”.
إسلام كعبش