مفروض على النظام إعادة سيطرة الأفلان والأرندي
الحزب السياسي الجزائري لازال مغلقا أمام التحولات التي عرفها المجتمع
في هذا الحوار يقدم الأستاذ الدكتور ناصر جابي كمختص في علم الاجتماع السياسي ودارس للظاهرة الانتخابية في الجزائر تحليلا للمعطيات المتوفرة في بداية الحملة الانتخابية لتشريعيات 4 ماي المقبل. ويجزم أن لا تغيير ينتظر من الاستحقاق القادم بالنسبة للاستحقاقات الماضية لاسيما تشريعيات 2012 فلا الظرف تغير ولا طموحات وتصورات السلطة المنظمة لهذه الانتخابية تبدلت ولا المواطن أضحى يرى الانتخابات بغير المنظور الذي كان يراها به من قبل مشيرا إلى أن الطبقة السياسية لم تفعل شيئا يجعل المواطن يغير نظرته للانتخابات بحيث لم تتحول إلى وسيلة للتغيير والتداول على السلطة متوقعا أن تضم الحكومة المقبلة مشاركة أحزاب إسلامية وأخرى من التيار الديمقراطي.
تتأهب الجزائر لخوض سادس انتخابات تشريعية في ظل التعددية ما الذي يميز في نظرك الاستحقاق الحالي عن الاستحقاقات الماضية؟
لا أعتقد أن هناك الجديد الذي يميز انتخابات 2017 مقارنة بما سبقها من انتخابات. فهي انتخابات تحصل في نفس الظرف السياسي مقارنة حتى مع انتخابات 2012 التي تمت عشية ما سمي بالربيع العربي وأنتجت نفس الخارطة السياسية رغم ما ميز هذا الظرف خاصة بعد الإعلان عن حزمة الإصلاحات القانونية التي بادر بها رئيس الجمهورية لتفادي آثار الربيع العربي.
نحن إذن أمام استمرارية تميز الانتخابات التشريعية في الجزائر بالركود السياسي الذي يرفض التغيير، فميزة الانتخابات التشريعية السياسية، بما فيها الانتخابات الرئاسية والمحلية أنها ليست وسيلة تغيير ولا تداول على السلطة. فقد أقنعت هذه الانتخابات المواطن أنها لن تأتي بالجديد ولا يجب أن ينتظر منها الجديد. للأسف، الانتخابات ليست وسيلة تغيير سياسي. وهو ما فهمه المواطن الذي لم تعد تقنعه هذه النوعية من الانتخابات التي أصبحت من دون رهانات سياسة فعلية باعتبار أن نتائجها معروفة مسبقا وليست وسيلة تغيير.
لأول مرة تهتم السلطة السياسية اهتماما شديدا بهاجس المقاطعة من خلال تصريحات ومذكرات أعضاء في الحكومة. هل تشكل المقاطعة فعلا خطرا على قيمة الاقتراع ومصداقيته؟
السلطة في الجزائر، عكس تجارب عربية أخرى مشابهة، اهتمت دائما وبشكل ملفت للنظر بنسب المشاركة لأنها تعد العامل الوحيد الذي لا تتحكم فيه كليا كما تتحكم في النتائج وحتى الترشيحات ومسار الحملة الانتخابية. العزوف من جهة أخرى له مظهره الخارجي الذي يمكن التأكد منه وحتى قياسه. فالمواطن عندما يقاطع من الصعب الادعاء بالعكس. خاصة وأن المقاطعة في الجزائر تحصل في المدن الكبرى التي تمثل أغلبية ديمغرافية من الصعب إخفاؤها في وقتنا هذا الذي يتميز بحضور الوسائط الاجتماعية من كل نوع. زيادة على ظاهرة القنوات التلفزيونية الخاصة والدولية التي لا تسمح بادعاء العكس والقول إن هناك مشاركة شعبية كبيرة. المواطن من جهة أخرى يسمح لنفسه بالتعبير أثناء الانتخابات بمواقف معارضة من الصعب التغطية عليها كتقطيع الملصقات وعدم الذهاب إلى التجمعات والتهكم على المرشحين وغيرها من أساليب التعبير عن رفض هذا النوع من الانتخابات التي ابتعد عنها كثيرا المواطن خاصة الشاب وساكن المدن. بالطبع نسب مرتفعة للمقاطعة والعزوف لها نتائج على شرعية المؤسسة البرلمانية مما يزيد من تعميق أزمة هذه المؤسسة في عين المواطن.
هل ينتظر أن يحدث نوع من الاختراق بين الوعاءات الانتخابية التقليدية لأحزاب السلطة أم أننا نتجه نحو إعادة نفس الخارطة؟
المتوقع أن تعيد نتائج الانتخابات التشريعية القادمة نفس الخارطة السياسية. فالنظام مفروض عليه نظرا للحالة السياسية الراهنة أن يعيد سيطرة حزبي السلطة مع إضافات بسيطة من هنا وهناك في انتظار استحقاق رئاسيات 2019 التي تبقى أهم من انتخابات 2017 التي ليست إلا محطة في طريقها. فالأغلبية إذن يجب أن تبقى لصالح الافلان والارندي. بعد ذلك يمكن التفكير في حضور ثانوي لبعض الأحزاب كالإسلاميين، ليس كلهم الطبع. أتوقع مثلا هنا أن تختفي حركة الإصلاح التي لم يعد لها حضور فعلي بعد الانشقاقات التي عرفتها وفشل قيادتها في الانخراط في التحالفات الإسلامية الكبيرة. زيادة على الإسلاميين كتحالف حركة مجتمع السلم، ممكن أن يتم التفكير في حضور تحالف البناء / النهضة /حركة العدالة والتنمية الذي يمكن أن يتم التفاهم معه لاحقا في إطار توسيع التحالف الحكومي إذا فشلت المفاوضات مع تحالف حمس خاصة إذا كانت نتائجها ضعيفة بعد 4 ماي . تحالف البناء / النهضة / العدالة والتنمية الذي يمكن أن يعرف اضطرابات في أدائه بعد الانتخابات. وهو يواجه معضلة الدخول في تحالف حكومي. فهذا التحالف يعكس هشاشة سياسية واضحة يمكن أن تتعمق بعد مرحلة ما بعد الانتخابات خاصة وأن هناك أطرافا داخله لها نزعة قوية في التقرب من السلطة عكس أطراف أخرى داخله. مما قد يعمق شروخ هذا التحالف الهش. دون أن ننسى حزب تاج الذي يمكن أن يقدم للمواطن الجزائري على أساس انه حزب إسلامي ويدمج في تحالف حكومي على هذا الأساس إذا فشلت المفاوضات مع الأحزاب الأم. بالطبع هناك الأحزاب الأخرى التي تمثل القطب الديمقراطي التي ستحافظ على تواجدها رغم التنافس الكبير بينها على نفس الوعاء الانتخابي كما هو حاصل عند التيار الإخواني بمختلف تسمياته . لتبقى مجاهيل أخرى مرتبطة بنتائج حزب العمال وتاج والحركة الشعبية. التي يمكن أن تلتحق بالتحالف الحكومي والبرلماني لاحقا. الأكيد أن انتخابات 2017 ستعرف صعوبة في إخراجها لأن الأحزاب المشاركة كثيرة وبطموحات سلطوية بارزة تشتغل على نفس الوعاء في غياب سيميز المواطن، خاصة إذا أضفنا إليها القوائم الحرة التي يمكن أن تكون الضحية الكبرى في هذه الانتخابات.
وهل سيكون لتغير موازين القوى داخل السلطة دور في ذلك؟
السلطة الفعلية لا تهتم كثيرا بالانتخابات التشريعية باعتبارها جزء من عملية تلهية للنخب السياسية وواجهة أمام العالم الخارجي من خلال دوريتها واحترامها لمقاييس قانونية شكلية. ماعدا هذه الانتخابات ما يهمها أنها لن تعيد النظر في الخارطة السياسية التي تبقى مسيطرة عليها عن طريق أحزابها الكبيرة المعروفة والصغيرة الجديدة التي تبقى على استعداد للقيام بنفس الوظائف المطلوبة منها. ليبقى الأهم في هذه الانتخابات أنها محطة في الطريق نحو رئاسيات 2019 التي لا يجب أن تشوش عليها.
هل تنتظر نسبة مشاركة أكبر في الانتخابات بحكم ظهور وسائل اتصال جديدة مثل القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي أم العكس؟
نسب المشاركة لن تكون أكبر من ما سبقها من انتخابات 2012 وربما ستكون اقل منها. لكن إذا بقيت في حدود ما هو مطلوب منها فهذا هو المطلوب في جو سياسي مأزوم وجو اجتماعي واقتصادي صعب في انتخابات من دون رهانات فعلية مملة بالنسبة للذي يشارك فيها والمتفرج عليها وطنيا كان أو دوليا كمثال فقط يمكن التأكد من هذا من خلال غياب الصحافة الدولية التي لم تعد مغرية لها .
من خلال تتبعك لنوعية الترشيحات ما هي المكونات السوسيولوجية التي ستغلب على البرلمان القادم؟
كما هو الحال بالنسبة للمتغيرات الأخرى لا جديد كذلك فيما يخص الجوانب السوسيولوجية التي استمرت على نفس النمط. لأن الحزب السياسي كوعاء سوسيولوجي لم يعرف تغييرا. فالحزب السياسي الجزائري لازال مغلقا أمام التحولات التي عرفها المجتمع الجزائري فالشاب لا يهتم به مثلا والمرأة كذلك. الجديد نسبيا الذي ظهر منذ 2007 خاصة هو الاهتمام الكبير الملاحظ على فئة الأغنياء الجدد الذين أصبحوا ينافسون الموظفين داخل الحزب والعملية الانتخابية ككل. وضع يمكن أن نقيس من خلاله التغيير الذي تعرفه الدولة الوطنية في قواعدها الاجتماعية.
حاوره أحسن خلاص